العدد 2885 - الجمعة 30 يوليو 2010م الموافق 17 شعبان 1431هـ

الخشب سلاح حرب كمبوديا

بدأت الحرب الأهلية في كمبوديا العام 1979 وانتهت العام 1998. هذه هي الحلقة الثالثة من سلسلة مقالات عن الحروب الدائرة حول العالم وانعكاساتها البيئية ودور الموارد الطبيعية في الحرب والسلم، تنشرها «البيئة والتنمية» بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة

في العام 1979، غزت فيتنام جارتها كمبوديا وأطاحت نظام الخمير الحمر بقيادة بول بوت، الذي شهد حكمه لأربع سنوات موت خُمس سكان البلاد نتيجة الجوع أو العمل الشاق أو التصفية الجسدية. لكن الخمير الحمر أعادوا تنظيم صفوفهم على الحدود التايلاندية، وأطلقوا حركة تمردية دامت نحو عقدين.

الحرب الأهلية بين الخمير الحمر والحكومة التي عينها الفيتناميون في بنوم بنه كانت في البداية حول الإيديولوجيا والسلطة، وتجسيداً للنزاعات التي سادت عصر الحرب الباردة. وكانت الحكومة الجديدة مدعومة مالياً من الاتحاد السوفياتي وبلدان الكتلة الشرقية، فيما وقفت الصين والولايات المتحدة وتايلاند ضد الغزو الفيتنامي، واعتبرته الصين امتداداً للنفوذ السوفياتي متهمة هانوي بمحاولة ضم كمبوديا وإقامة اتحاد للهند الصينية تحت سيطرتها.

أودى انتهاء الحرب الباردة بكثير من الدعم الخارجي للخمير الحمر، فحولوا جهودهم إلى مصدر تمويل آخر: استغلال الموارد الطبيعية التي كانوا يسيطرون عليها، خصوصاً الخشب والياقوت. وسرعان ما عمدت القوات التابعة لحكومة بنوم بنه إلى محاكاة هذه الطريقة، إذ رأى القادة السياسيون والعسكريون في كلا الجانبين فرصة لمواصلة الحرب وفي الوقت ذاته جمع ثروات شخصية. هكذا موّلت تجارة الأخشاب الحملات العسكرية. وسرعان ما أصبحت الحملات العسكرية ذرائع لمزيد من قطع الأخشاب، مع ما لذلك من تأثيرات بشرية وبيئية مدمرة. وتقدر الدراسات أن الغطاء الغابي في كمبوديا انخفض من 73 في المئة العام 1969 إلى نحو 30 في المئة العام 1995، نتيجة تجارة الأخشاب والزراعة القائمة على القطع والحرق.

وكانت السياسة الرسمية لتايلاند، جارة كمبوديا، عدم التعاون مع الخمير الحمر. لذلك أصرت الحكومة التايلاندية على أن يحمل الخشب المستورد من كمبوديا شهادة منشأ يتم الحصول عليها من سلطات بنوم بنه. لكن الأمر المفاجئ أن هذه الشهادات كانت متيسرة حتى للخشب المقطوع من أراضي الخمير الحمر. وقد فرضت الحكومة الكمبودية على قاطعي الأخشاب في مناطق الخمير الحمر رسماً ثابتاً مقداره 35 دولاراً لكل متر مكعب لإعطائهم هذه الشهادات، ما مكن عدوّها من جني الأموال لمواصلة نشاطه الحربي. وفي موسم الجفاف العام 1995، كانت صادرات الخشب براً من الأراضي التي يسيطر عليها الخمير الحمر إلى تايلاند تدرّ على قيادتهم ما بين 10 و20 مليون دولار في الشهر.

استخدمت منظمة الشاهد العالمي (Global Witness) هذه المعلومات لتضغط بنجاح من أجل إدخال تغيير في «قانون العمليات الخارجية» للولايات المتحدة، الذي نص في ما بعد على أن أي مساعدة أميركية لن تقدم إلى أي بلد يتعاون عسكرياً مع الخمير الحمر. وفي اليوم التالي أقفلت تايلاند حدودها مع كمبوديا مانعة المزيد من واردات الأخشاب.

انشقت القيادة الإقليمية للخمير الحمر، التي سيطرت على الغابات والاحتياطات المعدنية الرئيسية في غرب كمبوديا، والتحقت بحكومة بنوم بنه في آب / أغسطس 1996. وفيما واصل بول بوت وضباطه الكبار سيطرتهم على أراضٍ في الشمال، ضعفوا سياسياً وشعبياً الى حد بعيد، كما خسروا قدرتهم على جني الإيرادات من الموارد الطبيعية. وعانت حركة الخمير الحمر من انشقاقات أخرى، وتفككت كلياً مع نهاية العام 1998

العدد 2885 - الجمعة 30 يوليو 2010م الموافق 17 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً