العدد 881 - الأربعاء 02 فبراير 2005م الموافق 22 ذي الحجة 1425هـ

"الحداسة" العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما الدروس غير السياسية المستفادة من نتائج الانتخابات العراقية التي جرت في ظل الاحتلال الأميركي ورعاية هيئات دولية انتدبتها منظمة الأمم المتحدة؟ بمعنى آخر، كيف نقرأ سوسيولوجيا "اجتماعيا" تلك الانتخابات، وما العبر التي يجب أن تأخذها جماعات الحداثة "الحداسة باللهجة اللبنانية" العربية التي تروج للديمقراطية وفق بضاعة النموذج الأميركي؟ لابد من قراءة سياسة الاقتراع الشعبي جيدا حتى يستطيع "الحداسيون" العرب التعرف على مجتمعاتهم واكتشاف آليات إنتاج الزعامات والقيادات في بلدان لاتزال تعيش مرحلة ما قبل الدولة "المعاصرة والحديثة". القراءة ضرورية للتعلم النظري أولا وللتعرف على واقع عربي ثانيا، وإلا سيبقى الفكر مجرد مجموعة نظريات غائبة عن روح المجتمع والعصبيات التي تحركه. والمعرفة في هذا المعنى جيدة وضرورية وخصوصا لتلك الفئات المغيبة عن تاريخ مجتمعاتها ولا تعرف الكثير من تعقيدات الأمور وخصوصا تلك المتعلقة بالعصبية والشوكة وصلاتها بالمذاهب والطوائف والعشائر والمناطق.

لابد أن تتعلم جماعات الحداثة "الحداسة" العربية من التجارب وتستخلص الكثير من الدروس الواقعية التي تخالف كثيرا دراساتهم الأكاديمية في الجامعات والمعاهد الأميركية. وربما تساعد تلك الدروس المستخلصة من التجارب العينية على اكتشاف قوانين اللعبة السياسية في منطقة تطلق عليها واشنطن الآن "الشرق الأوسط" في صيغتيها "الكبيرة" و"الصغيرة".

سؤال لماذا صوت الكردي للقائمة الكردية في منطقة شمال العراق مهم لفهم الصيغة النظرية لحركة الواقع الاجتماعي. كذلك سؤال لماذا صوت الشيعي للقائمة المدعومة من السيدعلي السيستاني في منطقة جنوب العراق ومحيط النجف وكربلاء مهم لفهم الاختيارات النظرية لحركة الواقع الاجتماعي. كذلك يمكن طرح السؤال نفسه على اختيارات السني الانتخابية سواء ذاك المقاطع عن قناعة أو المقاطع عن إكراه أو المشارك عن خوف أو المشارك عن قناعة. فالسني أيضا صوت أو قاطع بحسب الطابع المذهبي للمنطقة التي يعيش فيها أو يتحرك في وسطها. كذلك يمكن سحب المنطق نفسه على قوائم المسيحيين أو تلك اللوائح العشائرية وغيرها.

أسئلة لماذا ولماذا ولماذا تساعد كثيرا على معرفة الكثير من الأجوبة التي تحتاجها تيارات "الحداسة" العربية لتطوير وعيها التاريخي بآليات تطور المنطقة والأسس التي يتم في ضوء قوانينها غير المرئية "شوكات وعصبيات" اختيار الرموز والقيادات والزعامات. وهذه الأجوبة ربما تساعد كثيرا خبراء "البنتاغون" وكتبة التقارير الاستخباراتية لطاقم جورج بوش الذي يكرر يوميا إصراره على إصلاح المنطقة "من الخارج والداخل" وتطويرها وفق النموذج الأميركي بواسطة نشر الديمقراطية والتشجيع على الانتخابات وتوزيع صناديق الاقتراع في عالم تسوده علاقات اجتماع لا صلة لها بأفكار تلك النخبة التي تخطط وتبرمج لفرض الهيمنة الأميركية على العالم العربي "الإسلامي".

قراءة ابن خلدون التي تعود إلى أبعد من 500 سنة إلى الوراء تفيد كثيرا في معرفة الواقع العربي "الإسلامي" وآليات تطور وانقسام العمران البشري. فهي أكثر علمية ودقة من كل تلك الدراسات المعاصرة "والحداسية" عن النظام الأبوي "البطريركي" التي نشرت على امتداد نصف قرن. فابن خلدون قرأ الواقع وعاشه ودرس التاريخ والفقه وتعلم الفلسفة والمنطق ولكنه كان ابن بيئته وعاصر زمانه وراقب تحولاته واستنتج ما عرف لاحقا بالعصبية وعلم العمران.

تيارات "الحداسة" العربية عاشت في أوروبا وأميركا أو تعلمت عن أوروبا وأميركا في جامعاتنا ومعاهدنا العربية وتجاهلت "وأحيانا احتقرت" حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا وواقعنا. والفارق بينها وبين ابن خلدون هو كالفارق النسبي الذي نالته قوائم "لوائح" العلمانيين والشيوعيين في انتخابات العراق "إذا لم يحصل التزوير" وبين لوائح "قوائم" التقليديين الذين دمجوا بين الواقع والمستقبل. هذا الفارق هو بالضبط كالفارق بين حداثة ابن خلدون التقليدية و"حداسة" العلمانيين العرب المعاصرة.

الانتخابات العراقية قدمت الكثير من الدروس السياسية، إلا أن الدرس الأهم يبقى في دلالات الوعي النظري "التاريخي" لمصير الديمقراطية الأميركية و"الحداسيين" العرب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 881 - الأربعاء 02 فبراير 2005م الموافق 22 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً