العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ

فعل «القراءة» بين التنميط الثقافي ومساحات الحرية والتنوع لدى الآخر

على هامش «كلنا نقرأ» بمهرجان تاء الشباب...

تدشين مهرجان «تاء الشباب» لحملة «كلنا نقرأ» الرائعة بهدفها ومضمونها, والتي انطلقت العام الماضي وتستمر هذا العام, هو شكل من أشكال الاستمرار المؤثر والفاعل والجاد في طرح قضية مهمة بحجم قضية القراءة في العالم العربي. ولكن مسألة القراءة هي جزء من قضايا ثقافية كبيرة ولا تقل أهمية عن هذه المسألة, وربما لا يمكن أن نقرأ جزءاً منها حتى تكتمل صورة المشهد الثقافي ككل.

جدليات كثيرة تثار حول مفهوم الثقافة, صراع سلمي محايد ينحاز تارة نحو الفكر اللامحدود وتارة أخرى يميل للتنميط الثقافي, ترجح كفة الأول لدى البعض وكفة الأخير لدى البعض الآخر، يؤمن أشخاص بأهمية الفكر بينما يشدد آخرون على أهمية النمط الثقافي، وتظل الإجابات قابلة للنقاش حسب كل رؤية.

نمجد حضاراتنا ونتباهى افتخاراً بقديم صناعاتنا، في حين يجب أن ننحني فيه خجلاً من واقع نتعايشه، واقع أصبحنا فيه نزخر بمختلف وسائل الرفاهية. تنوعت أحدث التكنولوجيا ومازلنا نحن كما نحن أو ربما أسوأ. نتراجع كل يوم ميلاً آخر بعيداً عن رقي القراءة وثقافة الكلمات، أصبحنا أبعد ما يمكن عن التحضر تملأنا الأماني دون السعي لتحقيقها، نحسد الغرب على ما ظفروا به ونتجاهل واقع أنهم استحقوه بكل جدارة، فهم يسعون بكل الطرق للوصول إلى ما تصبو إليه أنفسهم, يبجلون الكتاب ويعشقون حوار الكلمات، تراهم يحلقون في سماء الحضارات يتعرفون على ذرة الرمل في البلدان قبل صعود أعلى قمم الهيمالايا لا تنقلهم الطائرات ولا السفن إنما يأخذهم إلى هناك ما هو أكثر سرعة من ذلك يبحرون على متن المفردات و يمتطون أجنحة الكتب ليصبحوا بذلك أثرياء العلم والمعرفة، في الوقت الذي نجلس فيه مكتوفي الأيدي نحلم بالعائدات والمباني الشاهقة معتقدين أنها شيء أتى من لا شيء.

رغم اهتمامنا بالتكامل الفكري والعقلي في مفاهيمنا الدينية واستنادنا على المفعولات الثقافية إلا أنها ليست دافعا قويا للعرب نحو القراءة، وأصبح الكتاب لا يرد حتى في آخر قائمة أولوياتنا, تجذبنا الشكليات ونغفل عن المكنونات، نخدع بما تلمحه البصيرة ولا نتفكر في كيفية وجود ما انبهرنا به، هل يعقل أن نكون استبدلنا فكرنا وحضاراتنا؟ من المضحك أن نرى الغرب يقتدون بأسمى عاداتنا ونهرول نحن وراء أحدث موضاتهم، أثبتت إحصائيات ساجد العبدلي بأن معدل قراءة الفرد في العالم العربي 6 دقائق في السنة, مقارنة بالفرد الغربي الذي يقرأ بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة، من خلال قراءة الواقع أي الأطراف تتحمل المسئولية؟ ما الذي أدى إلى العزوف عن القراءة؟

المرحلة الغنية التي أثمرت أهم النتاجات الفكرية كانت بعد ثورة يوليو، والجزائر، وحرب أكتوبر، وبيروت بعد الحصارات كانت تفرز بعد كل معاناة مرحلة ازدهار فكري إذا صح التعبير, أتبعته نهاية وخفوت بسبب الإنهاك في المشهد الثقافي. هل مررنا بملل في صناعة الفكر حتى ما عدنا نتلذذ ارتشاف كأس النجاح بعد إصدار نتاجاتنا واكتفينا بالترجمة عوضا عن إنتاج فكر مغاير ونحن في أوج بهجتنا اعتقاداً منا أنه إنجاز عظيم. هذه المرحلة التي مرت بها البلدان العربية أدت إلى إيجاد فسحة من النكتة باسم الأمل، فتحول المسرح من حالة أدبية إلى سخرية، ماذا حدث بعد ذلك؟ استنزاف. بحث عن النفس من خلال السخرية، لربما وصلنا لمرحلة أرهقنا فيها من اللغة، فوجدنا قواميس ومعاجم بديلة حيث ظهر قاموس مغاير للكلمات المصرية الشبابية وغيرها، أوصلنا بحسب تعبير عبدالله الغذامي لمرحلة نضج فيها الأدب حتى احترق؟

قبل كل هذا الارتباك هل القراءة غاية أم هي وسيلة؟ أتندرج القراءة تحت مسميات الثقافة أم أن الثقافة هي القراءة في حد ذاتها؟ سئمنا الكتاب وطرق القراءة التقليدية، كيف سنقرأ إذاً؟

ماذا لو ابتدعنا قراءات أخرى لكافة النصوص التي تجول حولنا واكتسبنا ثقافة الكتاب ببدائل له، طفل يتعلم الأبجدية على البيانو، مبادئ تمثل على منصة المسرح كرؤية فعلية للنصوص، تراث نقرأه عبر صورة عوضا عن مجلدات، لو تعمقنا في العمارة كشكل تعبيري أكثر من مجرد حجر، أو رقصنا تمثيلاً لخطوات النجاح بدلا من رقصات الابتذال، نتوغل بين السطور ليقرأ كل منا ما لا يستطيع غيره استيعابه، نعلق صور المؤلفين والمحررين مخاطبي العاطفة والفكر ممهدي أسس التغيير والتطور، هؤلاء هم من يستحقون النظر إليهم في زوايا الغرف.

فقط لو أعدنا الذاكرة لأعوام مضت. ما المفعولات التي جعلتنا نتجه نحو الفكر النمطي، من كان وراء صنع أدبائنا؟ نزعة فطرية في الانسان أن يستنكر الروتين ويتغرب بحثا عن المثير لكنه ما يلبث أن يكتشف ضرورة العودة للذات، لا تكمن القضية في المصادر المقروء منها بقدر القراءة ذاتها، فهل ينفر الشباب من الكتاب أو القراءة نفسها. أسئلة يجب أن نعيد النظر في أجوبتنا الدائمة والنمطية والرتيبة عنها. ونفكر فعلياً في إجابة لا تفترض الجهل في الآخر بقدر ما تنفتح عليه وتطرح له بدائل مرْضية.

العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً