العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ

الشركات العائلية بين الأفق الخليجي والفضاء العالمي "1 - 3"

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يمكن التوصل إلى تعريف مبسط للشركات العائلية على أنها تلك الشركات التي يتبوأ مؤسسوها أو أسلافهم مراكز عليا في الإدارة أو في مجالس إدارتها أو يملك هؤلاء أكبر حصة بين ملكة أسهمها. وقبل تناول أوضاع الشركات العائلية في الدول الخليجية لابد من تأكيد أنها ظاهرة عالمية.

ففي كتابه "نهاية العولمة: دروس من الأزمة الاقتصادية الكبرى"، يؤكد أستاذ علم التاريخ بجامعة برينستون هارولد جيمس أنه في حرب القيم التي تدور رحاها بين أميركا وبين كثير من الأطراف في العالم، تلعب إدارة الشركات دورا ضخما. وتعكس الرؤى المختلفة لكيفية إدارة الرأسمالية الاستياء من الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان تعمل تلك الرؤى كوقود لذلك الاستياء. في العام 1990 بدا الأمر وكأن بقية دول العالم كانت تريد أن تدير أعمالها على الطريقة الأميركية، إذ أسواق رأس المال مفعمة بالنشاط، ورؤساء الشركات يستجيبون لمصالح حملة الأسهم. وكثيرا ما كانت هذه "الأمركة" توصف ببساطة بـ "العولمة".

ثم يضيف قائلا إن ارتدادا حدث واستمد طاقته إلى حد كبير من الانهيار المفاجئ لشركة إنرون وفضائح الشركات الأخرى. فشرعت غالبية شركات العالم في الابتعاد عن الأسلوب الأميركي في إدارة الأعمال. وزعم الأوروبيون والآسيويون بحماس متجدد أن نموذجهم الرأسمالي يتضمن قدرا أعظم من الالتزام نحو القيم طويلة الأمد، ويتمتع برؤية بعيدة المدى. ونبذت قيمة حامل الأسهم باعتبارها بدعة واحتيالا.

ويلخص الوضع في أوروبا القارية وأجزاء من آسيا بقوله انه كانت هناك دوما رؤية خاصة لقيم العمل الجوهرية تتمركز حول المؤسسات طويلة الأمد، وخصوصا مؤسسة العائلة. وتظل المؤسسات العائلية ممتدة في المركز حقا حتى في قطاع المؤسسات التجارية الضخمة. وطبقا لإحصاء جرى أخيرا، فإن 17 من أكبر 100 شركة في ألمانيا مملوكة لعائلات، وكذلك 26 من أكبر 100 شركة في فرنسا، و43 من أكبر 100 شركة في إيطاليا.

ويستطرد قائلا انه في مطلع القرن الواحد والعشرين أعادت المصالح العائلية تأكيد نفوذها في أوروبا القارية بطريقة مذهلة، وذلك بطرد المديرين الذين بدا أنهم قد تمادوا في الاتجاه نحو الأمركة. ففي ألمانيا صرفت عائلة "موهن" المدير الرئيسي لشركة بيرتلسمان "توماس ميدلهوف" من الخدمة لأنه أراد تحويل شركة عائلية إلى مؤسسة تجارية تكاد تكون بلا هوية قومية. وفي فرنسا تم عزل "جان ماري ميسييه" من رئاسة شركة فيفيندي يونيفيرسال لأسباب مشابهة، وحاولت أسرة "لاجاردييه" استعادة السيطرة على الشركة. وعلى خلاف "ميسييه"، فقد كان أفراد أسرة لاجاردييه يعتبرون فرنسيين حتى النخاع. ولقد حضرت قرينة الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء وخمسة من الوزراء جنازة جان لوك لاجاردييه في العام .2003

على نحو مغاير يشدد نائب رئيس مجموعة "نقل" غسان نقل خلال ندوة نقاشية عقدت أخيرا في دبي على أهمية اعتماد النظم الإدارية المؤسساتية الحديثة في الشركات العائلية كخطوة أولى نحو تحولها من نمط الإدارة العائلية إلى مستوى حديث من الإدارة العامة. ويؤكد نقل في تلك الندوة أن المتغيرات المتزايدة في قطاعات الأعمال الإقليمية والعالمية التي تتسم بالمنافسة الشديدة فرضت إلى الشركات العائلية ضرورة التحول لتبني أحدث النظم الإدارية المؤسساتية. واستعرض نائب رئيس مجموعة "نقل" خلال تلك الندوة التجربة الناجحة للمجموعة في الانتقال من شركة عائلية صغيرة الى مؤسسة متطورة تتبنى أحدث نظم الإدارة المؤسساتية.

وقال نقل: أكدت الدراسات الحديثة أن دور الإدارة المؤسساتية لا يقتصر على تعزيز تدفق العمليات في شركات الأعمال وتعزيز ربحيتها وحسب، بل تساهم أيضا في استقطاب المستثمرين. وأشار تقرير حديث نشرته "ماكينزي أند كومباني" "Mckinsey and Company" شركة الاستشارات الإدارية العالمية الرائدة، الى استعداد المستثمرين في الدول النامية لدفع قيمة تزيد على 30 في المئة للحصول على أسهم في شركات الأعمال التي تتبع نظم الإدارة المؤسساتية. وأكد التقرير أيضا أن الشركات التي تتبنى ولو عنصرا واحدا من عناصر الإدارة المؤسساتية الحديثة يمكنها زيادة قيمتها في الأسواق بنسبة تتراوح ما بين 10 و12 في المئة. من جانب آخر نشرت مجلة "بيزنس ويك" الأميركية في عددها الصادر بتاريخ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 نتائج مسح قامت به بالتعاون مع عدد من الجامعات الأميركية يقول إن 177 شركة عائلية كانت مدرجة على قائمة مؤشر الـ 500 شركة الذي نشرته شركة ستاندرد أند بورس لشهر يوليو/ تموز من العام ذاته.

أما مجلة "نيوز ويك" الأسبوعية الأميركية فتروي في عددها الصادر في 12 أبريل/ نيسان 2004 قصة شركة بينتون للملابس والنجاحات التي حققتها خلال الخمسين عاما التي انقضت على تأسيسها.

أما مجلة "إي سي أند إم" "C&M" فتنشر في عددها الصادر في يناير/ كانون الثاني 2001 مقال مطولا عن شراء شركة Natural Resources كل ممتلكات وإدارة شركة Capital Electric العائلية المؤسسة في العام 1927 وحرصها على استمرار الإدارة العائلية للشركة المشتراة في تسيير الأمور حتى بعد ان تمت عملية البيع والشراء لضمان عمل الشركة وتحاشي أنشطتها. وأية تقلبات في أنشطتها. بل ربما وصل الأمر إلى أبعد من ذلك إذ تتوقع الشركة المشترية ارتفاع ثمن أسهمها بعد عملية الشراء هذه.

ماذا يعني كل ذلك؟ من كل ما تقدم يمكننا استخلاص ما يأتي:

1- أن الشركات العائلية ليست ظاهر خليجية بل هي ظاهرة عالمية قائمة في الدول الصناعية والمجتمعات المتقدمة شأنها في ذلك شأن السوق الخليجية. وأنه كما توجد في السوق الخليجية شركات عائلية عملاقة مثل الزامل والعليان هناك أيضا شركات عائلية عالمية مثل بنتون.

2- أنه بوسع النموذجين: العائلي وغير العائلي التعايش إلى جانب بعضهما بعضا ولكل منهما أسسه ومبرراته ومقومات نجاحه.

3- أن التقدم التقني و الاقتصادي لا يعني بأي حال من الأحوال تحبيذ نوذج على آخر.

4- أن النظم الاقتصادية والمالية المعمول بها في سوق معين هي التي بوسعها ان تؤمن الوعاء الصحي السليم الذي يسمح لأي من النموذجين بتحقيق النجاح او المعاناة من الفشل.

إذا كان ذلك هو حال السوق الغربية . فمن الطبيعي ان نقف بمسئولية أمام الدعوات التي بدأت منادية بتحويل الشركات العائلية الخليجية بشكل عشوائي ودون اية دراسة.

كيف يمكن معالجة الحالة الخليجية؟ هذا ما ستعالجه الحلقة الثالثة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً