العدد 879 - الإثنين 31 يناير 2005م الموافق 20 ذي الحجة 1425هـ

هل بدأ المشروع الأميركي فعلا؟

"النفط مقابل السنتات"!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انتهت الانتخابات العراقية وأقفلت أبواب مقار الاقتراع، وبدأت عملية عد الأصوات، والعالم الخارجي ينتظر إعلان النتائج في غضون أيام قد لا تتجاوز الأربعة. لم تثر أية انتخابات عربية من الجدل مثلما أثارته هذه الانتخابات عربيا ودوليا، لما يتركه الموضوع العراقي من تداعيات كبيرة على البلدان المجاورة وعموم المنطقة، فضلا عما يشكله من نقطة ارتكاز محورية في المشروع الأميركي.

هناك دول عربية أخرى ترتب لإجراء انتخابات، ولكن لأن النتيجة محسومة سلفا لصالح الرئيس وعائلته وابنه، فإن أحدا لا يهتم بمتابعة الألعاب المكشوفة إلى درجة الملل. حتى في فلسطين "المحتلة" لم تثر الانتخابات الكثير من الاهتمام، ولم يعلن أحد من الدول أو الشعوب أو الجمعيات السياسية اعتراضهم على نتيجتها قبل أن يذهب الناخبون إلى صناديق الإقتراع. العراق وحده هو المتهم في انتمائه وعروبته، والمطلوب منه أن يثبت للعرب انه عربي من الجد إلى الجد!

جرت الانتخابات في فلسطين "المحتلة" بمباركة الجميع، ولم تصدر البيانات المعترضة على شرعية الانتخابات التي قاطعتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ولم تصل نسبة المشاركة فيها إلى 24 في المئة، ولم يشكك أحد في شرعية "أبومازن" لانه انتخب تحت الاحتلال، لكن قبل أن يذهب الناخب العراقي إلى صناديق الاقتراع صدرت البيانات المعترضة على الانتخابات العراقية لأنها "تحت الاحتلال". الاعتراض بهذه اللغة تتضمن لائحة اتهام لـ 60 في المئة من العراقيين في قوميتهم وعروبتهم ودينهم، وتتهم 8 ملايين عراقي بالجهل الفاضح الذي أوقعهم في الفخ الأميركي. جمعيات سياسية لا يزيد عمر ممارستها السياسية على أكثر من ثلاثة أعوام، ولا يزيد عدد أعضائها عن ألف شخص، أعلنت عدم اعترافها بنتائج انتخابات العراق مسبقا! بلد لا يزيد تعداده على 700 ألف، أصبحت بعض قواه السياسية تتدخل في الشئون الداخلية لبلد مجاور يزيد تعداده على 25 مليون، وتريد أن تحدد له مصيره وتعلمه أبجديات السياسة!

على أن من أعجب التحليلات افتراض أن المشروع الأميركي بدأ في المنطقة بتدشين هذه الانتخابات! نحن لم نكن نياما لنستيقظ، فما نعرفه أن المشروع الأميركي ليس جديدا في المنطقة، فالأميركيون موجودون منذ أكثر من سبعين عاما، منذ بدأوا في استخراج النفط من تحت أرجلنا، يأخذون براميل النفط مقابل سبعة سنتات، وكنا نحمد ربنا ونشكرهم على أفضالهم الكبيرة علينا، فقد عشنا قرونا نستخدم "القطران" في علاج البعران المصابة بالجرب، ونتخذ منه ذؤابات للمصابيح الزيتية، فلما جاء الأميركيون حركوا به السيارات وأطاروا الطائرات وأقاموا المصانع. هكذا بدأ الوجود الأميركي وهكذا استمر، أما الكلام عن الديمقراطية والإصلاح فهي كذبة لا نصدقها.

المشروع الأميركي بدأ بالنفط ولم يبدأ بالانتخابات العراقية قبل يومين. كان البريطانيون يحتلون المنطقة، ولما حانت ساعة الحقيقة البريطانية بالانسحاب من شرق السويس، بادرت الولايات المتحدة الأميركية إلى ملء الفراغ، لأن السياسة كالطبيعة تأبى الفراغ، كما يقول محمد حسنين هيكل. حينها توسلنا إليهم ليبقوا، ولكنهم كانوا عزموا على شد الرحال. هذه حقائق يجب ألا نغيبها ونحن نناقش العمود الفقري في المنطقة والمصب الرئيسي للمصالح الغربية: "النفط".

إذن، لم يبدأ المشروع الأميركي بانتخابات العراق بالأمس ولن ينتهي غدا. الأميركان بدأوا مشروعهم منذ اللقاء الأول مع روزفلت على ظهر المدمرة الأميركية في بحيرة التمساح، هل نسيتم؟ ففي ذلك اللقاء تم إرساء المعادلة التي مازالت تحكم حياتنا: النفط مقابل السنتات!

من هنا لم يكن أحد منا يجهل حقيقة الأهداف الأميركية يوم أخذت تخطط لغزو العراق، فالنفط كان ولايزال هو العسل الذي يجذب الأميركان إلى هذه البقعة الصحراوية القاحلة. من هنا، وتصحيحا للمقولات الخاطئة والتحليلات من بنات اللحظة، نقول إن المخطط الأميركي لم يكن وليد يوم الانتخابات العراقية ولن ينتهي مع إعلان نتائجها، فهو يعود إلى سبعين عاما، إذ سادت المعادلة التي حكمت التحالف التاريخي الشهير: "النفط مقابل السنتات". ولذلك كان الشاعر العراقي مظفر النواب يبكي حين يتذكرها فيصيح: "براميل النفط محملة... آه، آه"؟!

أما العراقي الآخر بدر شاكر السياب فكان حين يتذكر المدمرة الأميركية كان يتقيأ الدم على سرير المستشفى بالكويت، ويأخذ بالصراخ: " ما مر يوم بالعراق ليس فيه جوع". واليوم يريد ملايين العراقيين أن يغيروا تلك المعادلة التي تركت نصفهم جياعا، تحت حكم أحفاد الشريف حسين، وتحت حكم التكارتة البعثيين، والنصف الآخر موزعين بين المنافي والمقابر الجماعية والسجون.

العراقيون ليسوا أقل معرفة بالسياسة الأميركية حتى نعلمهم كيف يسلكون، وليسوا أقل قومية منا حتى نعلمهم ما يختارون، وليسوا أقل تدينا منا حتى يفتي لهم أولئك المشايخ من أنصاف المتعلمين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 879 - الإثنين 31 يناير 2005م الموافق 20 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً