العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ

الحاجة إلى استراتيجية شاملة لمواجهة تحديات العمالة في الخليج

في دراسة لـ «بوز آند كومباني»

تُعتبَر البطالة من أكبر التحديات التي يواجهها مجلس التعاون الخليجي: فمن شأن هذه المشكلة أن تنعكس سلباً على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتهدّد معايير المستوى المعيشي، وتولّد تفاوتاً اقتصادياً. وبحسب دراسة جديدة لمركز الفكر(Ideation Center) في «بوز أند كومباني»، وهو يضم مجموعة خبراء في شئون الشرق الأوسط ، تشكّل البطالة المقنعة (العمالة الفائضة والعمالة الناقصة التي لا تتلاءم مع المهارات المطلوبة) بدورها مشكلة، كون الحكومات في دول المجلس هي المستخدِم الأوّل للمواطنين الذين غالباً ما يفتقدون إلى المؤهلات التي تمكّنهم من التنافس مع أقرانهم من القطاع الخاص، فلا يبقى للأخير سوى الاعتماد على العمالة الأجنبية.

تتعدّد أسباب البطالة في مجلس التعاون الخليجي: نظام تربوي لم يتلاءم مع حاجات الصناعة الحديثة، مواطنون تعودوا على توقّع الدعم الدائم من الحكومات، وسياسات، مثل الهجرة والتقاعد، لم تثبت فعاليتها في سوق العمل. وتزداد حدّة المشكلة بفعل الضغط على المنطقة لاستحداث مئات آلاف فرص العمل سنوياً: وفق توقعات البنك الدولي الأخيرة، ستتخطى القوة العاملة في مجلس التعاون الخليجي 20.5 مليوناً بحلول العام 2020؛ ما يمثّل زيادة بنحو 30 في المئة من التقديرات الحالية للقوة العاملة التي تبلغ 15.6 مليوناً. وبحسب الشريك في بوز أند كومباني، ريتشارد شدياق: «إذا أرادت المنطقة إيجاد حلّ للمشكلات المتعلقة بالبطالة، عليها أن تحدِث تغييرات في القطاعين العام والخاص كما في الثقافة».


تحديات العمالة

في العام 2008، تمّ تقدير البطالة الوطنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بنحو 13 و14 في المئة، و15 في المئة في البحرين وعُمان، على رغم النمو السريع في اقتصادات تلك الدول منذ العام 2003. أمّا قطر، فعانت من بطالة بنسبة 3.2 في العام 2007 (بعدما انخفضت من 11.6 في العام 2001). ويفيد مدير مركز الفكر وخبير اقتصادي رائد في بوز أند كومباني، حاتم سمّان: «قد يشير هذا الانخفاض في مستويات البطالة في قطر إلى مشكلة كامنة بمجلس التعاون الخليجي، إذ عادة ما تمثّل الحكومات في المنطقة الملاذ الأوّل والأخير بالنسبة إلى توظيف المواطنين». وتكمن هذه المشكلة في عوامل أخرى عديدة مثل حال التوظيف (كالبطالة المقنعة) وغياب النشاط الاقتصادي وفعالية الخطط الإستراتجية.


حال التوظيف في دول الخليج

يتبلور حال التوظيف أكثر عندما يتم تجزئته والنظر إليه في إطار فئتَين اجتماعيّتَين: الفئة الناشطة اقتصادياً، التي تشمل العاملين والعاطلين عن العمل في سنّ العمل، والفئة غير الناشطة اقتصادياً التي تشمل الفئة من المجتمع التي لا تبحث بشكل ناشط عن وظيفة.

وتظهر الخصائص الآتية لدى الناشطين اقتصادياً من بين العاطلين عن العمل في مجلس التعاون الخليجي:

غالبيتهم ما دون الـ 30: 48 ف يالمئة من السعوديين بين الـ 20 والـ 24 من العمر يعانون من البطالة، بالإضافة إلى 31 في المئة ممّن تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً. وفي البحرين، 32 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين20 و24 عاماً يعانون من البطالة، ناهيك عن 33 في المئة من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 25 والـ 29.

يتميّز هؤلاء بمستويات تعليمية متدنية: عدد كبير من العاطلين عن العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لا يحملون شهادات جامعية.

غالبية العاطلين عن العمل من النساء: تعاني النساء من البطالة أكثر من قرنائهن الرجال. ففي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، بلغت معدلات البطالة بين النساء في المرحلة الأولى من التعليم الثلاثي 30 و24 في المئة على التوالي في العام 2008.

تمتدّ فترة البطالة طويلاً: على رغم ندرة البيانات، تشير الأرقام البحرينية إلى أنّ 13 في المئة من المواطنين العاطلين عن العمل لم يعملوا لمدة بلغت 8 سنوات.

ويمثّل الموظفون الجزء الثاني من المجتمع الناشط، ويعمل معظمهم في القطاعات الحكومية، ما يمثّل أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في معظم دول المجلس، فيما يعمل جزء صغير منهم في القطاع الخاص. وفي حالات عدة، يعاني الموظفون من المواطنين من العمالة الزائدة و الناقصة؛ الأمر الذي يتميّز بالانعكاسات الاقتصادية نفسها التي تؤدي إليها البطالة، مثل التأثير السلبي على الإنتاجية الاقتصادية في المنطقة.

فالعمالة الزائدة عن الحاجة جزء من المشكلة؛ إذ يشكل عدد الموظفين في القطاع العام فائضاً كبيراً؛ ما يؤدي إلى غياب الفعالية على مستوى خدمات حكومية عدة. وفي القطاع الخاص أيضاً أدى فرض الحصص إلى إدخال المواطنين في جداول الرواتب من دون الاستفادة منهم على مستوى الإنتاجية.

أما العمالة الناقصة فهي متفشية وخاصة في القطاع العام فقد أدى الاعتماد الكبير لاقتصاد المنطقة على النفط إلى استخدام إيراداته الوافرة لتوظيف المواطنين في القطاعات العامة التي باتت تمثل جزءاً كبيراً من اقتصادات دول المنطقة. وأدى ذلك بالتالي إلى ثغرة كبيرة بين المهارات المطلوبة من القطاع الخاص والمهارات المتوافرة في القوة العاملة، إذ اعتمدت سوق العمل في القطاع العام بصورة كبيرة على توظيف المواطنين الذين غالباً لا يتطلبون دراسات علمية أو تقنية بينما اعتمد القطاع الخاص على العمالة الأجنبية الأكثر تقنية. وقد انعكس ذلك حتى يومنا هذا في التحديات التي يطرحها استبدال الوافدين الأجانب بالمواطنين، وغيرها من التعقيدات ذات الصلة مثل المعدلات المرتفعة للتحويلات المالية التي تؤثر سلباً على اقتصادات المنطقة، كما تجسّدت هذه الظواهر في تحديات اقتصادية أخرى مثل إنتاجية العمل المنخفضة.


غياب النشاط الاقتصادي

تدلّ عبارة «غير ناشط اقتصادياً» على أفراد المجتمع في سنّ العمل الذين لا يبحثون عن العمل لأنهم مرضى، أو يرعون أفراد عائلتهم، أو لأنهم تقاعدوا مبكراً. ويوضح شدياق «يمثّل المجتمع غير الناشط كلفة للاقتصاد لجهة الناتج المحلي المحتمل، ومع مرور الوقت، قد يزداد عدد العاطلين عن العمل بسبب هؤلاء أو تبرز الحاجة إلى القيام باستثمار كبير لتدريبهم من أجل إعادة دمجهم في صفوف المجتمع الناشط اقتصادياً».

في دول عدة من مجلس التعاون الخليجي، بلغ معدل المجتمعات غير الناشطة في السنوات الأخيرة أكثر من 40 في المئة من المجتمع الناشط في كل دولة. وقد تكون الأعداد الكبيرة للشباب غير الناشط في المراحل التعليمية المختلفة خير تفسير لهذا التفاوت الكبير، بيد أن هناك ثلاثة عوامل أخرى ذات أهمية تعكس هذا التباين مع المؤشرات العالمية:

مستويات متدنية لمشاركة النساء في القوة العاملة: بلغ متوسط معدل مشاركة النساء في القوة العاملة في مجلس التعاون الخليجي 33 في المئة في العام 2005 - عام من النمو الاقتصادي القوي - إذ تراوحت هذه المشاركة بين 18 في المئة في المملكة العربية السعودية و50 في المئة في الكويت.

جزء كبير من المواطنين غير راغب في المشاركة: يرغب العديد من المواطنين في تفادي العمل في القطاع الخاص، فيصبحون غير ناشطين أو عاطلين طوعيين عن العمل، ذلك أنّه يُنظَر إلى عدد من هذه الوظائف على أنّها غير جديرة بهم، وعلى أنّ دخلها الفعلي منخفض مقارنة بالوظائف الحكومية.

بعض الأشخاص يعملون غير أنّهم ليسوا جزءاً من القوة العاملة الرسمية: إنّ الوجود المهم لليد العاملة الأجنبية يشكّل جزءاً لا يُستهان به من الاقتصاد غير الرسمي في مجلس التعاون الخليجي. يرسل هؤلاء العمال الأجانب المال إلى بلدانهم، وهذا نوع من التسرّب الاقتصادي الذي يُنقص إجمالي الناتج المحلي في هذه الدول. وعلى الصعيد الوطني، نتيجة الصعوبة التي تواجهها الحكومات في استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، يحاول هؤلاء، وخاصة النساء منهم، البحث عن طرق غير رسمية للعمل، بما في ذلك المهن الحرة. ويقول سمّان: «من التحديات المحتملة الأخرى التي تواجهها سوق العمل في مجلس التعاون الخليجي تجزّؤ سوق العمل إلى سوق رسمية وسوق غير رسمية، ما يساهم في تخفيض متوسط الدخل، خاصة خلال فترات التباطؤ الاقتصادي، وهذا يزيد من حدّة مشكلة البطالة».

ويمكن للسياسات العامة الفعالة أن تدفع أسواق العمل إلى التطور في شكل يدعم الأهداف الاجتماعية والاقتصادية. وتعتمد فعالية هذه السياسات بدورها على طبيعة وفعالية المؤسسات التي تم إنشاؤها لتطبيق هذه السياسات. ومن شأن القيم الثقافية والسلوكيات التي تعزّز التوافق والتعاون بين الجهات المعنية أن تطلق عجلة النمو الاقتصادي وتساعد سوق العمل.

العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً