العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ

الثابت والمتحول في المشهد السياسي البحريني (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سحابة تشاؤم وإحباط سوداء تسود نظرة المواطن حين ينظر إلى تطورات الساحة السياسية البحرينية، وتزداد الصورة قتامة كلما اقترب المواطن من بوابة السلطة التشريعية، وعلى وجه الخصوص غرفتها البرلمانية، حيث يصطدم المواطن بصخرة «المدخل الطائفي» البغيضة التي باتت تسيطر على الكثير من مجريات الأمور داخل أروقة البرلمان، وتتحكم، إلى حد بعيد، في نتائج القرارات والتوصيات الصادرة عن تلك الأروقة.

يتطلب فهم خلفية هذه النتائج، التوقف، بروية وبعيد عن أي انفعال مسبق، أمام العوامل الثابتة وتلك المتحركة الفاعلة في المشهد السياسي البحريني، علما بأن هذه الوقفة، هي ذات طابع مرحلي، قابلة للتغير عندما تطرأ عليها مستجدات جوهرية قادرة على إحداث أي شكل من أشكال التحولات، يجري خلالها تبادل المواقع، حيث يتحول الثابت إلى متغير، والعكس صحيح أيضا.

أول تلك الثوابت، هو أن السلطة في مملكة غير متداولة، وهو أمر أقره الميثاق، ومن بعده الدستور، اللذين وافقت عليهما الغالبية الساحقة ممن يحق لها التصويت.

هذا الثبات في الإمساك بالمؤسسات الحكومية، انعكس بشكل تلقائي -سلبي وإيجابي- على طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إن عدم تداول السلطة، بقدر ما هو يلقي على كاهل الممسكين بها، المسئولية الكاملة في تحمل مثالب الأخطاء، وجني ثمار النجاحات، بقدر ما يحد من آفاق الجهات المعارضة التي تسيطر على ذهنيتها، بشكل واع أو غير واع، وتجعلها أسيرة حيز واحد ليس في وسعها تجاوزه، والذي هو سياج المعارضة. ينسل من جدول أعمال المعارضة، مراعاة لهذا الثابت، بند ارتقائها للسلطة، الأمر الذي من الطبيعي أن يعمل على تغذية نزعة المعارضة من أجل المعارضة دون الخوف من إمكانية استلام السلطة، وإرث ما تراكم من أمور تحدثت عنها المعارضة قبل تسلقها سلم السلطة.

بالمقابل، يتلاشى خوف من هم في السلطة، من إمكانية فقدانهم لها أو تحولهم من مقاعدها إلى مقاعد المعارضة.

ثاني تلك الثوابت، إن البحرين مجتمع متعدد الطوائف والأديان والأعراق. والأهم من بينها جميعا، كون البحرين مجتمع ثنائي الطائفية، تتعايش فيه جنبا إلى جنب الطائفتان السنية والشيعية. وللتذكير، هناك فرق شاسع بين إيجابية كون البحرين مجتمع ثنائي الطائفة، وبين كون البحرين مجتمع طائفي، فبينما تقود المقولة الأولى المجتمع نحو الفخر بالتعددية والاستفادة من محاسنها، تدفعه الثانية إلى مهاوي الصراعات، التي تستهلك قواه السياسية في معارك جانبية، ليس هناك ما يحول دون تطورها إلى ما يشبه المهاترات التي تحرف الصراع عن مجراه الطبيعي.

ثالث تلك الثوابت، أن البحرين، بالرغم من أنها دولة صغيرة في مساحتها الجغرافية، ضئيلة في مواردها المالية، محدودة في عدد سكانها المقيمين فوق أراضيها، لكنها تتمتع بموقع إستراتيجي، على المستوى الخليجي، يجعلها محط أطماع العديد من القوى الخارجية، إقليمية كانت أم عالمية.

من هنا، ينبغي لمن يريد أن يقرأ خارطة القوى السياسية أن يراها في أفقيها الإقليمي والعالمي، بدلا من حصرها في قواها المحلية.

هذه المعادلة بين المحلي والإقليمي، لا ينبغي أن تقودنا إلى الاتهامات السطحية التي تقذف هذه الطائفة بالتبعية لدولة أو أخرى بناء على الانتماء الطائفي فحسب. الحديث هنا عن رؤية معمقة للتأثير المتبادل بين المحلي والإقليمي والعالمي، كعامل ثابت في المعادلات السياسية.

رابع تلك العوامل، هو أن البحرين، أكثر من سواها بين دول منطقة الخليج، تتمتع بإرث سياسي ذي تجربة غنية، استمدها، إن كنا لا نريد أن نغوص عميقا في تاريخ المنطقة، من علاقاته التي نسجها مع الأحزاب القومية والأممية التي نشطت في منطقة الشرق الأوسط خلال الخمسين سنة الماضية. هذا يجعل من البحرين تربة سياسية غنية.

لقد احتضنت البحرين فرعا من الحركة الشيوعية العربية في هياكل وبنى جبهة التحرير الوطني، وقبلها كان للبحرين علاقات تنطيمية وسياسية مع الحركة الإسلامية ممثلة في حركة الإخوان المسلمين. يضاف إلى كل ذلك الإرث السياسي البحريني، ذي النكهة الخاصة، من الحركة القومية العربية، ممثلة في طرفيها الأساسيين: حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، وما انبثق عنهما مما عرف باليسار الجديد ممثلا بالجبهة الشعبية.

خامس تلك الثوابت، وهنا نصل إلى الجانب الاجتماعي، هو استمرار تلك الشريحة الواسعة من الطبقة المتوسطة من المجتمع البحريني في تشكيل المخزون الضخم الذي مد القوى السياسية بخيرة الكوادر القيادية النشطة التي مارست دورها في تطوير برامج تلك القوى. وبالقدر ذاته، مارست تلك الطبقة دورها الإيجابي في التحول إلى الوسادة المرنة التي تمتص الانفجارات الاجتماعية وتحول دون تطورها إلى موجات مدمرة تقوض أركان المجتمع بشكل فوضوي يستحيل التحكم في اتجاهاته، أو النتائج التي يمكن أن ينتهي إليها.

سادس تلك الثوابت، وهنا نتناول الشق الاقتصادي، أن البحرين، تعاني من شكلين من أشكال الفقر، الأول منهما هو فقر مطلق، بمعنى أن هناك فئات اجتماعية تعاني من الفقر والعوز بمعناه التقليدي المتعارف عليه، والتي يحرمها من الكثير من ضروريات الحياة، بما في ذلك التعليم والخدمات الصحية، لكن هناك شكل آخر من أشكال الفقر والذي يمكن أن نصنفه بأنه نسبي، حين نقارن البحرين بجاراتها من الدول الخليجية النفطية.

ففي حين لا يتجاوز إنتاج البحرين من النفط عشرات الآلاف من براميل النفط يوميا، تتمتع جاراتها من دول الخليج الأخرى من الملايين منه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً