العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ

متى تسرج المعارضة جيادها؟ (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا شك أن مثل هذه الاستراتيجية من قبل السلطة التنفيذية، تمارس دورها المطلوب في الإنهاك المتواصل لقوى المعارضة، كما أنها توفر للأولى مساحة فسيحة من الراحة الزمنية التي تبيح لها استرداد النفس، ومعاودة الهجوم. لكن مثل تلك الاستراتيجية لا يمكنها، بأي شكل من الأشكال، أن تساهم في بناء مجتمع مستقر (ليس المقصود هنا بالاستقرار السكونية بمدلولها الاجتماعي السلبي، وإنما ذلك الاستقرار القادر على توفير مقومات البناء والتطوير)، تتعايش فيه القوى السياسية المختلفة، وتتنافس سلميا من أجل الدفاع عن برامجها المتباينة التي تميزها عن بعضها البعض، دون أن يكون لأي منه الحق في نفي الآخر أو مصادرة حقوقه الإنسانية، سياسية كانت أم اجتماعية، بل وحتى المهنية منها.

هذا على مستوى السلطة، أما بالنسبة للمعارضة، والتي، جراء ظروفها الذاتية والموضوعية القائمة، التي تتحكم في سلوكها السياسي، فسوف تجد نفسها امام خيارين استراتيجيين صعبين، لا مجال لثالث لهما، بالمعنى الشمولي لمفهوم «الخيار الاستراتيجي»: الأول، هو الانجرار التلقائي المنطلق على الرد العفوي على برامج السلطة، وحينها ستضطر المعارضة، شاءت أم أبت، وأدركت أم غاب عن إدراكها ذلك، إلى اللعب على ساحة السلطة، وبالتالي الخضوع لقوانينها، والانصياع لضوابطها التي تتحكم فيها صمامات أمان من وضع تلك السلطة، ومن أجل الدفاع عن مصالحها. لقد راكمت السلطة عبر عقود من الصراع مع المعارضة الوطنية بمختلف أطيافها خبرات غنية مكنتها من بناء نظام مواجهة منظم أهلها لضمان تسيير المباراة واللاعبين بما يحافظ على مصالحها، ويدافع عن مراكز نفوذها.

استجابة لهذا الخيار ستكتشف المعارضة، إن لم تكن قد أدركت، أنها قد أغرقت نفسها في أوحال الطائفية، وأصيبت بالشلل شبه الكامل بفعل دخولها صحراء مترامية الأطراف من الرمال الطائفية المتحركة التي ترغمها على الدوران على نفسها أفقياً دون أية بوصلة ترشدها نحو الطريق الصحيحة، التي يمكن أن توصلها إلى أهدافها التي نذرت نفسها للدفاع عنها. حينها ستضع جميع أطراف المعارضة، باستثناء تلك التي تلتقي مصالحها مع برامج السلطة، وبقرار ذاتي، نفسها في خانة القوى الخاسرة.

عند قبولها بهذا الخيار، لا ينبغي للمعارضة أن تخدع نفسها بمكسب آني محدود الأفق هنا، أو إنجاز قزم هناك، لأن أياً منهما لا يمكن أن يؤثر على برامج السلطة أو يرغمها على ان تحيد عن طريقها الاستراتيجي. لذلك ندعو أطراف المعارضة أن تتسلح بالوعي الواسع الأفق الذي يقيم الخسائر والفوائد من منظار أكثر شمولية، فلا يفرح بارتفاع عدد أعضاء كتلته البرلمانية الطائفية، أو زيادة وزنه في المجالس البلدية، بل وحتى لو وصل الأمر إلى توزير لبعض أعضائه أو أنصاره في إحدى الوزارات الهامشية، او الخدمية التي بوسع السلطة التنفيذية التضحية بها كطعم تلهي به المعارضة عن مكاسب أخرى أكثر جدوى.

لا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا التقليل من أهمية كل تلك المكاسب، لكن تلك الأهمية تتلاشى، أو كحد أدنى تتضاءل، عندما لا نسقط من حساباتنا، الثمن الباهظ الذي ستدفعه المعارضة في حال لهث أحد أطرافها، تحت مسميات كثيرة، ومبررات أكثر، والقبول بما سوف يرمى له من عظام، كي يحرم، بمن فيهم الطرف ذاته، الجميع من تناول اللحم. ففي تلك العظام، يكمن الطعم الذي سكنته سموم الطائفية السياسية المتأهبة للانتشار في أجسام من يبتلعها، بطمع مرسوم أو سذاجة عفوية.

الخيار الثاني وهو، ما نعتقده صحيحاً، هو أن تلتقي القوى المعارضة، بمختلف أطيافها، في جلسة حوار وطني صادق ومسئول، يضع على طاولة ذلك الحوار مصالح الوطن، وحقوق المواطن، ويرجئ ما سواها إلى مراحل أخرى، وينطلق الجميع من هذه النقطة لوضع استراتيجية متكاملة تعبر عن وتدفع عن تلك المصالح وتحمي تلك الحقوق. مثل هذا الحوار الاستراتيجي الشفاف، سيزيح من يخالف قوانينه من قائمة المشاركين فيه، وسيخرج بالقوى الرافضة لقوانين لعب السلطة، والفارضة لقوانينها هي، الأمر الذي ينقل المعارضة من خانة رد الفعل إلى خانة الفعل.

قد تبدو تلك الخطوة مستحيلة، بل ومثالية في أعين الكثيرين ممن يتوهمون أن طريق النضال العلني سهلة ومعبدة، كما أنها قد تثير غضب وعداء من ستزيل الغطاء الرفيع عن أجسادهم وعقولهم الطائفية، لكنها في حقيقة الأمر برغماتية وتنطلق من قراءة صحيحة متأنية للواقع السياسي المعاش، وليس هناك ما يمكن أن يفسر عدم توصل أطراف المعارضة لها، سوى أمرين: أما تلوثها بأمراض الطائفية، بالمعنى السياسي للكلمة حيث تتخندق كل قوة وراء «الطائفة»، التي تحتمي بها، سواء كانت تلك الطائفة مذهباً دينياً أو خياراً فكرياً، أو تنظيماً سياسياً، أو، وهذا التفسير الثاني، وهو الأسوأ، تمسك قيادات المعارضة، بشكل فئوي، ونأمل أن نكون مخطئين في ذلك، بمناصبها القيادية التشرذمية، لأنها تحمي من خلالها مصالحها الذاتية، وهنا تلتقي سلوكيات قيادات المعارضة، لا قدر الله، مع سلوكيات السلطة التنفيذية وتتطابق معها.

جياد العمل الوطني الواسع الأفق، المتجاوز للمصالح الفئوية أو الطائفية، جاهزة ومتأهبة للانطلاق، وليست بحاجة سوى لقيادات وطنية تضع السروج عليها وتمتطيها نحو تلك الأهداف الوطنية الكبرى، وإذا ما تلكأت تلك القيادات، تحت أي من المبررات، وعجزت عن القيام بذلك الدور، وبالسرعة التي تفرضها متطلبات المرحلة، فلن تبقى ظهور تلك الجياد عارية، وبالتالي فليس من المستبعد، ربما من المتوقع، أن يتقدم من بين صفوف السلطة التنفيذية من سيقوم بذلك، لكنه، وكما يروي لنا التاريخ، سيأخذ زمام المبادرة، مرة أخرى، كي يقود تلك الجياد نحو الطريق التي يختارها لها هو، ويخضع من يسير على دروبها لقوانينه التي تدافع عن مصالح سلطته وتحمي حقوقها.

حينها لن تستطيع قيادات الحركة الوطنية سوى أن تختار وسيلتين للحاق بتلك الجياد التي انطلقت جميعها ولم يبقَ منها أحد، إما مواصلة السباق جرياً على الأقدام من أجل الوصول إلى نهاياته، أو كما يقول المثل إنه عندما لا توجد الخيل يلجأ البعض إلى سرج الكلاب (التعبير مجازي هنا ولا ينبغي أن يستنتج منه محاولة الإساءة إلى أي من قيادات القوى السياسية فمكانتها محفوظة) واهماً نفسه أنها جياداً أصيلة، كي يركبها.

في الحالتين تصل الحركة الوطنية إلى نهاية السباق منهكة وخاسرة في آن، وتدور عجلة الزمن ويجد المواطن نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: أما الخضوع للأمر الواقع المهين والاستسلام لقوانينه، أو الانضمام لحركة معارضة تمزقه من الداخل وتضعه في مواقع صدامية ذاتية طائفية كانت أم فئوية. ولذلك فهو يناشد قياداته أن تسرج جيادها بدلاً من كلابها أو حتى الجري على أقدامها، فأي منهما لا يحل مكان الجياد، خاصة عندما تكون من الأصايل.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:50 م

      و لاحياة لمن تنادي

      الم يقرأ احد من قادة المعارضة المقال اين الدعوة لعقد جلسة حوار وطني لماذا دائما نجعل من الممكن مستحيل هناك دعوة ممكنة و من يدري فقد تكون الخطوة الاولى و الصحيحة لوضع السروج على الجياد والا فلن يبقى امامنا الا ان نقول ما قاله الزعيم المصري سعد باش (مافيش فايدة)

    • حسين الامير | 4:56 ص

      الحكومة والمعارضة سواء

      تلتقي المعارضة مع الحكومة في كثير من النقاط: فكل منهما يستغل الطائفية ويتحصن بها وقت ما شاء ويدعي عكس ذلك ويلصقها بالآخر متى شاء.
      ويحرص على تأمين المناصب وتوزيعها على أسس مادية أو قبلية أو عقدية بغض النظر عن الكفاءة.
      ويفرق بين الناس على تلك الأسس أيضا فهذا رمز وطني يجب الدفاع عنه وذاك رمز ديني لا تجب محاسبته.
      ويصف المعارض لرأيه بالخيانة والعمالة وتشويه سمعة الوطن والتحريض على الكراهية والاستقواء بالخارج...
      ويتهم كل منهما الآخر بالجهل والتخلف والرجعية والضلال عن الحق الذي لا يدركه سواهم.

    • زائر 7 | 4:12 ص

      Abu Zinab

      The resistance in Bahrain is weak if you say sam dog or same hors . all leaders of resistance evry body he want appear him self and no advantage from thim..the goverment is very strong..

    • زائر 6 | 4:12 ص

      هذه ليس احكام العبيدلي خبرة في النضال

      استغر بصراحة من هذا الظن لماذا هذه الضنون الرجل صادق في تحليله وباين انه رجل وطني واني من متابعين كتاباته ولم اظن يوما هذا ظنه كما انت تظن ، بعدين هل هناك اوضح من هذا الكلام

    • زائر 5 | 3:43 ص

      النصيحة الحق

      7) النصيحة الواجب تقديمها للشق الإسلامي من المعارضة هو أن تمد يد التحالف مع القوى الإسلامية السنية التي أثبتت أنها تمثل الشريحة الأكبر من الطائفة الكريمة السنية ، وذلك من خلال الاتفاق على ميثاق شرف يوضح المصالح المشتركة للمواطنين ، و هذا ما يمكن أن يجنب البحرين الكثير من المنزلقات السياسية الخطيرة و يرسخ الثقة المتبادلة بين أبناء الشعب الواحد ، و يجبر الحكومة على الابتعاد عن تنفيذ السياسات اللامنطقية المفروضة عليها من قبل أطراف إقليمية و خارجية لا نحتاج لتسميتها .

    • زائر 4 | 3:41 ص

      ليست عظام

      4) إن المكتسبات السياسية ، والتي أسماها الكاتب بالعظام التي تلقيها السلطة السياسية بالبلد ، التي حصل عليها التيار الإسلامي بشقيه الشيعي و السني لم يمكن نتيجة لعمل الحكومة و أنما هو نتيجة للواقع الديني و أن أغلبية الشعب البحريني يرى أن الإسلاميين هم الأقدر على حماية الحقوق و الأشجع على الوقوف بوجه الحكومة عندما تقتضي المصلحة ذلك . هذا الأمر لم تغفله الجمعيات العلمانية في البحرين و قد شجعت رموزها على إبراز التدين و الذهاب للحج و غير لك ، اعترافا منها بواقع الحال في البحرين .

    • زائر 2 | 3:03 ص

      حبيبي زائر (1)

      أنا وفاقي ...
      --
      وأرى ضرورة أن تتعاون الوفاق والأخيار من الوطنيين.
      --
      يا أخي .. عندما يتنازل حزب الله الى رموز وطينة أخرى .. هل يعني أن حزب غير كفؤ .. ومن يستطيع أن يشكك فب قدرة حزب الله .. قدرته في الادارة والتخطيط فاقت دول عديدة.
      --
      لكن حزب الله .. ونظرا لقدرته ... يدرك جيدا أن موقفه في البرلمان لخدمة لبنان تكون افضل وأقوى عندما يفسح المجال للرموز الوطنية الصادقة.
      --
      متى نتعلم نحن .. ونتخلص من الجهل.

    • زائر 1 | 2:21 ص

      قبل أن تصدر الأحكام

      نصيحة الكاتب للشق الإسلامي من المعارضة لتقديم تنازلات للشق العلماني هو أمر يدعو للاستغراب و التساؤل : هل يريد أن الكاتب أن يلمح أن العلمانيين هم الأقدر على قيادة المعارضة من داخل البرلمان لأنهم ذوو كفاءة و خبرات متعددة قد لا تكون موجودة للشق الإسلامي ؟ و هذه إهانة لكلا الطرفين لاتهام الطرف الإسلامي بشح العناصر القيادية الخبيرة و اتهام العلمانيين بغياب القاعدة الجماهيرية الكافية لإيصال قادتهم للبرلمان و لذا يجب أن يكونوا طفيليين على الشق الإسلامي من المعارضة !

اقرأ ايضاً