العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ

الراحل حامد أبو زيد يدرس قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة

في كتابه « الاتجاه العقلي في التفسير»

رحل المفكر المصري نصر حامد أبو زيد بعد معارك خاضها ذهبت به بعيداً، وظل يراوح في اشتغاله على مشروعه بحثاً ودراسة وتدريساً متجاوزاً أطر المنع والملاحقة والفصل. وفي هذه الفسحة تقدم فضاءات الوسط عرضا لكتابه «الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن الكريم عند المعتزلة»

رحل أبو زيد بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 67 عاما، ونقلت تقارير سابقة عن زوجته الأكاديمية ابتهال يونس أن نصر أبوزيد يعاني من أزمة صحية حرجة جدا بعد إصابته بفيروس غامض، وحيث تم نقله إلى مستشفى الشيخ زايد بمدينة 6 أكتوبر، وأن حالته حينها قد تستدعي نقله للخارج لمواصلة العلاج. وقبلها كان أبوزيد كان في زيارة إلى إندونيسيا.

عمل أبو زيد معيدا بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة 1972، ثم مدرسا مساعدا بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1976 . وحصل على منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في الفترة من 1976-1977، كما حصل على منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1978-1980.

وعندما قدم أبو زيد أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة بينهم د.عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بترك أبو زيد لمصر إلى المنفي، منذ 1995.

صدر للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد كتاب «الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن الكريم عند المعتزلة» عن المركز الثقافي العربي الدار البيضاء – المغرب. احتوى الكتاب على 280 صفحة من الحجم المتوسط ، مهد أبوزيد في بداية بحثه بتحديد الإطار التاريخي لنشأة الفكر الاعتزالي.

ثم في الفصل الأول عالج مسألة المعرفة والدلالة اللغوية. وفيه توقف عند مجموعة من المفاهيم مثل المعرفة والإيمان والقدرة. ومفهوم العقل ومراحل المعرفة عند الحارث المحاسبي والباقلاني. والمعتزلة بشكل عام، ودرس الدلالة اللغوية وشرط المواضعة. والدلالة اللغوية وشرط القصد.

أما في الفصل الثاني فدرس مفهوم المجاز، نشأته وتطوره. بنظرة تاريخية، وتوقف عند مصطلح المثل عند المفسرين، وأشار إلى مقاتل بن سليمان والإحساس بتعدد الدلالة، وأبو عبيدة وأنواع المجاز، والفراء وبلورة المصطلح، والجاحظ ونضج المصطلح، والرماني والكشف عن الأثر النفسي.

أما في الفصل الثالث: فخصه للمجاز والتأويل، فدرس التأويل عند المفسرين مثل ابن عباس ومجاهد، والحسن البصري ومقاتل بن سليمان، وعند أبي عبيدة والفراء، ودرس المحكم والمتشابه كأساس للتأويل، متوقفاً عند الإمام القاسم الرس، وابن قتيبة والإمام يحيى بن الحسين. ودرس المجاز والتأويل عند القاضي عبدالجبار ومسألة المحكم والمتشابه كأساس للتأويل والتوحيد وقضية الرؤية ومبدأ العدل وقضية خلق الأفعال.

في بداية كتابه يشير أبو زيد إلى تنبه الباحثين إلى أثر القرآن الكريم في نشأة العلوم العربية عامة، وفي نشأة علوم النقد والبلاغة بصفة خاصة، وحاولوا في أبحاث كثيرة الكشف عن هذا الأثر وتحديد ملامحه وأبعاده، واختلفت زوايا التركيز بين الباحثين تبعاً لاختلاف زاوية الاهتمام.

ولم يحظ أهم مبحث من مباحث البلاغة، وهو مبحث «المجاز» بدراسة مستقلة تعنى بتقصي ظروف نشأته، وأثر القرآن في تحديد ماهيته ووظيفته في التعبير البليغ، ولقد أشار الباحثون إلى أثر المعتزلة بصفة خاصة في إنضاج مفهوم «المجاز» من خلال سعيهم الدائب لنفي التصورات الشعبية عن الذات الإلهية وعن أفعالها.

غير أن هذه الإشارات جاءت مجملة في سياق موضوع أعم هو موضوع الصورة الأدبية في النقد العربي. وأهم هذه الإشارات الفصل الذي خصصه الدكتور مصطفى ناصف للمؤثرات الروحية في بحث الاستعارة، وذلك في كتابه عن «الصورة الأدبية» وكذلك ما أشار إليه الدكتور جابر عصفور في تمهيده للفصل الخاص بالأنواع البلاغية للصورة، وذلك في كتابه عن «الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي». وكان لهذه الإشارات - على عموميتها - الفضل في تنبيه الباحث إلى أهمية الموضوع، وضرورة التوفر على دراسته دراسة تفصيلية تهدف إلى الكشف عن تلك العلاقة الوثيقة بين الفكر الاعتزالي وبين بحث المجاز في القرآن، وهي علاقة كان لها أثرها - دون شك - في توجيه مبحث المجاز وجهة خاصة في دراسة الشعر والنثر على السواء.

ويتابع أبوزيد في تقديمه لكتابه «ولكي يحقق الباحث هذه الغاية، كان عليه أن يعتمد بصفة أساسية على المصادر الأصلية للفكر الاعتزالي، دون غيرها من المصادر التي تؤرخ لهم أو تحكي آراءهم. وقد أتيح لتلك المصادر أن ترى النور منذ فترة قليلة لا تزيد على السنوات العشر. وأهم هذه المصادر مؤلفات القاضي عبدالجبار الأسد أبادي المتوفى *العام 415هـ، وهي مؤلفات كثيرة ومتنوعة. وأهم هذه المؤلفات موسوعته. الضخمة «المغني في أبواب التوحيد والعدل» التي تقع في عشرين جزءا وماتزال ستة أجزاء منها مفقودة، وهي الأجزاء: الأول، والثاني، والثالث، والعاشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، ولم يكن حجم هذه المؤلفات يمثل صعوبة للباحث، وإنما. تركزت الصعوبة الحقيقية في معاناة فهم هذه المادة المتشعبة بلغتها المعقدة التي كثيرا ما ألجأت الباحث إلى محاولة إعادة تركيب الجمل تقديماً وتأخيراً، بل وإعرابها كلمة كلمة في أحيان كثيرة، حتى يطمئن إلى فهمه للفكرة التي يراد التعبير عنها. فإذا أضفنا إلى ذلك أن عملية تحقيق هذا الكتاب الضخم لاتكاد تتجاوز نسخ المخطوط الوحيد الذي تعتمد عليه في أغلب الأحيان، إلى شرح للمصطلحات أو بيان لأفكار المؤلف. وإذا أضفنا ذلك كله أدركنا العبء الفهم وتقويم النص معا.

ويستدرك أبو زيد نظراً لهذا الصعوبات، أحس الباحث أنه من الضروري أن يقف بالحدود الزمنية لبحثه عند القرن الرابع الهجري - عصر القاضي عبدالجبار - دون أن يتجاوزه، هذا القرن الذي يمثل النضج النهائي للفكر الاعتزالي في عصر نهضته الثانية في بلاط الدولة البويهية. وكانت الإشارة للمؤلفات المتأخرة في بعض الأحيان تهدف إلى بيان الفكرة وتوضيحها دون التركيز على تحليلها في هذه المؤلفات.

ومن الطبيعي أن تفرض طبيعة المادة على الباحث طريقة التناول ومنهج العرض. وإذا كانت الأبحاث اللغوية والدلالية في مؤلفات المعتزلة قد جاءت متناثرة ومتفرقة، فقد كان على الباحث أن يحاول وضعها في نسق يحقق مبدأ الوحدة الفكرية التي حرص المعتزلة أنفسهم على تحقيقها، وإن حققوها بوسائلهم الخاصة التي خضعت في الغالب لمنهج التأليف القديم، ذلك المنهج الذي يعتمد على الاستطراد والإسهاب والتفريع. هذا علاوة على ما تميز به المعتزلة خاصة من الجدل عن طريق الرد على اعتراضات الخصوم أو توهم اعتراضات يوردها المؤلف على نفسه.

وإذا كان المجاز وسيلة خاصة من وسائل الأداء اللغوي، فإن أي فهم لطبيعة المجاز ولوظيفته لا يمكن أن ينفصل عن تصور ما لطبيعة اللغة ودلالتها. وهذا التصور لطبيعة اللغة إنما يتم في ضوء تصور أعم لطبيعة النشاط العقلي في سعيه نحو المعرفة. ولقد كان لإعلاء المعتزلة من شأن العقل، هذا الإعلاء الذي ميزهم عن غيرهم من المتكلمين، أثره في تنبههم للترابط بين مبحث ا لمجاز وبين مجالات اللغة والمعرفة بشكل عام.

العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً