العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ

العيد الفلسطيني كلمة عادية أم ذاكرة لتفاصيل الحزن؟

محمد بوفياض comments [at] alwasatnews.com

اختفت بشكل ملحوظ مواشي الأضاحي التي تعرض كالعادة في أسواق المواشي في الأراضي الفلسطينية بسبب الوضع الاقتصادي الخانق الذي تعيشه المحافظات الفلسطينية والحصار والإغلاقات التي تتعرض لها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ يستقبل الفلسطينيون أول عيد أضحى لهم من دون قائدهم التاريخي الراحل ياسر عرفات.

وعادة فإن فئات عدة تستفيد من هذه الأضاحي، مثل أسر الأيتام والمنتفعين من لجان الزكاة والأسر المحتاجة والتجمعات السكنية في القرى والمخيمات وبعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

ووفق المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية فقد سجل مؤشر أسعار المستهلك الفلسطيني خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتفاعا ملموسا مقداره 1,42 في المئة مقارنة مع الشهر الذي سبقه، إذ ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك "لسنة الأساس 1996= 100" إلى 145,23 مقارنة بـ 143,23 خلال الشهر الماضي.

وكان جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني اعلن، في تقرير له أن أسعار المستهلك سجلت ارتفاعا بلغ 18,23 في المئة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004 مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول ،2000 إذ ارتفعت الأسعار في الضفة الغربية بنسبة 19,78 في المئة، وفي القدس الشريف بنسبة 18,33 في المئة، وفي قطاع غزة بنسبة 9,25 في المئة.

وفي خان يونس جنوب قطاع غزة قال مواطنون من المدينة، إن ما زاد من صعوبة تقديمهم للأضاحي، هي الإجراءات الإسرائيلية وفرض الحصار الشامل على القطاع وتقطيع اوصاله ما أدى إلى ارتفاع سعر الأضاحي عموما.

وقال صاحب محل لبيع اللحوم إنه يشعر بالخوف من كساد بضاعته التي أعدها لعيد الأضحى المبارك منذ أيام عدة، إذ تصل نسبة المبيعات 10 في المئة فقط من توقعاته مقارنة بالسنوات الماضية عازيا السبب في قلة البيع إلى الوضع الاقتصادي الخانق، والحزن الذي يخيم على الأسر الفلسطينية والمواطنين إذ فقدت كل أسرة تقريبا إما شهيدا أو أسيرا أو جريحا أو جزءا من الممتلكات الخاصة.

وفي السوق المركزية شرق خان يونس قال المشتري خليل أبوسلامة: تعلو أصوات الباعة عبر سماعات محمولة باليد في السوق لجذبهم لكنهم غالبا ما يكتفون بالمشاهدة والتأمل، فالحال لا يسمح بشراء كل ما تطلبه النفس وتتمناه، إضافة إلى شعور الكثير منهم مع أصدقائهم وأقاربهم من الأسر المصابة على رغم اقتناعهم بأن عيد الأضحى هو عيد اللحوم والمتعة.

وأضاف أن ديننا الحنيف حثنا على الفرح والاستمتاع، في هذه المناسبات، ومع ذلك فإنني شخصيا سأقتصر هذه الفرحة على زيارة الأرحام وقراءة القرآن على قبور الشهداء.

وفي نابلس بالضفة خيمت الكآبة والريبة فيها كما غيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وباتت سمة عامة تسيطر على حال الكثيرين الذين تثقلهم الهموم. ويعزو بلال أبوملك حال الكآبة التي تصيب الناس، إلى مجمل الأوضاع الأمنية الصعبة التي تمر بها المدينة، بعد توالي الاجتياحات عليها، وما خلفته عمليات جيش الاحتلال من قتل ودمار، فالعيد أصبح لا يعدو أكثر من كلمة عادية، فأين الفرحة والبهجة بقدومه؟!

ولعل المتجول في نابلس يلحظ ان الكثيرين من الذين يجولون في حواري المدينة وأسواقها، تراهم صامتين غير آبهين بصياح الباعة، إذ يجدون أنه لا مفر من دخول الأسواق والمحلات التجارية، وأن التبضع ليس على سلم أولوياتهم بقدر ما تكون حركتهم للترويح عن أنفسهم، والخروج من الكآبة القاتلة. وفيما مضى من الأعوام التي سبقت سنين الحصار، يعتبر من فاته حضور ليلة العيد في شوارع نابلس ومحلاتها التجارية، ذات الأضواء الملونة الأخاذة، التي تبهر الصبية والكبار على حد سواء، وكأن العيد مضى عليه وهو في غفلة من أمره، فصورة بهية كانت تزهو نابلس بها عندما كانت "الدنيا دنيا".

وعلى رغم ذلك يحاول النابلسيون وسكان القرى والمخيمات المجاورة، تعويض أنفسهم عن طلعات الليل الطويلة، والمفعمة بالحياة، باللجوء إلى ما تيسر من أسباب الفرحة والسعادة بـ "جمعة" عند مدخل حي أو مقهى متوار عن الأنظار، بحيث يستطيع كل واحد العودة إلى بيته بأمان فيما لو حدث طارئ ما. وفي هذا الصدد افاد تقرير للبنك الدولي، صدر حديثا بأن نصف الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر وان 16 في المئة، قرابة 600 ألف فلسطيني في الاراضي المحتلة، غير قادرين على اقتناء الحد الادنى من الحاجيات الضرورية لمعيشتهم.

وأضاف التقرير ان ربع قوة العمل الفلسطينية عاطلة عن العمل إضافة إلى ان دخل العاملين انخفض بثلث وان هذه المعطيات تأتي مقارنة مع الأوضاع الاقتصادية التي سادت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عشية الانتفاضة. وأكد تقرير البنك الدولي ان السبب الأساسي لتدهور الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو سياسة فرض الاغلاق التي تنتهجها "إسرائيل"، التي تحدد الحركة وتنقل العاملين والبضائع من الأراضي المحتلة إلى "إسرائيل" وانه من دون إجراء تغيير جذري في نظام الإغلاق وتقدم ملموس في الإصلاحات لدى الفلسطينيين لتحسين الأجواء بالنسبة إلى المستثمرين، لا أمل في تحسين أوضاع الاقتصاد الفلسطيني. ووفق تقديرات البنك الدولي فإن إزالة الإغلاق الداخلي على المدن والقرى الفلسطينية سيؤدي في الحال إلى ارتفاع الناتج المحلي الخام في الاراضي المحتلة بنسبة 3,6 في المئة، لكن هذا لن يؤثر على نسبة الفقر والبطالة. وانتهاء الأزمة الاقتصادية الفلسطينية منوط بفتح "إسرائيل" الحدود الخارجية للسلطة الفلسطينية أمام تصدير منتوجاتها إلى الخارج وسيؤدي هذا الامر، بحسب تقرير البنك الدولي، إلى رفع الناتج المحلي الفلسطيني إلى 9,2 في المئة في العام ،2006 وخفض نسبة البطالة إلى 23 في المئة وخفض نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من 56 في المئة اليوم إلى 46 في المئة بحلول العام .2006

وفي العيد لا يختلف حال المتسوق والمواطن العادي عن حال اهالي ضحايا الانتفاضة الذين يتذكرون في هذه المناسبة أحباءهم، سواء من قضى شهيدا أو جريحا أو أسيرا في زنازين الاحتلال.

فهذه عائلة الشهيد عمر محمود التي تعرضت لأبشع أصناف المعاملة من قبل قوات الاحتلال إذ استشهد الأبن وتوفيت الأم حرقة على أبنائها، ويقبع ثلاثة أبناء في السجون، والابن الرابع خرج من السجن حديثا لا تعرف الأعياد منذ استشهاد عمر، وأصبحت لا تعرف في العيد إلا صلاة العيد وزيارة قبور الشهداء، ومثلنا الكثير من الأسر الفلسطينية التي فقدت أبناءها.

وكذلك حال ذوي الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذين خيمت عليهم اجواء الحزن والكآبة إذ حرمتهم قوات الاحتلال من الابتهاج بقدوم هذا العيد، واحتضان فلذات أكبادهم وتقديم التهاني لهم.

وقالت والدة الأسير زاهر عبدالرحمن من طولكرم وقد بدت على وجهها ملامح الحزن والشحوب، بسبب لوعة الفراق: عيد بعد عيد ولايزال الأمل يراودني بخروج ولدي، الذي افتقده سنوات كأنها دهر.

وأكدت ان العيد لم تعد له بهجة، وولدها قابع في سجون الاحتلال، ويقضي الأعياد مع أشقائه المعتقلين خلف قضبان السجن، تحت إهانة السجان وتعذيبه وأنه مضى على غياب ولدها اكثر من ثلاث سنوات وأنها تعد الأيام والساعات ساعة بساعة، في انتظار خروجه واحتضانه والاحتفال معه بالعيد، كما اعتادت في الماضي، إذ كانا يعدان لاستقبال العيد قبل أسابيع من قدومه

العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً