العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ

علي بابا ونظرية "الحكم الصالح"!

"زار الشعب بيت بيت"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رسميا يتم الحديث في آخر المنتديات العربية وعلى أعلى المستويات عن الإدارة الرشيدة ومتطلبات الحكم الصالح! وفي موازاة ذلك تحسين البيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال لتنشيط الاقتصاد. نظريات ستجد الصحف العربية فيها الكثير من المادة الدسمة لملء الصفحات وخصوصا الافتتاحيات لأيام وأسابيع حتى تصبح مثل اللبان البصري!

يتحدث الجماعة اليوم عن الحكم الصالح، ومن ذا ناقشكم بعدم وجود أنظمة "رشيدة" في العالم العربي؟ ألم يتطوع الإعلام الرسمي العربي طوال أربعين أو خمسين عاما لإقناع الشعوب بأن الله من عليها بأطهر وأنزه الحكام على وجه الأرض، وبأنه لا توجد ديمقراطية أفضل مما تتنعم به؟! ألم تكرس افتتاحيات الصحف لترويج كل ما تريد الحكومات إملاءه على الناس في ظل سلب كامل لحرياتها وتحجيم لإرادتها ومصادرة لآرائها؟ حتى وزير الإعلام كان يقف ليقول ساخرا من المطالب الشعبية: "تريدون ديمقراطية... ولا تموتون"!

في فترة يقولون ان الديمقراطية لا تصلح لنا ولا نصلح لها، فإذا تغير اتجاه الريح تحولوا إلى مدرسي لغة ديمقراطية، يعلمون الناس مبادئها وقوانينها وأصولها! إذا قبل الحاكم لقاء المعارضين فهو أبو الشعب، وإذا رفض استقبالهم فهو أبو الديمقراطية! وهكذا يتم التدليس على الجمهور حتى فاض الكأس بما حوى.

هل تتذكرون أغنية "زار الشعب بيت بيت زار الشعب... ما بين بوجهه التعب"! حين كان النظام العراقي يترنح في عزلته، وكان هناك جيش من الإعلاميين والمنتجين والشعراء والموسيقيين والصحافيين المبتذلين يتعيشون وراء مثل هذا الانتاج الهابط المنافق. ومن هنا كانت الخدعة تنطلي على الشعوب البعيدة، التي تعيش على "إعلام براميل النفط"، بينما كان الشعب العراقي يعاني من فظاعات نظامه. ومن هنا كانت الصدمة التي لم يستوعبوها، إذ مازالوا ينظرون إلى العراقيين على انهم ناكري جميل صدام حسين! فمن جمائله انه نصب ابنه الأصغر مسئولا عن قوات الحرس الجمهوري والاستخبارات والأمن، فيما عين ابنه الأكبر لرئاسة اللجنة الأولمبية العراقية برتبة وزير، وفوق ذلك ترأس نقابة الصحافيين واتحاد الكتاب والفنانين "الحناشل"، حتى انتهى سلم "ترقياته" إلى "الانتخاب" عضوا في البرلمان، وطبعا بنسبة 99 في المئة!

وكما عمت موجة الديمقراطية، فإن نظرية "الحكم الصالح" مرشحة للانتشار مع "الكوميشن"! وبينما كانت مثل هذه الدعوات تؤدي بصاحبها قبل أعوام إلى غياهب السجون، فانها الآن أصبحت موضة من إبداعات المرحلة! وسنقرأ العجائب في هذا العالم العربي، المكون من 22 دولة، بينها 13 جمهورية، في أحدها وافق الحزب الحاكم وبالإجماع على تغيير الدستور ليتسنى لابن الرئيس خلافة أبيه نزولا عند رغبات الرئيس الراحل!

زعيم جمهورية أخرى له ابنان، يتمتع أحدهما بنفوذ واسع في عالم المال والأعمال، وتربطه صلات قوية بشركات النفط، وبالتالي فانه مرشح لخلافة والده!

جمهورية ثالثة يرتب رئيسها ابنه "المحروس" لنيابته، وعندما طالب الشارع بإجراء تغيير دستوري يحترم فيه إرادة الشعب بتحديد ولايته رفع شعار: "أنا في خدمة الشعب"! ما اضطر الجماهير إلى الرد بأسلوب تهكمي على كل تلك الخرافات السمجة في كلمة واحدة: "كفاية"!

برلمانات هي خواتم بأصابع الحكام، واستفتاءات شعبية لتمرير وهم "التأييد الشعبي" بنسبة 99 في المئة، وجمهوريات تورث بناسها وبهائمها للأبناء في ظل أنظمة "رشيدة" كما تورث الأبقار والعقارات والأموال المنقولة، ثم يتحدثون عن الحكم الصالح والبيئة الجاذبة للاستثمارات!

لعل الفلسطينيين وهم يقفون على أبواب الجمهورية الموعودة، هم الأفضل حظا، فلم يكن لرئيسهم الراحل خليفة من صلبه الطاهر لأنه لم ينجب ذكرا، ولأن ابنته زهوة لم تتجاوز العاشرة، ولأن شقيقه فتحي لم تكن له اهتمامات بالزعامة السياسية حتى أدركه الموت، وإلا كان علي بابا سيبقى يلاحقهم حتى النفس الأخير

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً