العدد 863 - السبت 15 يناير 2005م الموافق 04 ذي الحجة 1425هـ

أنباء طيبة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المعلومات المتسربة من بغداد بشأن الحوار الوطني الداخلي المتعلق بالانتخابات تبشر بالخير. فبعد طول انتظار وتوتر ساخن على خطوط تماس الطوائف والمذاهب جاءت الأخبار الطيبة التي تعيد بعض الأمل إلى روح أمة حاول الاحتلال في شقيه الصهيوني في فلسطين والأميركي في العراق خنقها في دوائر ضيقة ونفوس مريضة. الأنباء الطيبة تقول إن هناك شبه تفاهم على تجاوز عقبة الانتخابات ومنع تحويلها إلى مناسبة أميركية تهدف إلى زرع بذور الشقاق بين أبناء المجتمع الواحد.

التفاهم في بداياته الأولى ويرجح أن يتطور إلى نوع من الوعي السياسي المشترك الذي يؤكد مجددا أن الاحتلال هو المشكلة وان انقاذ ما تبقى من دولة ضرورة لابد منها لوضع الأسس الصحيحة لإعادة بناء دولة نموذجية تمثل كل الأطياف والمناطق ولا تميز بين طائفة وأخرى.

الأنباء الطيبة، المنقولة عن هيئة علماء المسلمين والمراجع الشيعية، تبشر بالخير لأنها تؤكد مجددا وجود نواة صالحة للزرع والنمو بمعزل عن ارادة الأجنبي وتوجيهات الاحتلال ومصالحه التي تقضي بتقويض الدولة ومنع اتحاد أبناء البلد الواحد. وهذه النواة تعتبر خير معين للناس الذين عانوا الأمرين من سلطة مستبدة استولت على الدولة وانفردت بثراوتها وأجهزتها لمدة ثلاثة عقود... ومن احتلال قوض الدولة واثار الفوضى وشجع على "الإرهاب" لتبرير وجوده واستمراره. فالمقاومة باقية ما بقي الاحتلال والانتخابات مجرد وسيلة وليست هدفا، وهي محاولة لتطويع الانقسامات.

الانتخابات ليست مهمة إذا كانت تعني تشتيت النسيج الاجتماعي وبعثرة المجتمع الأهلي ودفع الأطياف إلى الاقتتال أو التصادم في وقت يدير الاحتلال اللعبة من وراء الكواليس. فالانتخابات بهذا المعنى السلبي لا معنى لها. فالفكرة أصلا وجدت لمنع الاقتتال ولتنفيس الاحتقان السياسي واعطاء فرصة للناس للاختيار وبالتالي فإن نجاحها يرتبط إلى حد كبير بالوحدة الوطنية والاتفاق بين مختلف الاطراف على برنامج مشترك يضمن الحرية والاستقلال والسيادة ويعترف بالآخر وبتداول السلطة وفق نظام تشريعي عادل. اما إذا كانت الانتخابات مناسبة للتشاوف والتظاهر على الآخر والشماته والنكايات وغيرها من تصرفات سخيفة وبذيئة فإنها ستتحول إلى كارثة على الناس لأنها أخذت تسير بالاتجاه المعاكس.

"الديمقراطية" قد لا تكون النظام الأفضل ولكنها من ضمن الشروط المعروضة والمتداولة الآن ربما تكون النظام الأذكى. وذكاء الديمقراطية كآلية سياسية سائدة في معظم دول الغرب انها انقذت الدول الأوروبية والأميركية من التفكك والانهيار وذهاب كل فرقة بنظامها المستقل عن الفريق الآخر. فالديمقراطية كآلية أسهمت في تذويب الفروقات واعادت انتاج الانقسام على اسس سياسية وساعدت على توحيد المجتمع وقللت من الاحتقان وأوجدت قنوات للتنفيس والتصريف وقطعت الطريق على نمو اتجاهات متطرفة وحاقدة. فالديمقراطية باعتمادها لعبة تداول السلطة "الأيام مداولة" أسهمت في تدوير المواقع وإعادة توزيعها عن طريق الانتخاب "صناديق الاقتراع". فهي لعبة ولكنها مفيدة لانها لا تعطي فرصة للاستبداد والتسلط وتمنع تجمع المياه وراء سد من الكراهية ينفجر أو يتدفق في كل فترة تتجمع فيه المياه وتفيض عنه.

أهمية الانتخابات العراقية تكمن في هذه النقطة، فهي ليست حلا، وليس مهما من يفوز بها. وشرط نجاحها ان تقوم على قاعدة التفاهم الوطني والانسجام السياسي والتنسيق بين الفرقاء حتى لا يصطاد مرضى النفوس في فوضى العراق الأمنية.

احتلال العراق هو أساس المشكلات وطرده من بلاد الرافدين هو الهدف المشترك، وهذا لا يتم بالمزايدات السياسية أو التخوين أو المنافسات الانتخابية وانما بالوحدة الوطنية والاتفاق على سقف مشترك يضمن مصالح كل المناطق والطوائف. وهذا - كما يبدو - ما بدأت الأطياف العراقية السير باتجاهه.

الأنباء الواردة من بغداد طيبة، وهي تشير إلى وجود عافية سياسية في بلد مزقته الحروب والاطماع وفوضى أمنية بعد استبداد طويل الأمد. وهذا بحد ذاته يعتبر الرد الصحيح على مخطط الاحتلال الذي أراد تحويل الانتخابات إلى معركة مقاعد ومناسبة لتمزيق ما تبقى من وحدة.

الأنباء الطيبة لابد من تعزيزها بالمزيد من اللقاءات وتتويجها أخيرا في اجتماع للمصالحة الوطنية يجسر ما انقطع من علاقات ويدفع بالبلاد نحو وحدة لا تستقيم من دون ديمقراطية، وديمقراطية لا تستقيم من دون حرية، وحرية لا تأخذ معناها الكامل من دون سيادة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 863 - السبت 15 يناير 2005م الموافق 04 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً