العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

"أسماء شيفرة" يفضح أسرار تعاون دول عربية و"إسرائيل" مع أميركا ضد العراق

رئاسة الأركان المشتركة تحقق في معلوماته السرية

أمرت رئاسة الأركان المشتركة للقوات الأميركية أخيرا إجراء تحقيق في تعريض الكثير من البرامج التي كشف النقاب عنها كتاب جديد للمحلل العسكري الأميركي وضابط المخابرات العسكرية السابق ويليام آركين، للخطر. ويكشف الكتاب الذي صدر باسم "أسماء شيفرة" النقاب عن ثلاثة آلاف شيفرة لخطط وبرامج ومهمات وعمليات عسكرية أميركية في عالم 11 سبتمبر/ أيلول الأمر الذي دفع خبراء إلى وصف الكتاب بأنه "ربما يكون أول تحد مركز للسياسات السرية الرسمية منذ العام 1979".

وطبقا لبرقية مؤرخة في 25 يناير/ كانون الثاني وجهها رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال ريتشارد مايرز إلى 14 وحدة عسكرية، معظمها لها علاقة بالعمليات الخاصة، طلب فيها إجراء تقييم أمني عملياتي لأي احتمال بحدوث أضرار للأمن القومي فيما يتعلق ببعض البرامج الخاصة وغيرها من الأخطار العملياتية في كتاب أركين. وستكون قيادة العمليات الخاصة الوكالة الرئيسية في استعراض الأخطار بالنسبة إلى بعض البرامج الخاصة التي تدعى "باور جيزر" و"فوت برنيت" إلى جانب برامج ونشاطات سرية أخرى. و"باور جيزر"، "فوت برنيت" مجموعتا كوماندوز خاصة لمكافحة الإرهاب.

وقال آركين عن كتابه "إنه يعتقد أنه إذا صنفت الحكومة الأميركية معلومات ما بأنها سرية أو ادعت ذلك فإن هذا لا يعني أن ذلك يجعل من تلك المعلومات سرية فعلا. وأضاف في حديث معه انه يريد أن يتحدى ما وصفه بالسرية التافهة لأنها هي المجال الذي يدخلنا في معظم المشكلات". وقال "إنني مضطر كمواطن وخبير أن أنشر أكبر قدر ممكن من المعلومات حتى يتمكن الشعب من أن يفهم بصورة أفضل نوع العالم الذي نقوم ببنائه بعد 11 سبتمبر".

وأعرب مسئول أمني واحد على الأقل في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" عن غضبه لأنه لم يفعل شيئا طيلة شهر لمحاولة معرفة مصدر الأخطار. وقال المسئول الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته إن أركين مرتبط مع مسئول كبير في البنتاغون، ولكن مكتب وزير الدفاع حمى المسئول. وأضاف "ولذلك دعوا الأسرار تنزف، وليبارك الله أميركا". غير أن آركين الذي كان تعرض لتحقيق معه في مكتب سلاح الجو للتحقيقات الخاصة في العام 2002 بعد أن كشف النقاب عن برنامج الشيفرة المسماة "بولو ستيب" المتعلق بالتخطيط للحرب على العراق، قال إنه لا يعتقد أنه ألحق ضررا بالأمن القومي الأميركي، واضاف "لقد كنت حريصا جدا على أن لا أكشف أي شيء يتعلق بالعمليات الجارية حاليا أو أي مصدر استخباري أو الأساليب.

ويكشف الكتاب حصول الولايات المتحدة على قواعد وتسهيلات عسكرية في 76 دولة في العالم، ولها قواعد عسكرية في فلسطين المحتلة بموجب اتفاق التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأعطيت أسماء وأرقام مشفرة. وينقل الكاتب عن الرئيس الجمهوري السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيسي هيلمز قوله في معرض وصفه للكيان الصهيوني بأنه "حاملة الطائرات الأميركية في الشرق الأوسط"، وهو ما يبرر المساعدة العسكرية والاقتصادية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار. ويقول آركين إن القواعد الأميركية في فلسطين المحتلة تسمى "مواقع" وهي خمسة مواقع رئيسية في إشارة إلى القواعد العسكرية الأميركية الثابتة هناك وهي: مطار اللد، قاعدتا نبطيم وعوفدا الجويتان في النقب، تل أبيب، هرتسليا.

فـ "الموقع 51" يضم ذخائر وعتادا ومخازنا ضخمة تحت الأرض. و"الموقع 53" هو مخزن للذخائر والآليات العسكرية. و"الموقع 54" هو مستشفى طوارئ يضم أكثر من 500 سرير. وبوسع الكيان الصهيوني أن يستخدم كل الذخائر والعتاد والمعدات الموجودة في تلك "المواقع" وفق بنود اتفاق التعاون الاستراتيجي والتي تزيد قيمتها عن نصف مليار دولار. كما ان هناك قواعد أخرى مثل الموقع 55 والموقع .56 وهناك مواقع أخرى غير محددة، كما أن هناك الكثير من الأسماء المشفرة للتعاون السري في المجالات المختلفة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تصل إلى 23 اسم شيفرة، مثل ضمانات التعاون، كليبس برافو، بيس فوكس، بيس جاكس. ويشير الكتاب إلى أنه تم أخيرا إقامة مركز تدريب متطور في صحراء النقب لتدريب قوات أميركية على حرب المدن ومكافحة حرب العصابات.

ويقول آركين إنه اكتشف أن شيفرة "بولو ستيب" عبارة عن قسم كان يستخدم في حكومة بوش كما كان استخدم في حكومة كلينتون أيضا من أجل التخطيط السري في الحرب الأولية ضد أسامة بن لادن. ويضيف أن القيادة المركزية الأميركية المسئولة عن المنطقة العربية وجوارها بقيادة الجنرال "السابق" تومي فرانكس استعادت هذه الشيفرة لتكون نوعا من الغطاء للتخطيط للحرب على العراق. وأنه في الوقت الذي كانت فيه حكومة بوش تنكر أنها تخطط للحرب على العراق كانت في الحقيقة تضع خطط الحرب واتجاهات العمل. وقال آركين إنه علم بشيفرة "بولو ستيب" في منتصف العام 2002 وتسربت له معلومات بشأنها وكتب عنها في صحيفة "لوس أنجيلوس تايمز" و"نيويورك تايمز" الأمر الذي أثار قلق حكومة بوش بشدة خشية أن تكون كل استعداداتها للحرب على العراق معرضة للخطر.

وقال آركين إن "المسألة الأكثر أهمية ليس ما هو ظاهر وهو أن حكومة بوش كانت تخطط للحرب على العراق، بل إنها كانت تستبعد بصورة منظمة حتى الناس في الدوائر الداخلية في البنتاغون من عملية التخطيط للحرب باستخدام السرية الخاصة بها". وأضاف "إن ذلك بدا لي أنه أسوأ وضع لاستخدام السرية لأنها تستخدم هنا بصورة أساسية لاستبعاد أشخاص حتى من الداخل من الاشتراك في أهم مناقشة مثيرة للجدل داخل هذه الحكومة، فقد استبعد فعلا كل شخص من هيئة ضباط القيادة المركزية نفسها والخبراء في البنتاغون العاملين في قيادات أخرى، وفي وزارة الخارجية. وأصبحت بولو ستيب أشبه بابتكار، وليس فقط استبعاد الكثيرين بل إن الدائرة الصغيرة جدا أصبحت صدى لنفسها، أي أن هؤلاء الأشخاص يستمعون لأنفسهم. وبدأوا يعدون الأمور الخاصة بهم ولا تنفذ إليهم أية وجهات نظر من خارجهم، وقلب هذه المجموعة هو مؤسسة الأمن القومي في أعلى مستوى، والرئيس ومجلس الأمن القومي ونائب الرئيس ووزير الدفاع ونوابه. وكان هناك أشخاص من وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" ومن وزارة الخارجية في المجموعة أيضا ولكنه لم تكن توجد مناقشة مفتوحة أو مباحثات مفتوحة والحرب لم تكن سببا ولكن كل من كانت له وجهة نظر مغايرة أو منظور مختلف يجري استبعاده بصورة منظمة.

وكشف آركين في كتابه الدور الذي لعبه الأردن سرا في الحرب على العراق، وقال آركين إن الأردن يمثل مشكلة السرية في العالم الحديث. وتتعاون الولايات المتحدة والأردن في مجال واسع من الشئون الاستخبارية والعسكرية، وبعض ذلك التعاون يستحق الثناء وبعضها مهم. وتذعن الولايات المتحدة مقابل ذلك التعاون لجعله سريا. وأثناء الاستعداد للحرب على العراق سمح الأردن للولايات المتحدة بنشر قوات عمليات خاصة وحتى طائرات، وقاعدتين جويتين في شرق الأردن، على الحدود مع غرب العراق. وشروط ذلك الانتشار كانت ضرورة أن يظل سريا. وقد استخدموا اسم شيفرة "الجناح الغربي" لإخفاء الحقيقة القائلة إن هذا وتلك قواعد في الأردن. وهكذا فقد كان يشار إليها فقط بالجناح الغربي، وكأن هناك مكانا يدعى الجناح الغربي. وقد سمح الوجود العسكري الأميركي المباشر في الأردن بإقامة منشآت تجسس قرب حدود الأردن مع العراق وسورية. كما استخدمت أجهزة الاستخبارات الأميركية الأراضي الأردنية لاستجواب الكثير من العراقيين قبل شن الحرب على العراق بغرض تجنيدهم.

وقد نشرت قوات من الحرس الوطني في فلوريدا ومن مشاة البحرية "المارينز" لحماية تلك القواعد في الأردن، وذهبت قوات من العمليات الخاصة الأميركية قبل غزو العراق في مارس 2003 إلى هناك بلغ عددها 1400 جندي، وذهبت إلى هناك أيضا، قوات من العمليات الخاصة البريطانية والاسترالية، وتم نصب بطاريات صواريخ باتريوت في وسط العاصمة عمان. وقد استخدم العسكريون الأميركيون بشكل مكثف الأردن لطائرات العمليات الخاصة من طراز إي -10 والـ 1400 جندي. وقال آركين إن "ذلك قد أرسل رسالة تقول إن الدول تفعل شيئا وتقول شيئا آخر". مشيرا إلى أن الملك الأردني عبدالله الثاني كان يقول إنه كان معارضا للحرب ومع ذلك فإنه يؤيدها سرا.

وتناول الكتاب العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة مؤكدا "حميمية" تلك العلاقات "إما لأنها تشتري معظم أسلحتها من الولايات المتحدة التي تدرب الجيش السعودي، وإما أنه منذ حرب عاصفة الصحراء 1991 نشرت الولايات المتحدة قوات باستمرار على الأراضي السعودية، وذلك يصنف بصورة رسمية بأنه سري". وقال إنه أثناء الحرب الأميركية الثانية على العراق أرسلت الولايات المتحدة قاذفات بي - 52 من جدة، ومازال ذلك يعتبر سريا" ويتساءل آركين "سري عمن؟ لا تستطيع أن تخطئ قاذفة بي - 52 وهي تقلع من قاعدة جوية والعراقيون عرفوا ذلك والكل عرفوا ولكن الشعب الأميركي فقط يفترض أن لا يعرف".

ويوضح آركين أن الولايات المتحدة تتخاصم مع السعودية مثل معظم الدول لحمل السلطات السعودية على أن تكون أكثر تعاونا في التعامل مع "القاعدة" في وسطهم والتعامل مع "الإرهاب" وتحرر مجتمعهم، وما إلى ذلك. وقال آركين في حديث معه "ولكن في الوقت نفسه فإن الثمن الذي ندفعه عندما لا يتحرك السعوديون وعندما لا يتعاونون مع الولايات المتحدة وعندما لا يفعل السعوديون ما هو ضروري، هل نبقي أفواهنا مغلقة لأنهم يدفعون لنا شيئا ما وهو أنهم يقدمون لنا حق دخول جيشنا إلى أراضيهم" وقال إن مجموعة التدريبات العسكرية في العمليات التعاونية لمكافحة الإرهاب تدعى عمليات عسكرية وكلها لها أسماء معقدة جدا وهذه الأسماء تخدم كغطاء، مشيرا إلى أن أسماء الشيفرة التي تستخدم بالنسبة إلى السعودية هي "إنسبايرد" "ملهم" أو "انتريبيد" "شجاعة"، فإذا صدرت نشرة عسكرية أميركية مذكور فيها أسماء "إنسبايرد فينتشر-4" "المغامرة الملهمة 4"، فذلك يعني عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب، أو بعض العمليات التعاونية المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية.

وأوضح أنه في الحرب على العراق نشرت الولايات المتحدة قوات عمليات خاصة في شمال السعودية ونشرت طائرات استطلاع وتجسس في تبوك، وقوات في السعودية. وقامت الولايات المتحدة بتوجيه الحرب الجوية على العراق من الرياض، ومع ذلك فإن السعودية من الناحية الرسمية منهمكة في الدفاع عن أراضيها وهي ليست متورطة في الحرب. وقال آركين إنه ينبغي الكتابة عن ذلك ليعرف الناس حيث لم تتوافر تغطية بشأن ذلك في الصحافة السعودية أو الأردنية.

وأكد آركين أنه لولا تصاعد المقاومة العراقية لكانت إفريقيا هي الجبهة التالية في حرب الولايات المتحدة على ما تسميه "الإرهاب"، إذ يقول إن جميع الدلائل قد أشارت إلى حشد عسكري أميركي وقدرات لـ "سي آي إيه" وخصوصا في القرن الإفريقي نشت في معظمها من جيبوتي كنقطة انطلاق وتغطي دولا مثل السودان والصومال وإلى حد ما ليبيا وإريتريا وأثيوبيا، غير أن تورط الجيش الأميركي في مستنقع أدى إلى تراجع البنتاغون عن خططها الواسعة الخاصة بالقرن الافريقي. وهناك نشاطات عسكرية أخرى في قلب افريقيا، إذ قامت القوات الأميركية بكثير من التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة ونشر القوات في موريتانيا وإلى درجة ما في جنوب المغرب. وكان هناك قدر من التعاون مع الفرنسيين في تشاد، وانتشارات في إفريقيا الوسطى أيضا.

ويؤكد آركين أن الفكرة القائلة إن الجيش الأميركي سيفتح جبهة جديدة في الحرب على "الإرهاب" قد تبخرت لأنهم بدأوا يضعون كل موارد ثروتهم في العراق. وإن قوة العمل المشتركة للقرن الإفريقي لها قر في جيبوتي ولها مجموعة من أسماء الشيفرة المهمة. وعلى رغم اعتراف آركين بعدم قدرته على تحليل الكثير منها، ولذلك لم يستطع أن يربط الأسماء بالدول، ومازال يحاول حلها. غير أنه وجد نموا متزايدا في الشيفرات المرتبطة بصورة خاصة بالجزائر والجزء الجنوبي من الجزائر وموريتانيا إذ يبدو أن هناك عملية مستمرة.

وقال الناطق باسم البنتاغون لاري دي ريتا معلقا على الكتاب، إن التذمر من مسئولي الأمن في البنتاغون بشأن الكتاب مضلل. مشيرا إلى أنه لا يدري إن كانوا هم الأشخاص نفسهم الذين أعطوه ترخيصا أمنيا في المقام الأول. في إشارة إلى أن آركين كان محللا استخباريا في الجيش الأميركي في السبعينات من القرن الماضي

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً