العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ

آينشتاين وأمور أخرى

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

العام 2005 يصادف مرور مئة عام على اكتشاف ألبرت آينشتاين "النظرية النسبية" وتبع ذلك اكتشاف نظريته الأخرى "نظرية الكم". والنظريتان غيرتا فهم العلماء للكون، إذ تبع ذلك عصر آخر من الاكتشافات والاختراعات التي لم تكن ستوجد بيننا لولا نظريتا النسبية والكم. فالاولى "النسبية" تشرح لنا الكون الأوسع وحركته التي لا نستطيع متابعتها - على رغم عظم أحجامها - بالعين المجردة لبعدها عنا، والثانية "الكم" تشرح لنا الذرة وما هو أصغر من الذرة وكيف يتحرك العالم - الذي لا نستطيع رؤيته بالعين المجردة - لتناهي صغره. ومنذ مئة عام ونحن نعيش في عالم شرحه آينشتاين، وبسبب اكتشافاته تغير فهم العالم وتغيرت أنماط الحياة التي نعيشها في مختلف المجالات. قبل ذلك، كان العالم يتحرك على أساس النظريات التي اكتشفها اسحاق نيوتن في العام 1665م وشرح من خلاها "الجاذبية" "وقوانين الحركة". ولمدة قرنين ونصف القرن "الفترة ما بين نيوتن وآينشتاين" انتشرت النظريات الفلسفية الحتمية، لأن كثيرا من تلك الشروحات تأثرت باكتشافات نيوتن "الحتمية" التي تحدثت عن الكون من خلال معادلات رياضية محكمة، وبالتالي "حتمية" النتيجة. أما آينشتاين فقد اكتشف نظرية الكم التي تلغي الحتمية لأنها تقوم أساسا على "الاحتمالات"، كما اكتشف نظرية النسبية التي تعيد النظر بالمفاهيم الكلية والنهائية... إذا، لا يوجد شيء نهائي، وإنما يرتبط هذا بذاك من خلال علاقة زمنية نسبية.

العصر العلمي الغربي بدا في الصعود بشكل ملحوظ - تقريبا - مع عهد نيوتن، والعصرالعلمي الإسلامي توقفت حركته نحو التقدم قبل ذلك بقليل، فآخر الفلاسفة المسلمين الكبار هو صدرالدين الشيرازي الذي توفي في 1649م، ومع موته أعلن عن إصابة الذهن المسلم بالشلل الكلي، بينما "تصحصح" الذهن الغربي معتمدا في بداية أمره على كثير مما توصل إليه المسلمون من قبلهم. وردود فعل المسلمين خلال فترة الشلل الذهني - المستمرة حتى زماننا الحالي - متنوعة؛ فالبعض رأى أن السبب في شللنا هو ارتباطنا بديننا، وأعلن المفاصلة مع الاسلام، وهذا ما حدث في تركيا التي تأسست على أساس البراءة من كل ما يرتبط بالدين الإسلامي "خارج إطار العبادة الشخصية".

البعض الآخر، ومنهم جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد إقبال، رأوا أن المشكلة تكمن في الاستعمار الذي سلب البلدان الإسلامية قدرتها والاستبداد السياسي الذي دمر القدرة الابداعية للمسلمين وفي تجهيل عامة المسلمين وحصر اهتماماتهم بتوافه الأمور الحياتية وتفسير الدين على أساس مستويات هابطة جدا من الناحية الحضارية.

البعض الآخر قال إن السبب في تخلف المسلمين هو "انحرافهم" عن النهج الإسلامي الأصيل وعن الصراط المستقيم وعن السلف الصالح، وإن الحل يكمن في إعادة الحياة - بكل تفاصيلها المعقدة - إلى أجواء صدر الإسلام، وبالتالي رفع شعاري "الإسلام هو الحل"، و"الحاكمية لله"، وإن ما دون ذلك انما هو "جاهلية" بلباس آخر يجب القضاء عليها كمقدمة أولية وضرورية لعودة الناس إلى أجواء صدر الإسلام ومن ثم استعادة الإسلام دوره الحضاري الرائد الذي فقده منذ قرون عدة. وحاليا، فإن الشارع الإسلامي في اكثر البلدان تسيطر عليه الجماعات التي تقول بضرورة العودة إلى أجواء صدر الإسلام ومحاربة مظاهر الجاهلية الحديثة. وتتنوع الاساليب من التبليغ السلمي البحت، أي العمل السياسي المنظم على اسس حزبية، إلى العمل العسكري المباشر، بما في ذلك العمليات الانتحارية التي تتناثر من خلالها أشلاء ودماء الناس كما لو أن البشر لا قيمة لهم أساسا. ومن يقوم بهذا العمل يعتقد بأنه ذاهب إلى الجنة ويأخذ معه آخرين أما إلى الجنة أو إلى النار.

العالم يسأل من سيكون خليفة نيوتن وآينشتاين، والمؤكد أنه لن يكون شخصا يعيش في بلداننا الإسلامية، وحتى لو كان مسلما، فإنه سيعيش في بلاد أخرى بعيدة كل البعد عنا، تماما كما نحن بعداء عن عظمة حضارتنا الإسلامية. إننا مشغولون بتحويل بلداننا إلى جحيم الدنيا، وهي دنيا لا تهتم بما اكتشفه آينشتاين ولا بمن سيكون خليفته

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً