العدد 2842 - الخميس 17 يونيو 2010م الموافق 04 رجب 1431هـ

هيكل... غواية العودة للأضواء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في طريق العودة من سفرٍ قصيرٍ، من الجميل أن تصطحب معك كتاباً متوسطاً من ستة وستين صفحة تكمل قراءته على متن الطائرة في الجو! ويتحوّل هذا الترف إلى منقذٍ عندما تتأخر رحلتك ساعة كاملة، دون أن تقدّم الشركة للمسافرين نصف كلمة اعتذار.

الكتاب «استئذانٌ في الانصراف»، لأشهر الكتّاب السياسيين العرب محمد حسنين هيكل، بعنوان فرعي «رجاء ودعاء وتقرير ختامي». وهو كاتبٌ عاش فترةً تاريخيةً تعجّ بالحركة والتغييرات الكبرى، وأتاحت له تجربته بالقرب من الضباط الأحرار أن يشارك في قلب الحدث، يوم كانت القاهرة تقود العالم العربي. وهو موقعٌ أتاح له السفر لأغلب قارات العالم واللقاء مع أكبر شخصيات القرن العشرين.

هيكل في شبابه خاض تجربةً امتدت ثلاثين عاماً بالقرب من صاحب القرار المصري، حتى اختلف مع أنور السادات في أعقاب حرب 1973، وانتهى بأن يجد نفسه ضمن آلاف السجناء الذين ألقي القبض عليهم فجر أحد أيام سبتمبر/ أيلول 1981، وكان حينها قد بلغ الستين.

قبل السجن، مُنع هيكل من الكتابة في مصر، ولكنه حصل على فرصةٍ للتعبير عن رأيه في صحفٍ عربيةٍ مختلفةٍ، وكانت كتبه تُنشر في الخارج فتتلقفها أيدي القراء في العالم العربي. والتجربة الأهم أنه أخذ يكتب مقالات في كبريات الصحف الأميركية والأوروبية واليابانية، حيث لا قيود وممنوعات، وهو ما أزعج كثيراً السلطات المصرية، ولم تلفح عدة دعوات لعودته للكتابة داخل مصر التي ضاق صدرها عن سماع رأيه.

هيكل بدأ متدرّباً مع صحيفة «الإيجيبشان جازيت»، وصرف له بدل انتقال جنيه واحد في الأسبوع، وبعدما عُيّن مراسلاً حربياً بسيطاً، ارتفع راتبه إلى 12 جنيهاً في الشهر. وأخذ يتدرّج في العمل الصحافي بعدة صحف ومجلات، حتى انتهى في 1956 إلى رئاسة تحرير أكبر الصحف «الأهرام»، في أقوى فترات المد القومي. وحين أخرجه السادات للتقاعد في 1975، كان راتبه الشهري في حدود الخمسمئة جنيه... ولكن حقوق نشر كتابه «ساسة وثوار» وحده باللغات الأجنبية عاد عليه بمبلغ 100 ألف جنيه استرليني (وليس جنيهاً مصرياً)!

يتناول هيكل كل هذه المحطات، متشبثاً ببعض اللحظات التاريخية، مثل ليلة وفاة عبدالناصر، وكتابته خطاب السادات للأمم المتحدة عشية حرب أكتوبر، وخروجه من الأهرام. ويتوقف على الأوقات العديدة التي فكّر فيها باعتزال العمل الصحافي المتعب للقلب. فهناك الإحباطات التي تدفعه للاعتزال وهو يرى تدهور دور مصر وخروجها من دائرة التأثير الدولي؛ وهناك تعرضه لانتكاسة صحية نهاية التسعينيات، وهناك أخيراً عودته مشافى ليكتشف اختفاء عشرات من كتبه، وسرقة بعض أوراقه ووثائقه النادرة من أرشيفه الثمين.

هيكل الذي ختم كتابه بأن «الاستئذان في الانصراف واجب»، بعدما بلغ الثمانين في سبتمبر 2003، فاجأ الجمهور بالخروج مجدّداً على شاشة «الجزيرة»، مذيعاً قديماً هذه المرة في قناة حديثة. والرجل الذي أمتع الجمهور بتلك الكتب الرائعة الأسلوب، الغنية بالمعلومات والتحليلات، والمتجدّدة في ملاحقة آخر التطورات، عاد ليستعرض على جمهور الشاشة ملفاتٍ قديمةً في حلقاتٍ طويلةٍ لا تنتهي، في تجربةٍ لم تُضف له شيئاً.

عاد صاحب الكلمة الناصعة عبر البوابة الخاطئة... وليته ما عاد. كانت تكفيه تلك الكتب التي تؤرخ للمنطقة في عز نهوضها، بينما ستترك هذه الحلقات التلفزيونية المفكّكة في ذاكرة الجيل الجديد صورة رجل عجوز يسرد حكاياتٍ من زمن قديم.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2842 - الخميس 17 يونيو 2010م الموافق 04 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:36 م

      تهريج

      تهريج وخرف وادعاءات زفي بعضعا تزييف

    • زائر 3 | 1:03 م

      ومظلومية أخرى

      وليت الأخ المعلق رقم 2 قد أضاف إلى مظلوميته - مظلومية تدمير قنوات الزراعة الاسلامية التاريخية التي دمرها من أؤتـُمن عليها وهو رئيس المجلس البلدي للمنطقة الشمالية يوسف البوري "المنتخب" مع أن تلك القنوات التاريخية كانت مسورة ومعلومة له ولغيره ولكنه الاستخفاف بالوطن وتاريخه واسلاميته . ويا ليت معالي وزيرة الثقافة والتراث قد اشتكته للقضاء لكنها للأسف لم تفعل .

    • زائر 2 | 11:57 ص

      أتمنى عليك أن تستعد !!

      أتمنى عليك يا كاتبنا الكبير أن توثق لحظات هذا الزمن الأغبر الذي نعيش فيه و تكتب كل صغيرة و كبيرة يمكن أن تنفعنا بها في يوم من الأيام فربما تتاح لك فرصة كما أتيحت لهيكل و تتحدث في قناة فضائية مباشرة مع الملايين من الناس ليقفوا على أحداث خطيرة و أزمات لا توجد لها حلول أبداً كبيع وطننا العزيز للمجنسين ببلاش و تدمير البحار و القفار و القبور كعالي مثلاً و غيرها كثير فربما يخرج من ينصفنا نحن المظلومون في البحرين و ينير لنا الطريق الذي لا نور فيه ولا أمل ، اللهم ندعوك أن تفرج عنا .

    • زائر 1 | 6:39 ص

      هيـــــــكل

      يــا خــوي سـّيد لك رأيك في الأستاذ هيكل كبير الصحافة العربية - مــدّ الله في عمره . ولعلي أفهم من كلامك أن هيكل لا يضيف جديدا بظهوره في قناة الجزيرة في برنامجه ( مع هيكل ) لكن وبالمقابل فإن لي رأيا خلاف رأيك . إذ نحن محتاجون لظهور هيكل في التلفزيون ليتّحدث بالصوت والصورة عن أحداث قومية تاريخية ما عاشها هذا الجيل وقد أحدثتها وقادتها الشقيقة مصر العروبة قبل أن تغرب عن مصر الشمس ليلفها ظلام إتفاقيات المذلة والهوان مع العدو الصهيوني . خصوصا و أن الناس لا تقرأ . و في انتظار هيلك بعد صلاة الجمعة

    • alishtain | 6:34 ص

      على العكس يا سيد

      انا من الجيل الجديد لكنني ارى ان حلقات هيكل ممتعة ، لكن كما قلت انها تحكي الكثير الكثير بحيث تظهر و كأنها حلقات لا تنتهي .
      ربما يريد الرجل ان يوثق تجربته تلفزيونياً ، لأنها تصل لأكبر عدد من الجماهير لأننا شعب لا يقرأ.

    • Abu Ahmed | 6:22 ص

      وجهة نظر

      الاخ قاسم
      وجهة نظرك مقبولة,, لكن بصراحة معظم الجيل الجديد لا يقرأ والسرد التلفزيوني قد يفيد
      المعلومات اللي يذكرها هيكل تعطي خلفية جيدة للي يصير في عالمنا العربي الغريب!!
      اعتقد انه كان الافضل اضافة الصور الحية للسرد ويمكن اطاء الجمهور المجال للسؤال (مباشرة) لاعطاء البرنامج زخم ومتابعة اكثر.
      بالنسبة للقناة - لا تعليق!! بس أكيد اللي يدفع أكثر من حقه الاستفادة من خدمات هيكل

اقرأ ايضاً