العدد 2834 - الأربعاء 09 يونيو 2010م الموافق 26 جمادى الآخرة 1431هـ

المغرب وهويات الفاتحين العرب!

تم نشر مقال «المغرب وهويات الفاتحين العرب» على الموقع الخاص بالراحل المفكر المغربي محمد عابد الجابري قبل أسبوع من رحيله (27 أبريل/ نيسان الماضي) فيما نشر مقال «شيخوخة السكان ومشكل الهوية» بتاريخ 16 مارس/ آذار الماضي.

} في إطار محاولة الكشف عن جذور الهوية الوطنية بالمغرب أبرزنا عنصرين اثنين :

أولهما: كون خصوصية المغرب الأقصى في مجال تشكل الوعي بالهوية ترقى إلى قرون عديدة قبل الإسلام، وقد برزت هذه الخصوصية منذ الاحتلال الروماني الذي اعترف للمغرب الأقصى بوضع خاص حين أطلق عليه اسم «موريتانيا الطنجية»، نسبة إلى طنجة «المدينة التي تطل على الأراضي المغربية الأخرى، شرقاً وجنوباً»، ولا تزال إلى اليوم تلقب بـ«طنجة العالية عروس الشمال». لقد كانت هذه المدينة التاريخية، ولاتزال، منذ الفينيقيين والرومان إلى الفتح الإسلامي إلى ما قبل استقلال المغرب العام 1956، «بوابة المغرب» إلى الخارج : فمنها كان فتح الأندلس، وبالارتباط معها كان دخول الأمير الأموي، عبد الرحمن الداخل الهارب من وجه العباسيين، إلى الأندلس ليؤسس فيها دولة أموية، قبل أن تصبح تابعة إلى المغرب منذ عهد المرابطين الذي تلا عهد الأدارسة، فأصبحت الأندلس من منظور المغاربة، إحدى «العَدْوَتين» (الضفتين) لا يفصلها عن طنجة غير مضيق جبل طارق، كما هو الشأن في عدْوَتي فاس على ضفتي نهرها: عدوة الأندلس التي حَلَّ بها القادمون من الأندلس، وعدوَة القرويين التي نزل بها الوافدون من القيروان، تماماً كما هو الشأن أيضاً في عدْوَتي الرباط وسلا التي يصل بينهما نهر أبي رقراق.

هذه المعطيات الجغرافية/ التاريخية التي لمسناها لمساً كانت ولاتزال ذات أهمية كبرى على صعيد تشكل الوعي بالهوية الوطنية في المغرب، أمس واليوم، فعليها تتأسس فكرة «الوطن». الركن الأساسي والضروري في مفهوم «الأمة» بالمعنى الذي حددناه: «جماعة بشرية تتعرف على نفسها بارتباطها ببقعة من الأرض (وطن) على مدى التاريخ ويجمعها الشعور بكونها تشكل مجموعة سياسية واحدة (أمة وليس مجرد قبيلة أو طائفة)».

ذلك عن العنصر الأول الذي أبرزناه وألممنا هنا بأهم معطياته بالنسبة إلى موضوعنا. أما العنصر الثاني الذي كنا أبرزناه كذلك فهو التجاء إدريس الأول إلى وليلي، عاصمة «موريتانيا الطنجية» (المغرب) في عهد الرومان، وتأسيسه لدولة الأدارسة في المغرب العام778م - 172 هـ،. وكان ذلك بعد الفتح الإسلامي الذي لم يستقر، إلا بعد أكثر من قرن، مع عقبة بن نافع العام 688م -61هـ، وبعد مقاومة عنيفة من ملوك الأمازيغ وقبائلهم، كانت في الأعم الأغلب رد فعل على تجاوزات وتعسفات الولاة الأمويين.

لقد استبعدنا أن يكون للشيعة أي دور في قيام هذه الدولة التي ينسب تأسيسها إلى واحد من ذرية علي بن أبي طالب، والتي استقل بها المغرب نهائياً عن الخلافة العباسية (واستمر مستقلاً عن عصور الخلافة التالية، الفاطميون والعثمانيون). وكان السؤال الذي فرض نفسه علينا في آخر المطاف هو : «كيف تحددت خصوصية الهوية الوطنية» في المغرب منذ قيام هذه الدولة؟

سؤال تثوي تحته عدة أسئلة: ما الذي جعل إدريس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، يلجأ إلى المغرب بالذات دون أن يكون له فيه «حاضنة» من الشيعة؟ ثم لماذا قصد مدينة وليلي لينزل عند زعيم قبيلة أوربة : إسحق بن محمد بن عبد الحميد، ومن هو هذا الرجل. وما الذي كان يربط بينه وبين إدريس؟

للجواب عن هذه الأسئلة يجب أن نرجع إلى الوراء قليلاً لنستحضر ظروف فتح الأندلس ونجاح طارق بن زياد في فتحها، ثم علينا أن نستحضر أيضاً نجاح الأمير الأموي «عبد الرحمن الداخل» في تأسيس دولة أموية في الأندلس بعد أن نجا من قبضة العباسيين وأفلت من ملاحقتهم. إن استحضار تجربة هذين الوافدين على المغرب، اللذين ساهما في وضع اللبنات الأولى لتاريخه العربي الإسلامي، ضرورية لفهم ظروف وملابسات نجاح إدريس الأول في تأسيس أول دولة إسلامية مستقلة بالمغرب !

وغني عن البيان القول إننا لا نريد كتابة تاريخ المغرب في تلك الفترة - وليس ذلك من اختصاصنا ولا من مشاغلنا- كل ما نريده هو إبراز معطيات يمر بها كثير من المؤرخين ومن يقرأ لهم «مر الكرام»، تحت زحمة أحداث التاريخ وتعدد أغراضهم من كتابته.

1) أما بخصوص طارق ابن زياد وفتحه الأندلس فسنقتصر على الإشارة إلى اختلاف المؤرخين والباحثين في أصله لكون اسمه واسم أبيه واسم جده من الأسماء العربية (طارق، زياد، عبدالله). فابن عذاري يقول عنه «هو طارق بن زياد بن عبد الله بن لغو بن ورقجوم...»، وهذا يعني أن أباه «زياد» وجده «عبد الله» قد تعربا في وقت مبكر، أما جدوده الأعلون فأسماؤهم «أمازيغية» ترقى به إلى قبيلة نفزة. يقال ولد سنة 670م - 50 هـ. وبما أن الجميع يتحدث عنه بوصفه «مولى» لموسى بن نصير، الذي كلفه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بفتح الأندلس، فلا بد أن يكون طارق بن زياد ( غير عربي) لأن «الموالي» غير، و«العرب» غير. هذا بينما ينسبه بعض المؤرخين، ومنهم ابن خلدون، إلى قبيلة «ليث»، فقد سماه «طارق بن زياد الليثي»، نسبة إلى قبيلة «ليث»، وهي قبيلة عربية معروفة.

أما فتح طارق للأندلس فتجمع الروايات على أهمية الدور الذي قام به حاكم طنجة يليان (لعله جوليان؟ والإسبان ينطقون الجيم ياء)، ممثل لذريق (رودريك، رودريغو) ملك القوط بإسبانيا. يقول ابن خلدون في تاريخه: «وكان يليان ينقم على لزريق ملك القوط لفعله بابنته في داره كما زعموا، على عادتهم في بنات بطارقتهم، فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته منه. ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على غرة فيهم أمكنت طارقاً، فانتهزها لوقته، واجتاز البحر سنة 720م - 92هـ بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمئة من العرب، معهم من البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكراً، و نزل بهم جبل الفتح فسمي به» (جبل طارق).

وما نريد إبرازه من خلال هذه المعطيات هو أن فتح الأندلس كان يدين إلى حد كبير لظروف محلية سهلت لطارق بن زياد مهمته، بل ربما كانت هذه المعطيات المحلية التي ذكرناها هي التي جعلت القائد طارق بن زياد يقترح على مولاه موسى بن نصير فتح الأندلس، بناء على تحريض من «يليان» المذكور!

2) وستلعب الظروف المحلية في المغرب الدور نفسه بالنسبة لعبدالرحمن الداخل (وقد نصب له الإسبان مؤخراً تمثالاً تعبيراً عن مصالحتهم مع تاريخ بلدهم الإسلامي واعتزازاً بالأندلس الإسلامية وبدورها التاريخي). هرب عبدالرحمن بن معاوية حفيد هشام بن عبدالملك (الخليفة الأموي)، من ملاحقة العباسيين، إلى أخواله الأمازيغ، إذ كانت أمه أمازيغية تدعى «داح» ... هرب لاجئاً إلى المغرب وفي الوقت نفسه طامعاً في تأسيس إمارة، يرافقه مولاه «بدر». وبعد تنقلات في بلدان الأمازيغ، انطلاقاً من طرابلس، قصد منطقة سبتة، وأرسل مولاه «بدر» للاتصال في هذا الشأن بالعرب والأمازيغ في الأندلس، فنجح مسعاه وأرسلوا إليه جماعة لنقله إلى الأندلس سنة755م - 138هـ ...

ولن تمضي سوى ثلاثة عقود حتى يكرر إدريس بن عبد الله المسار نفسه في ظروف مشابهة ولكن ذات خصوصية.

محمد عابد الجابري

27 أبريل/ نيسان 2010

العدد 2834 - الأربعاء 09 يونيو 2010م الموافق 26 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:16 ص

      ليس هذا مانبحث عنه

      نبحث عن موقف المغرب العربي اتجاه الفاتحين (الاسلام)

اقرأ ايضاً