العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ

بين التأثر بفكرة والارتباط التنظيمي

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

على رغم أن الشعارات والصور غير البحرينية قل رفعها كثيرا في المناسبات الدينية والمظاهرات الشعبية، مقارنة بالسنوات الماضية، فإن استمرار رفعها مازال يثير جدلا، بالنظر إلى انعكاساتها على الداخل البحريني، والعلاقات بين المواطنين أنفسهم، وبين المواطنين الشيعة والسلطات الرسمية، وكذا بين السلطات وحزب الله، والجارة إيران التي ترفع صور بعض قادتها.

كانت الصور والشعارات ولاتزال إحدى تجليات تأثر الخطاب السياسي والديني في البحرين بما يدور حوله من حوادث، وما يتبلور من أيديولوجيات.

بيد أنه يجدر التمييز هنا بين التـأثر بفكرة ما، والارتباط التنظيمي لتحقيق أهداف محددة. وعلى الغالب فإن ما هو موجود في البحرين تأثر ثقافي، أكثر منه ارتباط تنظيمي يعاقب عليه القانون، وهذا التأثر لا يمكن علاجه إلا بالحوار، الذي يفترض أن يبدأ اليوم قبل الغد.

كنت سأعتبر انتقاد الحكومة لوجود صور لقيادات غير بحرينية أمرا حسنا، لو أنه لم يزج باسم إيران، ولم يعتبر ذلك مخالفا للقانون، ولو بدأته بحوار مع القائمين على مواكب العزاء والنشاطات الأخرى، ذلك أن رفع صور وشعارات كهذه أمر غير مرغوب من دون شك، ويتجاهل حساسيات داخلية، رسمية وشعبية، واستمراره يعني استمرار هذه الحساسيات، وربما تفاقمها.

نذكر أن الشيوعيين تأثروا بالتجربة السوفياتية السابقة، إلى درجة أنه قيل: "إذا سقط المطر في موسكو لبس الشيوعيون القبعات في بغداد أو دمشق"، وربما يصدق ذلك على بعض المؤدلجين، لكن هذا لا يعني انتفاء وطنية المؤمنين بالشيوعية، وإن كان بعضهم مازال يعتبر الشيوعية أيديولوجية خالدة ومنقذة للبشرية وأن سقوطها في الاتحاد السوفياتي لا يعني خطأها.

وفي الخمسينات انتشرت صور جمال عبدالناصر، باعتبارها رمزا لرفض الاستعمار، وكان انتقاد عبدالناصر يحيلك في ذهن جمهور واسع عميلا وخائنا ورجعيا، كما يحيلك انتقاد صدام في ذهن البعثيين بأنك ضد القومية والعروبة... وكذا ترفض بعض القطاعات انتقاد تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وكأنها ليست تجربة بشرية تخطئ وتصيب. بيد أن ذلك لم يكن يوما يعني تخلي هؤلاء عن بحرينيتهم، وإلا لكانت هذه إشكالية عويصة: كل الناس غير وطنيين.

إذا، مسألة تأثر البحرينيين بما يدور حولهم أمر واقع، وربما هذه إحدى مميزات أي شعب غير منقطع عن عالمه. فيما تبدو السلطات حساسة، وأحيانا مستغلة لهكذا أمور لتحقيق أهداف معينة، بحق أحيانا، ومن دون حق في غالب الأحيان.

في الخمسينات، اتهمت السلطات هيئة الاتحاد الوطني، التي كانت تمثل تحالف المعارضة وتطالب بإجراء إصلاحات سياسية ومجلس تشريعي، اتهمتها بالولاء إلى مصر الناصرية... ويقال إن المظاهرات التي حركتها الهيئة إبان العدوان الثلاثي على مصر، كانت أحد أهم العوامل التي جعلت الإنجليز يقفون أكثر ضد المطالب المتوافق عليها شعبيا.

في الثمانينات، أحدثت ثورة إيران عدم استقرار في المنطقة، بسبب حساسية الأنظمة من شعارات تصدير الثورة التي تبنتها إيران الجديدة، وخصوصا في الدول ذات الأغلبيات الشيعية، مثل البحرين، التي خرجت فيها التظاهرات مؤيدة للثورة...

إن حساسية البحرين من إيران تبدو أكثر من غيرها، بسبب ادعاءات شاه إيران بتبعية الجزر البحرينية، منذ عشرينات القرن الماضي، وهو الأمر الذي انتهى فعلا مع تأكيد غالبية البحرينيين في نهاية الستينات تأييدهم قيام دولة مستقلة.

بيد أن الخلافات بين الجانبين لا تلبث أن تتجدد، لعل أبرزها اتهام الحكومة البحرينية لإيران في مطلع الثمانينات بالوقوف خلف "محاولة انقلابية" فاشلة قادتها الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، واتهاما آخر وجهته السلطات إلى إيران في التسعينات بتدريب ما سمي "حزب الله البحريني" الذي استهدف "زعزعة النظام"، فيما كانت البلد تمر بأجواء تصعيد بسبب مطالبات بتفعيل الدستور وإعادة الاعتبار إلى المجلس التشريعي المنحل في العام .1975

مازال بعض البحرينيبن يرفعون شعارات وصورا لقيادات غير بحرينية من منطلق عقائدي، أو من منطلق التأثر بفكرة، واستمرار ذلك يعني تجاهل الحساسية الداخلية، فيما يبدو مناسبا على القيادات الشيعية البدء في حوار بشأن ذلك، فيما بينهم أولا، وفيما بينهم وبين التيارات الشعبية الأخرى، وكذا بينهم وبين السلطات، عل ذلك يقود إلى تهدئة، وسحب البساط من تحت أرجل من يود التصعيد

العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً