العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ

ميلاد "أم بدر" وصل خمسين وردة

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

يا فارس وثبتنا الكبرى فلتشهد عمر العشرين فلتحفر كل شوارعنا بسنابك خيل التحرير حسنا فعل "المنبر التقدمي" عندما أجل احتفالاته بالذكرى الخمسين لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية، كأول حزب سياسي يساري في البحرين والخليج وشبة الجزيرة العربية، باستثاء العراق وإيران طبعا، وهذا الحزب نشأ يوم ذاك بصورة سرية في أجواء القمع، ووافقت ذكراه 15 فبراير/ شباط الجاري "السادس من محرم" وتم تأجيل احتفالاتها إلى ما بعد الانتهاء من مراسم عاشوراء المقدسة، لتبدأ في 17 مارس/ آذار المقبل ولتكون احتفالا بمناسبتين عزيزتين على قلوب الوطنيين البحرينيين، والجمع بينهما بدل مناسبة واحدة لترابطما العضوي في احتفالية تأسيس الجبهة وعام انتفاضة مارس/ آذار المجيدة في . 1965

هاتان المناسبتان هما: مرور خمسين عاما من النضال على تأسيس جبهة التحرير، "النجم في ليل البحرين"، كما صورها الشملان في ذكراها العشرين في قصيدته "ميلاد للشعب الثائر"؛ ومرور أربعين عاما من انتفاضة مارس/ آذار الباسلة، أي بعد عشر سنوات من ميلاد "أم بدر" لشعبنا، وهي تسمية أخرى للشملان كتبت في المعتقلات الرهيبة، إذ رفض شعبنا الاستعمار والهيمنة البريطانية على مقدراته ويناضل من أجل حقوق ديمقراطية دستورية مشروعة للكادحين، وقدم الشهداء وضحايا الاضطهاد والتعذيب والمعتقلين والمنفيين على مذبح الكفاح الوطني لتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية، والوصول إلى أمنية "التبادل السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في دولة عصرية حديثة" لـ "وطن حر وشعب سعيد" كشعار تبنته الجبهة طيلة خمسين عاما من التضحية والكفاح.

يسجل إلى جبهة التحرير، أن عناصرها شاركت مع القوى السياسية والوطنية الأخرى في كل مراحل النضال، سواء في حركة الهيئة في الخمسينات أو انتفاضة مارس الخالدة والتحركات العمالية في النصف الثاني من الستينات ومطلع السبعينات، أو عندما خاضوا المعركة النيابية لانتخابات 1973 وحققوا نصرا كبيرا تحت راية "كتلة الشعب" المدعومة من قبلهم، ودفعوا ثمنا باهظا حين حل المجلس الوطني وفرض قانون أمن الدولة غير الشرعي الذي سلط على رقاب شعبنا بوحشية، وكان أول ما طبق على مناضليهم ومن بينهم أحمد الذوادي وعباس عواجي ويوسف العجاجي وعبدالهادي خلف وأحمد الشملان وآخرون كثيرون من القوى السياسية الأخرى فيما بعد، وخصوصا في هجمة 1976 واستشهاد المناضلين محمد غلوم والشاعر سعيد العويناتي، وفي الثمانينات عندما استشهد هاشم العلوي، وكذلك في التسعينات حين عاشوا شظف العيش وقهر التمييز، حتى تولي عاهل البلاد مقاليد الحكم وانتعش بهم الانفتاح السياسي، الذي لولاه لما احتفل المنبر بذكرى الخمسين لهذا الحزب العريق بشكل علني أمام سمع وبصر الحكومة.

في هذه الأيام، البعض يقول عنهم شيئا. إنهم متخاذلون وعاجزون عن التصدي لما تراه "وكالات الكلام" من شرور كثيرة في حياتنا السياسية. وتتهمهم هذه "الوكالات" أحيانا بأنهم "فقدوا القدرة على الغضب"، ربما بغرض استفزازهم واستنهاضهم كما كانوا في تاريخهم المجيد الذي سجلوه بتضحيات كبيرة، وهذه حسنة، أو ربما لتتهمهم هذه "الوكالات على مقاهي الشيشة" بالتبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للحكم، أو ضعف الكفاءة في إدارة الأوضاع الداخلية كمعارضة متمرسة في النضال، وهذه تهمة سيئة، لسبب بسيط، هو أنهم دفعوا للمشاركة في الانتخابات على رغم التراجعات الدستورية والحقوقية لقناعة قيادتهم "المنبرية"، فهذه القناعة قد تكون صائبة تحتمل الخطأ وقد تكون خطأ تحتمل الصواب.

ولأن الخطابات كانت في مجملها مرتبكة في الفترات الأخيرة وخصوصا عشية الانتخابات، فهذا يثني على الأوضاع القائمة وعلى "منجزات الإصلاح"، والآخر معاكس يلعنها أو يسعى لتقويمها، فقد ظلت القوى السياسية الفاعلة، كما المواطن في حيرة "بين التحريض الفج والنفاق الأشد فجاجة بغمز المتربصين"، ومن دون استغراب، هذه سمة عربية أصيلة على ما يبدو، أو ربما عالمية، لأنه في كل مكان تجد نقدا حادا ومدائح حارة أيضا في أوقات مختلفة، ومثلما يوجد شعراء الـ "مدح" يوجد بجانبهم شعراء الـ "هجاء"، أي أن هناك شعرا "ينشد بمدائح مبالغ فيها تعبد رموز الأوضاع السيئة"، وهناك هجاء عنيف يحط بـ "الأوضاع وبالمبجلين إلى الحضيض"، وهناك من يميز بين الخيط الأبيض من الأسود، وهناك مصابون بعمى الألوان؛ وهكذا بتنا في "دوارة" لا نعرف "نصدق من فيهم ونكذب من، أمام حال غريبة من الادعاء بالمعرفة والإفتاء في كل شيء؟".

لهذه الأسباب الكل يحتاج، ربما، وربما هنا يفيد الاحتمال، كما في حل المسائل الرياضية، إلى إعمال العقل لإجراء حوارات بناء الثقة بين المعارضة المشاركة منها والمقاطعة في شأن الملفات الثقيلة، "الدستوري والتمييز والبيئة والتجنيس والبطالة" إلى آخره، ويحتاج أيضا إلى أن يكون الصراع السياسي بينه "الكل المقصود" بمنأى عن الشخصنة في الخصومة، وبالابتعاد عن حديث مقاهي الشيشة، وكتابات "الخمارة" عن "المقاطعة أو المشاركة" التي تحمل لهجة تخوينية البعض للبعض في وقت هذا الكل فيه يركب قاربا واحدا يطفح على سطح البحر وأمواجه العاتية، والذكرى الخمسين لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية، بقدر ما هي تاريخ طويل من النضال والتضحيات المعمدة بدماء الشهداء، هي مناسبة للقوى الوطنية الفاعلة باختلاف تلاوينها، التي هي الأخرى تملك تاريخا نضاليا ساطعا معمدا بدماء الشهداء البررة ودموع الأمهات للبحث عن سبل لم الصفوف لتحقيق الأهداف المنشودة للجميع.

تنويه

الأبيات أعلاه من قصيدة كتبها المحامي والشاعر المناضل أحمد الشملان بعنوان "ميلاد للشعب الثائر" قبل ثلاثين عاما في معتقل القلعة عشية الذكرى العشرين لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية، ولحنها آنذاك النقابي المناضل عباس عواجي، وأصبحت فيما بعد أنشودة وطنية يتغنى بها المعتقلون السياسيون في زنازينهم وغناها الأحرار في الخارج، وتردد على مسامعنا أن هذه القصيدة وغيرها من تراث الجبهة ستسجل على من قبل المنبر الديمقراطي التقدمي تخليدا للذكرى الخمسين لتأسيس جبهة التحرير

العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً