العدد 900 - الإثنين 21 فبراير 2005م الموافق 12 محرم 1426هـ

الجاحظ وحماقات "الليبرالية العربية"!

"فلا رجعت ولا رجع الحمار"!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كتب أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ عن البخلاء، ولما فرغ من سرد وتدوين قصص بخلهم ولؤمهم تفرغ للمعلمين. وكانت بداية قصته مع هؤلاء أن أحدهم أعجبه فظنه راجح العقل، فرغب في الكتابة عن هذه الطبقة "المتنورة"، ولكنه غير اتجاه الكتابة عنهم إلى النقيض، لما رأى ذلك المعلم يبكي ويلطم وجهه ذات يوم ويصيح: "ليتني مت قبلك، ليت يومي كان قبل يومك"، فأخذ بمواساته ظنا منه أن الميت أحد أهله الأقربين، فاكتشف أن والديه متوفيان قبل سنوات، وانه وحيد أبويه، ولكنه يبكي حبيبته الأولى والأخيرة التي ليس له غيرها في هذه الدنيا! فقال له مسليا: هون عليك، لعلك تلقى غيرها، فالنساء كثيرات مثل البط البري، ومن تكون هذه الحبيبة؟

فأحس المعلم العبقري بالإهانة إذ ساوى الجاحظ حبيبته ببقية النساء ووصفها بالبط البري: كيف تقول عنها ذلك وأنا نفسي لم أرها ولا أعرف اسمها! فأجاب الجاحظ مستغربا: وكيف تحب من لم تره عيناك؟

فقال: سمعت منشدا يقول:

يا أم عمرو جزاك مكرمة

ردي علي فؤادي أينما كانا

ألست أحسن من يمشي على قدم

يا أجمل الناس كل الناس إنسانا

فأغرم بأم عمرو وعشقها حتى درجة الجنون، ولما سمع أخيرا أحد المطربين ينشد قائلا:

لقد ذهب الحمار بأم عمرو

فلا رجعت ولا رجع الحمار

أيقن العبقري ان محبوبته هلكت، فأخذ يندب حظه ويلطم وجهه. وبدل أن يكتب الجاحظ كتابا عن عبقرية المعلمين "الليبراليين"، كتب كتابا آخر عن حماقاتهم وصفاقتهم وخفة عقولهم، وافتتحه بقصة هذا العبقري المخبول! ومن بين حكايات الجاحظ عن هذه الطبقة "الليبرالية" المجيدة في بغداد القرن الثالث الهجري، ما ذكره عن الرجل الذي سأل خادمه: متى صلينا الجمعة في الرصافة؟ فأجابه بعد طول تأمل وتفكير: يوم الخميس الماضي!

وفي قصة أخرى يذكرها ان أحدهم سمع ان صوم يوم عرفة يوازي صوم سنة، فصامه حتى الظهر، وقال لأصحابه: "ستة أشهر تكفيني"!

لا تتوبوا أيها المؤمنون!

وعلى هذا المنوال ترى رجبا وتسمع عجبا! فالبذاءة وطول اللسان والتحامق من أبرز مؤهلات الانتماء إلى "مدرسة الليبرالية العربية" في أواخر أيامها مع بلوغها "سن اليأس"، وتوزيع الاتهامات هنا وهناك من صميم "التزامها المطلق بما أرسته الشريعة الاسلامية ومبادئ القومية العربية"، ووصف رجل زاهد في الدنيا مثل السيد السيستاني "أراد أن ينقذ بلده من مسلسل الدماء والدمار"، بانه "جنرال أميركي"، ما هو إلا "سبر" - الله أكبر - لأغوار العمل السياسي من أجل المصلحة العامة! ثم بعد تقديم كل هذه المعطيات الركيكة نصل إلى البرهان: "ان هذا الوصف بريء من المساس بشخص المرجعية السياسية الكريم السيد السيستاني"! بل و"نحن نضعه في مقام التوقير والاحترام"! وهل ترك الليبراليون "المتقاعدون" لأبناء الشوارع من شتائم أخرى؟ ثم ألم يكن السكوت أولى من هذه المرافعة الفاشلة؟

ألا تذكركم بـ "هبنقة" عندما رأى الناس في يوم عاصف وقد هرعوا إلى المساجد يسألون الله التوبة ويدعونه صرف العاصفة عنهم، فقال لهم: "هونوا عليكم، لا تتسرعوا بالتوبة... إنما هي عاصفة عابرة سرعان ما تزول"!

الكاتب العربي الكبير رمزي زكي كتب عن "الليبرالية المستبدة"، وعن "الليبرالية المتوحشة"، في سياق نقده الفكر الاقتصادي الرأسمالي التسلطي، ونقرأ اليوم في البحرين هذه الكتابات السطحية باسم "الليبرالية العربية" التي تسعى إلى التسلط وإقصاء الآخرين وتشويه سمعتهم باسم حرية التعبير، وأدنى درجات الجرم في تصرف هؤلاء انهم لوثوا اسم "الليبرالية" بفضل هذه الشطحات.

ليكن النقد عقلانيا موزونا، ولتكن مناقشة القضايا المصيرية بعقل وانفتاح، أما أصوات الزعيق والنعيق: "السيستاني صوت بريمر"، و"السيستاني جنرال أميركي"، فالمنطق والعقل والأدب كلها تستدعي الترفع عن الدفاع عنها بهذه الطريقة التي "تطز" العيون.

أحد المتسكعين في إحدى حواري المدينة كان يتفاخر بشرب الخمر، والإفطار في نهار شهر رمضان، وسب المارة وشتم آبائهم، وكلما اعترض عليه الناس كان يقول: "آنه ليبرالي". فإذا كانت هذه هي الليبرالية العربية... "فلا رجعت ولا رجع الحمار"

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 900 - الإثنين 21 فبراير 2005م الموافق 12 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً