العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ

فلنتعلم فضيلة الاستماع قبل فوات الأوان

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

الأكراد العراقيون يضعون شروطا لبقاء مواطنتهم العراقية إلى جانب العرب العراقيين أهمها القبول بإقليم كردستان فيدرالية مستقلة! والشيعة العراقيون في المحافظات الجنوبية يطالبون بإقليم خاص بهم في الجنوب ويطالبون بـ 20 في المئة من نفط الدولة العراقية والا اعتبروا أنفسهم في حل من حكومة المركز! السلطات اليمنية تمنع الشيعة من اقامة احتفال ديني خاص بهم بمناسبة يوم الغدير الذي يكرمون به الامام علي كرم الله وجهه ويظهرون محبتهم وولايتهم له فيما تلمح القبائل المعنية باحتمال لجوئها إلى المنظمات الدولية لعرض قضيتها كما جاء في وكالة انباء اليونايتدبرس! السلطات اللبنانية تعد مشروع قانون انتخابات جديد يصبح مادة ساخنة للجدل والتداول السياسي يتناوله رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص بالوصف الآتي: "انه الكلام المذهبي والطائفي الفاجر الذي بدأ يصدر عن المسئولين والمعارضين على حد سواء"! صحيفة الاهرام القاهرية من جهتها اعتبرت ما ورد على لسان أحمد الجلبي بشأن الحكم الذاتي لمحافظات الجنوب العراقي بمثابة خطر يتهدد وحدة أراضي الدولة العراقية وسيادتها! السلطات التركية تحذر الاكراد من مغبة المس بالتركيبة السكانية لمدينة كركوك العراقية لأن ذلك قد يشعل حربا أهلية تضطر تركيا إلى التدخل دفاعا عن تركمان العراق! العاهل الأردني الملك عبدالله حذر قبل فترة مما سماه بـ "الهلال الشيعي" الذي قال إن إيران تسعى لانشائه انطلاقا من بسط نفوذها على العراق وصولا إلى لبنان عبر سورية وكيف ان ذلك قد يشكل خطرا على عروبة العراق! الصحافي البريطاني الشهير ديفيد هرست كتب عن الانتخابات العراقية متحدثا عن "صعود شيعي" إلى سدة السلطة في العراق واصفا ذلك بمثابة "القلق الأكبر الذي يرعب الكثير من الحكام العرب وخصوصا اولئك الذين تضم بلادهم أقليات شيعية"! الاخبار السالفة الذكر وغيرها الكثير مما يرد يوميا عبر وسائل الاعلام أو لا يصل لكن نسمع عنه في اروقة الندوات والمؤتمرات الخاصة والعامة أو في صالونات الاجتماعات السياسية والدبلوماسية تجعل المواطن في بلاد العرب والمسلمين بغض النظر عن انتماءاته الفكرية أو السياسية أو المذهبية أو الدينية، يقلق كثيرا ليس على مستقبل بلاده التنموي والديني فحسب بسبب التوترات والتشنجات التي باتت تحيط به من كل جانب، بل تجعله يكاد لا يأمن حتى على مستقبله الشخصي! وهنا ثمة مفارقة لابد لنا من تسجيلها والتوقف عندها طويلا، وهي أن جميع الأطراف التي ورد ذكرها آنفا وعلى رغم التباين الواسع في توجهاتها تراها تمتلك القدرة العجيبة في محاورة "الآخر" القادم من بعيد، بل وربما عقد الاتفاقات معه لكنها تبدو وكأنها عاجزة امام ايجاد قناة اتصال وتواصل حوارية سلسة فيما بينها يمكن الركون إليها في حل النزاعات أو المشاجرات الثنائية أو المتعددة الأطراف الناشبة أو المرشحة للنشوب فيما بينها.

ماذا يعني كل ما تقدم؟ الا يعني أننا بحاجة ماسة إلى مزيد من التحصينات الداخلية التي تمنع تمزق كياناتنا الوطنية والإقليمية؟ الا يعني اننا بحاجة إلى إصلاح حقيقي لنظرتنا إلى بعضنا بعضا وان تكون هذه النظرة متسامحة أكثر فأكثر قبل ان تفرض علينا شروطا للمسامحة والمصالحة ربما تكون ثمنها بمقدار وحجم وقيمة التخلي عن جزء مهم من أجزاء استقلالنا وسيادتنا الوطنية؟

ألا يعني اننا بحاجة ماسة إلى فتح مزيد من قنوات الحوار فيما بين الإجزاء المكونة لاقطارنا واو طاننا الصغيرة كما الكبيرة من عربية وإسلامية قبل ان يأتي المد الخارجي الطوفاني إلى تحت اقدامنا ويكون بذلك قد فات الأوان امام اية مبادرة داخلية رصينة؟

ألا يعني ان علينا جميعا ان نتعلم فضيلة الاستماع للآخر حكاما ومحكومين وان نلغي من اذهاننا تماما فكرة المواطن درجة أولى ودرجة ثانية أو مواطن "م" و"ب" أو المواطن حامل الجنسية الكاملة والآخر من "البدون" قبل ان يأتي من الخارج ليجبرنا جميعا بالتحول إلى مواطنين من الدرجة الثالثة والرابعة؟

إن كل مواطن خير وغيور على دينه ووطنه وامته وإنسانيته لابد أنه اليوم يشعر بالقلق وعدم الرضا مما يراه أو يسمعه من الحوادث أو المواقف أو التصريحات التي تشم منها رائحة الشقاق والافتراق بين أجزاء القطر الواحد أو أطراف الوطن الأكبر أو الأمة الإسلامية على العموم.

ومن أجل تبديد هذا القلق ومن أجل رفع هذا الخوف وإزالة عدم الرضا المتزايد بين المواطنين على امتداد الوطن العربي والإسلامي الكبير ليس امامنا سوى فتح النوافذ فيما بين المكونات الأساسية من جهة واغلاق المنافذ تماما في المقابل امام اي متصيد في الماء العكر حتى لا نصبح مادة للتجربة والاختبار في طاحونة حروب الآخرين ممن لا يهمهم من الأمر كله الا تحقيق المزيد من الأرباح لشركاتهم والمزيد من كسب الخبرات لجيوشهم والمزيد من التجارب الحية لأسلحتهم على أراضينا وفوق رؤوسنا وعلى اجسادنا أكثر ما يهمهم ان كنا أو أصبحنا دولا "ديمقراطية" أو حكومات وشعوبا تسعى "للإصلاح" أو ترنو للحرية! دون ان يعني ذلك ابدا عدم الاهتمام بكل تلك المقولات التي ينبغي علينا ان نؤسس لها بأنفسنا وان نصيغ آليات تطبيقها وتنفيذها في بلداننا بقوالب محلية قابلة للاستعمال من قبل عامة الشعب وجمهور الناس

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً