العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ

المستشار السابع لجمهورية ألمانيا الاتحادية

قال المستشار الألماني غيرهارد شرودر ذات مرة: "لمست بنفسي ومن خلال تجاربي الشخصية ما معنى أن يكافح المرء من أجل الحصول على فرص أفضل. .. لذلك أعرف ما معنى العدالة وأهمية التعليم وأيضا معنى مستقبل مضمون لجميع الناس". هذا المستشار السابع لجمهورية ألمانيا الاتحادية احتك بالعمل السياسي منذ أن كان في سن الـ 19 وانضم للحزب الاشتراكي الديمقراطي بمحض إرادته وليس نتيجة تقليد عائلي أو لهدف الحصول على وظيفة عمل بالسياسة وإنما قال: "أردت أن أتوصل لمعرفة كيف يمكن تحسين حياة أسرتي وحياتي وأدركت أنه يمكن بلوغ هذا الهدف فقط إذا توافرت فرص أكثر وعدالة أكبر".

ولد شرودر في العام 1944 في مدينة موسينبيرغ في منطقة ليبي. وكتب عليه القدر أن يتحمل في سن مبكرة مسئولية إعانة أسرته. لم يعرف شرودر والده فريتز في حياته أبدا، إذ قتل والده خلال الحرب بعد وقت قصير على ولادته ودفن في رومانيا. اكتشفت عائلة شرودر مكان قبر فريتز عن طريق الصدفة في العام .2000 ينادي شرودر والدته بـ "اللبوة" لأنها كافحت في حياتها بكل ما ملكته من طاقات لتربية الأسرة بعد غياب معيلها الأول. لم يكن بالوسع أن يزور شرودر المدرسة العليا لكن والدته الشجاعة فعلت كل ما هو ممكن كي يذهب ابنها إلى المدرسة العليا وحينها وعد والدته أن يعوض عليها لاحقا جزيل كل ما فعلته من أجله ومن أجل أشقائه. حياته المبكرة أحد دوافع حب شرودر لسياسة العائلة التي يرى أنها بالغة الأهمية. بالنسبة إليه ليست مسألة إيديولوجية بل نتيجة تجارب عملية. ويجد أنه يتعين على المجتمع دعم الأم كي يقوم الأولاد بعمل كل ما يستطيعون عمله معتمدين على مواهبهم. عمل شرودر في عدة مهن قبل أن ينال الثانوية، ففي العام 1966 بدأ دراسة الحقوق في غوتنغن وانتهى منها في .1970 افتتح في 1976 مكتبا للمحاماة في مدينة هانوفر وبعد عام واحد انتخب رئيسا لشباب الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ساهم بقرار منه في 1980 بتنظيم حملة احتجاج مناهضة لصواريخ "بيرشينغ" الأميركية النووية في منطقة مونتلانجن وكان حينها من أبرز معارضي الطاقة الذرية وإعادة استخدام المهملات النووية. بعد عشرين سنة على ذلك اليوم قررت الحكومة الألمانية تحت قيادته التخلي عن الطاقة الذرية.

في 1980 حصل شرودر على مقعد في البرلمان الألماني وكان أول نائب في تاريخ ألمانيا الحديثة وقف على منبر البرلمان يلقي كلمة من دون ربطة عنق كي يوضح لغيره من أعضاء البرلمان مدى البعد الحاصل على العلاقة بينهم وبين الشباب الألماني. بعد أكتوبر/تشرين الأول 1982 حين انتهى عهد طويل للحكومة الاشتراكية الليبرالية تحت قيادة المستشار الاشتراكي هيلموت شميت وتشكيل حكومة بقيادة المستشار المحافظ هيلموت كول بالتحالف مع الحزب الليبرالي، قرر شرودر العمل بالسياسة لكن في منطقته الانتخابية بولاية سكسونيا السفلى. ترشح للانتخابات البرلمانية المحلية في هذه الولاية في 1986 لكنه خسر بفارق ضئيل، إلا أنه نجح في الانتخابات التالية في 1990 وشكل حكومة محلية بالتحالف مع حزب الخضر وحصل على منصب رئيس الوزراء في ولاية سكسونيا السفلى. وفي الانتخابات التي تمت في هذه الولاية في العام 1994 و1998 حصل شرودر على غالبية واضحة وكانت شعبيته انتشرت في سائر أنحاء ألمانيا في هذه الأثناء.

انهمك شرودر في تحديث الاقتصاد في سكسونيا وأعار أهمية خاصة لحماية البيئة ولإصلاح مؤسسات الولاية واعتمد على سياسة الوفاق. في هذه الفترة وضع بداية حوار طويل انطلق من سكسونيا لهدف وقف العمل بالطاقة الذرية. ونتيجة تجاربه الناجحة في سكسونيا راح يسعى إلى تحقيقها على عموم ألمانيا، وخصوصا إصلاح الإدارات وقوانين العمل والخدمات التي تقدمها الدولة إلى المواطنين. برع شرودر في منصب رئيس الوزراء في إنقاذ مئات الأشخاص من فقدان وظائف العمل وعشرات الشركات من الإغلاق نتيجة تدخله شخصيا في اللحظات الحاسمة. في 27 سبتمبر/ أيلول 1998 استعاد الحزب الاشتراكي الديمقراطي السلطة في بون بعد 16 سنة متتالية لحكم حكومة كول. وتم انتخاب شرودر بتأييد من نواب الحزب الاشتراكي وحزب الخضر في 27 أكتوبر 1998 مستشارا لحكومة ألمانيا الاتحادية. شرودر أول مستشار لم يشهد الحرب العالمية الثانية. وكتب عليه في بداية عمله كمستشار اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالسياسة الخارجية وكان أبرزها إرسال جنود ألمان إلى الحرب ضد يوغسلافيا السابقة دفاعا عن حقوق الإنسان وبعد أن وقعت جرائم ضد الإنسانية في إقليم كوسوفو. وتساهم ألمانيا منذ ذلك الوقت في حفظ السلام في منطقة البلقان. وقال شرودر لاحقا: "لم يسبق أن اتخذت قرارا في حياتي بمثل الصعوبة التي وافقت فيها على إرسال جنود ألمان إلى حرب كوسوفو". وأضاف "إن المساهمة العسكرية الألمانية في كوسوفو عبرت عن استعداد برلين لتحمل مسئولياتها الدولية بعد أن استعادت سيادتها الوطنية". في العام نفسه ترأست ألمانيا مجلس الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول الثماني وفي قمة مدينة كولون طرحت ألمانيا مبادرة تنص على إعفاء أشد دول العالم فقرا من ديونها الخارجية. كان أول عام له في الحكم أكبر اختبار أثبت فيه قدرة رائعة على القيادة. إضافة إلى السياسة الخارجية انصرف شرودر إلى مقارعة أزمة البطالة وأصبح في الغضون رئيسا للحزب الاشتراكي. أقر شرودر برنامجا للإصلاحات أثار حفيظة كثيرين من الألمان الذين خافوا أن يكون هذا على حسابهم. اكتشف المستشار لاحقا أنه لا بد من شرح أهمية الإصلاحات كي تخرج ألمانيا من حالة الجمود التي انتهت إليها. في 11 سبتمبر 2001 زادت أعباء السياسة الخارجية على شرودر بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك. وأعلن منذ اللحظة الأولى تضامن بلاده اللامحدود مع أميركا. وقامت ألمانيا على الأثر باتخاذ إجراءات أمنية مشددة وانضمت على الفور للحرب المناهضة للإرهاب وتعهد بأن تعمل حكومته في المشاركة بهذه الحرب وبإعادة تعمير أفغانستان بعد إزاحة الطالبان عن الحكم.

في سبتمبر 2002 دخل شرودر حملة انتخابية مريرة ضد منافسه البافاري إدموند شتويبر. وفي الصيف نشأت أزمة العراق كما اشتد التوتر الأمني في منطقة الشرق الأوسط. عارض شرودر الرئيس بوش بشأن حملة عسكرية ضد العراق ودعا إلى منح الأولوية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وحذر من مخاطر حرب ضد العراق. ساد توتر في العلاقات على الصعيد الشخصي بينه وبين بوش. اعتبر شرودر في ذلك الوقت أنه لم يتم حسم الحرب المناهضة للإرهاب بعد الأمر الذي يتطلب حشد الطاقات لهذا الهدف. في أغسطس/آب 2002 أعلن شرودر أن ألمانيا لن تشارك بحرب العراق. هذا القرار ساعده في كسب تأييد أكثر من نصف عدد الناخبين الألمان ومنحوه ثقتهم وساعدوه للفوز بولاية ثانية في منصبه

العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً