العدد 899 - الأحد 20 فبراير 2005م الموافق 11 محرم 1426هـ

بوش وأوروبا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما النتائج التي يمكن أن يخرج بها الرئيس الأميركي جورج بوش من جولته الأوروبية التي بدأت أمس؟ حتى الآن كل التوقعات يمكن وضعها في خانة التكهنات إلا أن الأيام المقبلة ستوضح بعض أجزاء الصورة.

وصورة تلك الأجزاء مرتبطة إلى حد ما بالتصور الأميركي الجديد للعلاقات مع أوروبا. فالتصور الجديد كما تبدو ملامحه من خلال التصريحات والتحركات الأميركية يشير إلى وجود قراءة مختلفة للتحالفات السابقة بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد. فأوروبا في عهد بوش الثاني ليست هي نفسها في عهد بوش الأول. فالأمور اختلفت والأوراق اختلطت وبالتالي فإن التحالفات الأميركية - الأوروبية ستختلف عن تلك التي شهد العالم بعض ملامحها في الفترة الأولى.

في الفترة الأولى اتجهت واشنطن إلى تقسيم أوروبا إلى "قديمة" و"جديدة" فوضعت بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا في خانة "الجديدة" مقابل ألمانيا وفرنسا في "القديمة". وعلى أساس هذا التقسيم الثنائي صاغت إدارة البيت الأبيض سياستها الدولية مستندة إلى وجود محور أوروبي مؤيد لتوجهاتها المضادة لما تسميه "الحرب على الإرهاب"، وكان العراق على رأس قائمة المطلوبين في الاستراتيجية الأميركية.

مقابل هذا المحور الأوروبي "الجديد كما اطلقت عليه واشنطن" نهض محور مضاد تأسس على ثنائية ألمانية - فرنسية دعمت بقوة من روسيا والصين. وتركزت سياسة "المحور القديم" كما اسمته واشنطن على رفض الاستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى تقويض دولة العراق ونشر قواتها في بلاد الرافدين.

وفي ضوء هذا الانقسام الدولي "الأوروبي - الأميركي" ارتسمت معالم استراتيجية إدارة بوش الهجومية في فترة ولايته الأولى، وجرت الحرب على العراق من دون موافقة مجلس الأمن وضد الشرعية الدولية. وانتهى الأمر أخيرا باحتلال العراق وتقويض دولته ونشر الفوضى وزعزعة استقرار منطقة "الشرق الأوسط" ودول الجوار.

وبين نهاية الولاية الأولى وبدء الولاية الثانية جرت في نهر الانقسام الدولي جداول كثيرة منها خروج إسبانيا من محور "أوروبا الجديدة" وانتشار العنف والفوضى وظهور مقاومة عراقية للاحتلال ونمو تيار عراقي مؤيد للانتخابات تمهيدا لإعادة تأسيس دولة بمواصفات جديدة... إلى آخره من حوادث وعلاقات ابرزها رحيل ياسر عرفات وظهور ما يسمى بالملف النووي الإيراني وقرار 1559 المتعلق بالوضع اللبناني إضافة إلى مسألة دارفور في السودان وغيرها من ملفات ساخنة امتدت من كوريا الشمالية إلى أوكرانيا.

هذه التطورات كما يبدو خلطت الأوراق مجددا وأعادت إنتاج تقسيمات أوروبية لا تتفق مع تلك التصورات الأميركية التي ذكرت بمناسبة الحرب على العراق. فالتقسيم الثنائي السابق الذي مزق أوروبا إلى "جديدة" و"قديمة" فقد وظيفته الأميركية وبالتالي لم يعد صالحا للاستخدام في فترة بوش الثانية. فالمهمات الجديدة التي قفزت كاولويات أميركية في دائرة ما يسمى بـ " الشرق الأوسط" فرضت على واشنطن إعادة النظر بتلك الرؤية المتسرعة التي انتجت توصيفات "جديدة" و"قديمة" لدول الاتحاد. فالاولويات التي استجدت على البرنامج الأميركي خلطت خريطة التحالفات الأميركية - الأوروبية. وما كان صالحا في الفترة الأولى ليس بالضرورة يمكن استخدامه في الفترة الثانية من عهد بوش. فالدول "القديمة" كما يبدو أصبحت "جديدة"، و"الجديدة" كما يلاحظ من التحركات الأميركية تراجعت ويحتمل أن توضع بعد حين في خانة "القديمة".

الآن ترشح القراءة السريعة للاستراتيجية الأميركية في الفترة المقبلة أن تكون أوروبا القديمة "المحور الفرنسي - الألماني" هي "حصان" الولايات المتحدة في السنوات الأربع الجارية مقابل تراجع دور أوروبا الجديدة "بريطانيا - إيطاليا" بعد أن انتهت وظيفتها باحتلال العراق وانتاج دولة ضعيفة غير مستقرة إلى وقت غير معلوم.

أميركا الآن في صدد إعادة ترتيب أوراقها انطلاقا من العراق وهذا يحتاج إلى توسيع دائرة التحالفات الأوروبية بانضمام ألمانيا وفرنسا إليها من دون إلغاء دور المحور السابق. فالمحور السابق سيبقى دوره في إطار الخطط المرسومة له مقابل صعود نجم محور جديد يبدو أنه أكثر تفهما لوجهة النظر الأميركية من المحور القديم. فألمانيا وفرنسا أقرب إلى واشنطن في التعاطي مع الملفين الإيراني والسوري من بريطانيا وإيطاليا. بينما كانت لندن وروما في الفترة الأولى أقرب إلى واشنطن في شأن التعاطي مع الملف العراقي. وهذا ما يمكن ملاحظته من التصريحات والتحركات المتشتتة هنا وهناك.

حتى الآن الصورة النهائية لم تتضح ونتائج الجولة محكومة بالتكهنات وما يمكن أن تسفر عنه جولة بوش الأوروبية. فهناك أجزاء للصورة، والتصور الأخير يمكن التقاطه بعد عودة بوش إلى واشنطن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 899 - الأحد 20 فبراير 2005م الموافق 11 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً