العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ

«عائلة قماشة»

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما نعود للتاريخ الكوميدي الخليجي نجد الكثير من المسلسلات والمسرحيات القديمة التي عكست الواقع المر الذي نعيشه في مجتمع ضيق المساحة واسع الأفق والتطلع.

خالتي قماشة مسلسل خليجي اجتماعي كوميدي تدور أحداثه في منزل الأم العجوز «قماشة» التي تسعى للحفاظ على سلوك أبنائها، ولتبقى مسيطرة عليهم وعلى زوجاتهم، إذ تضع كاميرات تجسس في حجرات أبنائها المتزوجين لتبقى على اطلاع بما يدور حولها وما يودون القيام به أو حتى يفكرون فيه، وذلك بحسن نية للحفاظ على تكوين الأسرة المركبة التي عاش على أساسها أجيال من أبائنا القدماء.

قماشة الأم العجوز مارست دورها السلطوي على أبنائها، كما هو حال الحكومة التي تمارس دورها على أبناء هذا الوطن، قماشة وضعت كاميراتها التجسسية في غرف نوم أبنائها، والحكومة بالتعاون مع هيئة الاتصالات وضعوا لوائح تسمح بالتجسس على اتصالات وتحركات كل المواطنين.

قماشة الأم العجوز التي خططت ودبرت سنوات طويلة من أجل أن تحافظ على طريقتها في إدارة شئون حياة أبنائها، وعدم مطالبتهم بحقوقهم المشروعة في الحرية وبناء حياة خاصة بهم مع زوجاتهم وأبنائهم، اصطدمت بزوجة ابنها «سلطان» آخر العنقود «محبوبة» التي تكتشف سر هذه الكاميرات، لأنها المتعلم بين زوجات أبنائها الأميات، ولتبدأ المعركة والصراع بين «قماشة» و»محبوبة».

مسئولونا لم يتعلموا الدرس ولا أعتقد أنهم شاهدوا مسلسل خالتي قماشة بالرغم من إعادته مرات كثيرة، وإلا لفهموا المغزى الحقيقي من المسلسل، وما تجرأت على إعادة الكرة من جديد في صيغة قرار ولوائح تجيز حق التنصت على حياة الآخرين ومعرفة أدق تفاصيلها بذريعة الحفاظ على المجتمع ومكتسباته، فليس بهكذا أمور يحافظ على مكونات هذا البلد وتماسكه وأمنه وأمانه.

خالتي قماشة تعلمت الدرس في النهاية من «محبوبة» التي كانت تعتقد أنها عدوتها، عندما وجدت أن أبناءها لم يكونوا قلبا واحدا كما كانت تتصور، ولم يكن احترامهم لها سوى خوف وطمع في عطاياها، بعد أن تصنعت الموت للحظات لتشاهد خلافات أبنائها على التركة.

متى تتعلم الحكومة بأن الشعب أصبح أكثر وعيا وإدراكا لما يجري، وأن «محبوبة» التي مثلت المعارضة الواعية والمدركة لخطورة الموقف في عائلة «قماشة» عكست حقيقة ما يجري للأم العجوز، وعلمتها أن الحب والاحترام المتبادل والثقة أساس استمرار الحياة، وأن المطالب العادلة لأبناء قماشة في الحياة باستقلالية دون وصايا فوقية حق، لا يحتاج لكل تلك الكاميرات وأجهزة التنصت، وكل حق لن يضيع حتى وإن تأخر به الزمن قليلاُ.

عائلة قماشة سقطت بكاميراتها التجسسية، وبنيت من جديد بالحب والتفاهم والحوار والثقة والاحترام المتبادل بعد أن أدركت أن العائلة لا تقوم إلا بتوافق الجميع وتصالحهم، ولا للسلطة الفوقية.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً