العدد 885 - الأحد 06 فبراير 2005م الموافق 26 ذي الحجة 1425هـ

آن لها أن تسكت. .. فهل من "جزيرة" أخرى؟

ماذا بعد "الجزيرة"؟

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

كنت أتساءل وأنا أقرأ خبر عرض قناة "الجزيرة" للبيع، عن المالك الجديد، من سيكون، وماذا سيحدث للقناة وما ستقدمه بعد أن تتغير ملكيتها؟ ماذا لو اشترتها مثلا إحدى الشركات العملاقة المسيطرة على وسائل الإعلام في العالم؟ ماذا لو أصبحت مملوكة لوالت ديزني أو تايم وورنر مثلا، ماذا لو تحولت إلى نسخة عربية عن قناة "CNN" أو "ABC"؟

مع العلم أن هذا ليس بمستبعد على الإطلاق، فالقناة مغرية لأية شركة، فقد حصلت على شعبية لا مثيل لها بين قريناتها من القنوات على مستوى دول العالم الثالث بأكمله. فضلا عن السعي الدؤوب لتلك الشركات العملاقة لاحتواء أي نموذج إعلامي حقق شهرة وشعبية كبيرة في هذه الدول.

يجب أن نقر أولا، أن "الجزيرة" لم تكن الأفضل، لكنها على الأقل كانت لاعبا مشاكسا في نظام عالمي تحكمه قوانين السياسة والاقتصاد. وفي معظم التقارير التي تتناول أوضاع الإعلام العالمي ودول العالم الثالث، كانت "الجزيرة" شاهدا مثيرا على تغيير مبدئي في أداء وسائل الإعلام في دول العالم الثالث في ظل سيطرة شبه كاملة على السوق الإعلامية من قبل 6 أو 7 شركات عالمية عملاقة.

"الجزيرة" كانت نقطة يبدأ معها حديث آخر عن إعلام تحكمه توجهات أخرى، غير السائد والمتوقع والمفروض. وبانتقال ملكيتها من حكومة قطر، تثار تساؤلات واسعة النطاق بشأن المالك الجديد.

عرض "الجزيرة" للبيع، يعني فشلا ذريعا لمشروع صغير يحاول أن يواجه النظام الإعلامي العالمي، ولعبة السياسة الاقتصادية. وتخلي مالكي القناة عن هذا الجدل اليومي واللانهائي الذي فتحته لنفسها على جميع الجبهات، وربما استمتعت به لما أعطاها من شعبية، وصلت إلى حدود العالمية، يجعل أي نموذج مماثل في أية دولة نامية أخرى، يعيد النظر ألف مرة قبل أن يتجرأ على خرق نظام وضع لاعبوه الرئيسيون قواعده، ولن يقبلوا بتبديلها.

الوصول إلى السوق، هذه هي اللعبة الرئيسية في هذا النظام الذي بدأ منذ الثمانينات، مع توجهات العولمة ومن ثم ظهور تلك الشركات العملاقة العالمية الكبرى، التي خلقت أساطيل إعلامية تملكها وتتحكم فيها، بدءا بأقدم وسائل الإعلام وهي الصحف، مرورا بالقنوات الإذاعية ومحطات التلفزة، وانتهاء بشركات إنتاج السينما.

هنا، يبدأ عامل أول في الظهور، انطلاقا من أكثر نظريات الإعلام شعبية، وهو الملكية والسيطرة على وسائل الإعلام. من يملك القناة الإعلامية، يسيطر بالضرورة على محتواها، يحركها، يتحكم في توجهاتها ويحدد سياساتها. وبسيطرتها على السوق العالمي، سيطرت تلك الشركات على توجهات الإعلام العالمي وتغطياته، والصور الذهنية التي يحفزها في عقول المتلقين حول العالم، وقبل كل شيء، مسكت خيوط اللعبة الإعلامية في أيديها. وبناء على أن الربح المادي هو الهدف الرئيسي لمالكي هذه الشركات العملاقة، صار البيع، والبيع وحده، هو المحرك الأساسي لجميع المحتويات الإعلامية التي تقدمها قنواتها.

محرك آخر، يلعب دورا أكثر من مهم في هذا النظام، أو هذه اللعبة العالمية. الاقتصاد السياسي، أو لعبة السياسة والاقتصاد، وعلاقة كل منهما بالآخر. فتلك الشركات العملاقة، تحتكم إلى قانون يضمن علاقة طيبة باللاعبين السياسيين، وأكبر تلك الشركات أميركية الهوية، ولديها علاقة طيبة مع الإدارة الأميركية، وبالضرورة تحاول أن تحافظ على تلك العلاقة. ولذلك، لن يخالف أي مضمون تقدمه محطة "CNN" مثلا ما تراه الإدارة الأميركية، حتى لو افترضنا أن هذا حاصل أحيانا، فلعبة السياسة هي الأقوى في موقف كهذا.

ومع سيطرة نظام إعلامي عالمي كهذا، يبدو العثور على الحقيقة في التغطيات الإعلامية العالمية أمرا شبه مستحيل، ولا أدل على ذلك من التغطيات المستمرة لما يحدث في العراق، إنها الحرب، والإعلام وسيلة أقوى من الرصاص في هذه الحرب، وقد استفادت السياسة الأميركية من سيطرة وسائل إعلامها على العالم أبعد حدود الاستفادة في حربها في العراق، ومازالت.

هنا تظهر "الجزيرة" في الصورة، مشاكسة، و"مثيرة للفتن" بحسب الإدارة الأميركية. تجرأت على أن تنقل شيئا آخر غير ما تعودت أن تنقله وسائل الإعلام العالمية. تجرأت على أن تخرق النظام العالمي الذي كان أبرز ما أنتجته توجهات العولمة على الصعيد الإعلامي، وكان لابد لها إما أن تنضم إلى هذا النظام وتتبع معطياته، وإما أن تختفي.

بغض النظر عن إن كان ما تنقله "الجزيرة" هو الحقيقة الكاملة أم لا، وبغض النظر عن كونها مستقلة وحيادية أم لا، فقد نقلت "شيئا آخر"، لذلك كان لابد لها أن تسكت. وقد استمرت سنوات في مشاكستها، لكن في النهاية، يتغلب ميزان القوى الذي يحكم العالم، ويبدو الصمود في وجه نظام حدد معالمه سلفا، أمرا شبه مستحيل.

إنه أمر مخيب للآمال فعلا، وخصوصا لوسائل الإعلام في دول العالم الثالث التي تحلم بالصمود، وبخلق أسطورة إعلامية تواجه بها هذا النظام. وهو أمر مخيب أكثر للمتلقين في تلك الدول، الذين يتحرقون شوقا لمعرفة الحقيقة، ولسماع صوت آخر غير ما فرض عليهم سماعه.

ربما تختفي أسطورة "الجزيرة" بتغيير ملكيتها، وربما تظهر "جزيرة" أخرى في دولة نامية أخرى، بحسابات أخرى ومصالح أخرى، لكن هل ستستطيع الصمود؟

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 885 - الأحد 06 فبراير 2005م الموافق 26 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً