العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ

في مرثية نثرية لميغيل أنخيل موراتينوس: صديقي رفيق الحريري

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

عشية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الرئيس رفيق الحريري، وأثناء وجوده بمنطقة الشرق الأوسط وتحديدا سورية، فاجأ وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس قراء يومية "إل باييس" الإسبانية بشهادة عبارة عن مرثية في حق الرئيس رفيق الحريري أو "السيد لبنان" كما تلقبه صحافة الغرب، تطرق فيه إلى علاقة الصداقة التي تربطهما معا، والتي تعود بدايتها إلى بداية مؤتمر السلام في مدريد، والتي استمرت فصولها إلى ليلة الأحد الماضي أي ساعات قبل جريمة مقتل الحريري، إذ جمعت بينهما مكالمة هاتفية أراد من خلال موراتينوس الاستفادة من نصائح وآراء شهيد لبنان.

وفيما يأتي نص مرثية موراتينونس: تعرفت على رفيق الحريري، مع بدء مهمتي، كمبعوث الاتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط عندما كان هو رئيس مجلس الوزراء للبنان، شرع في تضميد الجروح العميقة لحرب أهلية طويلة وقاتلة ومدمرة. أتذكر أنه أمام التفاؤل الذي عبرت عنه في البداية، نصحني بأن أتحلى بالصبر قائلا: "تاريخ الشرق الأوسط لم يكتب في يوم واحد والبحث عن حل يتطلب رؤية ووقتا طويلا".

زرته عدة مرات في بيته وهو عبارة عن قصر صغير يقع في قلب حي للطبقة الوسطى البيروتية قريطم، إذ تقاسمنا الطعام والحوار والمناقشات، التقيته كذلك مرارا في مكتبه المزين بعدة لوحات انطباعية والمؤثث بذوق شرقي رفيع، وكان مكتبه وإقاماته، بمختلف المدن، تدل على مقدار ثروته.

كان رجلا مقلا في الكلام، بل يمكن القول إنه انطوائي بالنسبة إلى رجل سياسة، ذلك كان انطباعي عندما التقيته لأول مرة، لكن بعد مدة قصيرة، أوضح لي أصدقاء مشتركون، أن صمته وتعاليقه، التي لا يحسن التعبير عنها بلغة أجنبية، تخفي داخلها شخصية ذات رؤية سياسية وقدرة عالية.

هكذا بدأت أكتشف شيئا فشيئا شيم وكفاءة هذا اللبناني الذي ولد في صيدا سنة 1944 والذي انتقل في سن الخامسة والعشرين إلى السعودية، قبل أن يعود محملا بثروة كبيرة. بعد عودته لم يقم فقط باستثمار جزء مهم من ثروته لإعادة بناء لبنان الذي شوهته الحرب والكراهية ولكن كان يحمل أيضا في حقيبته اتفاق الطائف. وبمعنى آخر المخطط الذي سيفضي إلى التعايش والمصالحة بين مختلف الطوائف اللبنانية بعد الحرب الأهلية.

كان يرى أنه بعد اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يلبث السلام أن يصل إلى سورية ولبنان. لم يصل السلام وسقطت البلاد في دوامة المديونية، كانت سنوات صعبة اضطر خلالها لمواجهة رفض متزايد لسياسته من طرف اللبنانيين فقدم استقالته. لكن عناده ومثابرته مكناه من مواصلة العمل من أجل بلاده، ليتحول خلال كل هذه السنوات إلى شخصية مركزية ومؤثرة وصاحب موقع سياسي لا يناقش، وكفاعل رئيسي على الساحة السياسية اللبنانية، كان أيضا مطلعا على التطورات الكبيرة والصغيرة المؤثرة في المنطقة إجمالا.

استفدت دائما من نصائحه، عندما شاركت بصفة مباشرة في المفاوضات بين سورية و"إسرائيل"، وكان دائما يدافع بشدة عن ضرورة البحث عن حل شامل، في إطار عملية السلام للمسار السوري اللبناني. وعلى رغم ذلك، فإنه بعد انسحاب "إسرائيل" الأحادي من جنوب لبنان، اعتز كأي وطني باستعادة أراضيه المحتلة ليصبح بسرعة أحد المدافعين عن إمكان مواصلة هذا المسلسل بسلام. كان يفضل المفاوضات المتكتمة، وفي هذا الإطار كان يبعث لي الكثير من الرسائل والوثائق، جاعلا مني مشاركا في جهوده وتطلعاته.

من بين أهم إنجازاته، مؤتمر قمة الدول الفرانكفونية والقمة العربية اللذان تم عقدهما في بيروت، إذ استقبل عددا من رؤساء الدول والحكومات، في هذه العاصمة التي استعادت رونقها السابق وفنادقها الكبرى مثل "فينيسيا" و"السان جورج"، الأماكن نفسها التي كانت شاهدا صامتا، ويا للمفارقة على وفاته.

هناك الكثير من المستملحات التي أحتفظ بها خلال صداقتي مع رفيق الحريري، وفي هذا الإطار أتذكر أني خسرت رهانا معه، وكان ذلك في مارس/ آذار ،2003 خلال إحدى زياراتي إلى بيروت، إذ أخبرته بأنه سيتم تعيين رئيس للحكومة الفلسطينية، لأول مرة في وقت وجيز، فيما رأى هو أن المهلة التي ذكرت غير كافية. تأكد أنه كان على حق، وهكذا أجبرتني فراسته السياسية على دفع ثمن عشاء في أحد المطاعم البيروتية، إذ تعرفت على ابنته الصغرى، وصافحت الكثير من اللبنانيين الذين كانوا، باحترام وحب، يحييون وزيرهم الأول. كنت دائما أتمكن من إيجاد وقت سانح للقاء رفيق الحريري ولنحلل معا الوضع في لبنان والمنطقة على رغم أن التزاماتنا كانت تجعل هذه اللقاءات غير متيسرة في غالبية الأحيان. وهكذا وعندما أقرت اللجنة الرباعية خريطة الطريق، ناقشنا معا إمكان وضع خريطة طريق خاصة بلبنان.

كصديق كبير لإسبانيا وللاسبان، حظيت بشرف استقباله، ورفقة جلالة الملك خوان كارلوس ورئيس الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما حل ببلادنا لتسلم جائزة الأمم المتحدة للإسكان، اعترافا بجهوده ومساهمته في إعادة إعمار بيروت.

في الأشهر الأخيرة، عندما استقال من رئاسة الحكومة، كنت على اتصال دائم معه، وهكذا كان آخر اتصال بيننا يوم الأحد الماضي قبل أن أبدأ جولة في المنطقة، إذ اتفقنا على عقد لقاء في أقرب وقت وهو ما لم ولن يتم.

إنه يوم حزين بالنسبة إلى لبنان، يوم حزين بالنسبة إلى الشرق الأوسط وبالنسبة إلى كل من يتوق ويعمل من أجل السلام. إنه كذلك يوم حزين بالنسبة إلي لأني فقدت فيه صديقا كبيرا

العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً