العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ

ثقوب الذهنية الإقطاعية القبلية تمزق ثوب المصالحة العربية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التقى العرب في الدوحة في قمة غاب عنها الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وأطلقوا عليها «قمة المصالحة العربية»، أو قمة «استعادة التضامن العربي».

في حقيقة الأمر يصعب حصر عدد القمم العربية، الاعتيادية والاستثنائية، الكاملة العدد والمصغرة، التي عقدت من أجل ما اتفق على تسميته بالمصالحة العربية أو «التضامن العربي». لقد كل المواطن العربي، وفقد الثقة في إمكانية وضع حد لأزمة الخلافات العربية، دع عنك الوصول إلى مستوى المصالحة. أدى ذلك إلى أن ينتقل الشعور بالمرارة، إلى سلوك تهكمي، لخصه الشارع العربي في نوادر كثيرة من نمط «لقد اتفق العرب على ألا يتفقوا».

ولو حاولنا حصر الأسباب المعاصرة، دع عنك التاريخية والحضارية، التي تبرر توحد العرب، إن لم نقل أنها كافية لعدم اختلافهم، لوجدناها كثيرة.

فعلى المستوى السياسي، تكفي الإشارة إلى وجود عدو مشترك، والذي هو «إسرائيل»، يهدد الدول العربية، ويستنزف الكثير من مواردها المالية والبشرية. ورغم أن درجة التهديد هذه متباينة، ودوافعها مختلفة، لكننا يمكننا أن ندعي أنها كافية لأن توحد الدول الضحية والتي هي الدول العربية، لكون هذه الأخيرة، دون أي استثناء تقع تحت طائلة، الأطماع، ومن ثم الخطر الصهيوني.

يمتد هذا الخطر من احتمالات الغزو والاحتلال وهدم البنى التحتية وتخريب الاقتصاد، كما هو الحال اليوم، بالنسبة لكل من سورية ولبنان، ليصل إلى إمكانية الاعتداء والإغارة والتخريب كما حصل عند قصف مراكز المفاعل النووي العراقي.

وعلى المستوى الاقتصادي، هناك الاتجاه الدولي العام نحو تشكيل التكتلات الإقليمية، عوضا عن الأسواق القِطْرٍية أو القومية، التي لم تعد تحظى بالأهمية التي كانت تتمتع بها في السابق.

نلمس هذا التوجه اليوم في انبثاق تكتلات في المناطق التي تحكمها ظروف مشابهة لتلك القائمة في البلدان العربية. تشهد على صحة هذا القول، تجارب في الشرق الأقصى من آسيا، وفي القلب من أميركا الجنوبية، وأفضل الأمثلة على ذلك الاتحاد الأوروبي.

ومن الطبيعي القول إن نشوء مثل هذه التكتلات، تأتي استجابة للتطورات التي طرأت على آليات وقوانين الأسواق العالمية التي باتت تحبذ التعامل مع أسواق الكتل الإقليمية الكبيرة على شكل موحد، عوضا عن التعامل مع الأسواق القِطْرِية الصغيرة، المنهكة للاستثمار والمشتتة لجهود القوى التي تقف خلفه.

يضاف إلى البعدين السياسي والاقتصادي، البعد الاستراتيجي، إذا ما عولجت المنطقة العربية ككتلة جيو سياسية واحدة. وبخلاف ما تحاول أن تروج له بعض المؤسسات الإعلامية التي تسعى إلى أن تجرد هذه المنطقة من أهمية بعدها الإستراتيجي، ساهمت النقلة التي فرضتها ثورة تقنية الاتصالات والمعلومات، في مضاعفة أهمية الإستراتيجية للمنطقة كنقطة التقاء لخطوط شبكات الاتصالات العالمية التي تربط بين أسواق مهمة تمتد من أميركا اللاتينية وتعرج على الأسواق الأوروبية، قبل أن تنهي رحلتها في أسواق الشرق الأقصى في القارة الآسيوية.

ومثل ما كان الشرق الأوسط مهما لحركة خطوط الملاحة العالمية في أعقاب الثورة الصناعية، كذلك الأمر اليوم، لا يختلف اثنان على أهمية هذه المنطقة لتسهيل وخفض كلفة انتقال المعلومات، كأحاديث متبادلة أو نصوص مدونة، أو صور موثقة على حد سواء.

يتضافر مع هذه العوامل عناصر أخرى إيجابية لا تقل أهمية عنها، مثل اللغة المشتركة، والقيم الدينية المتقاربة، وندرة الفواصل الجغرافية المانعة من جبال أو غابات أو بحار. لكن رغم كل عناصر الإيجاب هذه، فإن ما يجري على أرض الواقع يخالف كل ذلك، فالنتيجة الملموسة التي يشاهدها المواطن العربي، هو تشتت العرب كأمة، وتفرقهم كقرار، وتمزقهم كسوق، وتنافرهم كقوى سياسية.

هذا الواقع الممزق يدفع المواطن العربي نحو البحث عن سبب جوهري أساسي يفسر حالة التناثر الأرخبيلي التي تجعل من العرب مجموعة من الجزر المبعثرة ليس هناك قاسم مشترك بينها أكثر من المسطح المائي الذي يحتضنها وقنواته التي تتخللها.

يحلو للبعض منا أن يلقي بالمسئولية عن هذه حالة التشرذم العربية الحالية على عاتق القوى الخارجية، إقليمية كانت أم عالمية، ويدرج في قائمة هذه القوى دولة مثل «إسرائيل» التي بدلا من أن تكون مخاطرها سببا في توحيد العرب، نجد أن الموقف منها هو أحد الأسباب التي تفرق العرب، والبعض الآخر يرجعها إلى عدم التوازن في توزيع الثروات، وخاصة بعد اكتشاف النفط، واغتناء الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة مثل قطر السعودية أو العراق مقارنة مع شقيقاتها من الدول العربية الأخرى المكتضة السكان، مثل مصر والمغرب.

يمكننا أن نسوق الكثير من الشواهد العالمية التي تدحض كل تلك الإدعاءات. يمكننا مقارنة مصر والمغرب بالهند أو حتى الفيتنام، ويمكننا أن نضع ماليزيا وكوريا الجنوبية أمام العراق والسعودية.

من كل ذلك نستنتج، أنه لابد وأن يكون هناك سبب حقيقي أساسي واحد يقف وراء هذا التمزق العربي، ولابد أن يكتنز هذا العنصر في داخله أو يدور في فلكه مجموعة من العوامل الأخرى التي تقوم بنفس الوظيفة السلبية.

نعتقد أن التحالف الإقطاعي القبلي الذي يحكم ذهنية الأداء السياسي العربي، سواء في ردهات الأجهزة الحاكمة، أو في صفوف المعارضة العربية، التي يفترض أن تكون هي البديل التاريخي لما هو قائم اليوم من أنظمة حكم، هي التي تمزق أثواب المصالحة العربية. ولكي يكون المرء منصفا، فلا بد من التأكيد على أن هناك حاجة ملحة للمطالبة بمصالحة إستراتيجية بين المعارضة العربية، على مستوى القطر الواحد أو على المستوى العربي الشامل تسبق الدعوة لمصالحة على مستوى الأنظمة الحاكمة. هذه المعارضة التي لم توحدها أو تلغي الخلافات بينها سياسات القمع والإرهاب التي عانت ولاتزال تعاني منها.

أما على مستوى الحكم، فكل «فئة حاكمة» تعتقد أنها قد اقتطعت مساحة جغرافية من الأرض أصبحت ملكها وحدها، والملكية هنا تشمل الأرض ومن عليها. هذه الخلفية الإقطاعية عزز من تخلفها إكسير القبلية المزروع في ذهنية القوى الحاكمة، فجاءت المحصلة سلوكا إقطاعيا قبليا يصعب على من يتسربل به أن يبحث عن نقاط الإلتقاء، أو مساحات تقاطع المصالح الخارجة عن نطاق حدود تلك الرقعة الجغرافية، والبعيدة عن وشائج صلات الرحم والقربى.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً