العدد 931 - الخميس 24 مارس 2005م الموافق 13 صفر 1426هـ

كيف يرى العراقيون حزب الله اللبناني؟

حميدة القيسي comments [at] alwasatnews.com

لفتت انتباهي سلسلة مقالات ووقفات لأكثر من كاتب عراقي تتحدث عن حزب الله في لبنان ودوره المحتمل في العراق بعد احتلاله! وقد أشبع بعض هؤلاء الكتاب الحزب بالانتقادات اللاذعة، بل إن بعضهم وصل إلى حد توجيه الاتهامات لأمينه العام السيدحسن نصرالله، وجاوز آخرون هذا الحد ليشتموه ويقذفوه بسيل من الكلمات والأوصاف الرديئة، وأنه ناكر لجميل وفضل حوزة النجف عليه في ارتداء عمامته السوداء، وإن العراقيين ليسوا بحاجة لنصائحه وتجاربه! وإنه ليجدر بنا أن نتوقف عند تلك الحملة التي لاتزال مستمرة، لنتمعن في ظاهرها وباطنها، ليس لأننا ننتمي إلى طائفة الشيعة فتعز علينا عمامة نصرالله؛ وإنما لأن الرجل يتمتع بمكانة رفيعة بين المسلمين لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولأنه لا يجوز أن تطلق الاتهامات جزافا من دون وجه حق، ولأن حرية التعبير والرأي ذاتها تأبى التطاول والقذف على مخالفينا في الرأي مهما كانت تحفظاتنا على آرائهم.

ويتهم هؤلاء حزب الله بالقيام بنشاطات داخل العراق وإرسال عدد من رجالاته للقتال إلى جانب الجماعات المسلحة التي تنفذ عمليات التفجير وتعيث فسادا في البلاد، وهذه الجماعات - برأيهم - هي فلول البعث وأزلام النظام الساقط وشبكة القاعدة بقيادة الزرقاوي. وهذا الاتهام محل نظر، فقد أكد الأمين العام للحزب أكثر من مرة أن لا أنشطة لحزبه خارج لبنان وخارج نطاق هدفه الرئيس وهو تحرير الأراضي المحتلة من قبل الإسرائيليين، بالإضافة إلى أنه ليس من المتصور أن يتم التعاون للتخطيط للتفجيرات بين أنصار القاعدة وحزب الله، وشتان بينهما، فالقاعدة تأسست على أساس ديني متطرف يتناقض تماما مع فكر حزب الله المتعقل، ويبقى التناقض بين الخطين قائما حتى وإن اجتمعا على أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" هم ألذ الأعداء.

أما علاقته ببقايا النظام المتهالك، إذ يقول أحدهم إن نصرالله ارتضى دولارات صدام وأصبح عميلا له ومروجا لفكره، فمن الواضح للمراقب أن ذلك غير صحيح بالكلية، ولم يثبت أن حزب الله تعاون يوما ولو بشكل معنوي معه. غاية ما هنالك أن الحزب لم يعلن تأييده للحرب على العراق، وكان زعيمه يقول وبحق: "إن الولايات المتحدة تقف خلف كل الدكتاتوريين في العالم". وهل تعد معارضة الولايات المتحدة تأييدا لصدام؟ فأي منطق هذا!

ويشير آخرون إلى أن الدعم الذي يقدمه الحزب للعصابات المسلحة يتركز بشأن الدعم المعنوي عن طريق قناة "المنار"، ويصل كاتب إلى وصفها بـ "قناة الظلام والضلال". صحيح أن قناة "المنار" تبث أناشيد وطنية فلسطينية وأحيانا مشاهد لما يجري في العراق تدلل على تأييد الحزب لمقاومة الاحتلال تبعا لسياسته ومنهجه في حمل السلاح. لكن هذا لا يؤكد أن أيدي حزب الله امتدت لتقلب أمن العراق رأسا على عقب، كما إن المقاومة هي حق للشعب وله أن يستخدمه بكل الأساليب السلمية وحتى غير السلمية، والخطأ الفادح هو استهداف الأبرياء واختطاف البسطاء بدل إصابة جنود الاحتلال، وهي حق للشعب حتى مع اكتساب الاحتلال لصفته تلك بموجب الشرعية الدولية وحتى لو دخل بقرار دولي، لا بل إن إضفاء صفة الاحتلال على قوات التحالف بمقتضى قرارات مجلس الأمن لتؤكد حق الشعب في مقاومته، ولاسيما أن تلك القوات لا تبرح حماقاتها بسلك طريق الإرهاب لمواجهة مناوئيها المسلحين فضلا عن أنها لا تقوم بواجباتها كقوة احتلال بحسب نصوص اتفاقات جنيف والأعراف الإنسانية الدولية المتفق عليها والتي تعد أسمى من أي اتفاق أو دستور.

ونظرا لما يعتقده هؤلاء الكتاب وغيرهم فقد استغربوا التعازي التي صدرت عن السيدحسن نصرالله عند اغتيال قائد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية السيدمحمدباقر الحكيم في نهاية أغسطس/ آب العام 3002. وبدوري، فإنني استغرب استغراب هؤلاء، فلا ضير في الاختلاف في الرأي والمواقف السياسية، وذلك لا يطعن في مكانة المجلس الأعلى أو حزب الله. وفي المقابل نرى أنصار السيدمقتدى الصدر زعيم "الحوزة الناطقة" وقائد "جيش المهدي" يرفعون صور نصرالله مع صور الصدر، وقد يشير ذلك إلى وجود تعاطف، من دون التأكيد على أي نوع من الدعم، أما المؤكد فهو إن حزب الله وزعيمه أصبحا رمزا للثورة والنضال.

كما إنه من الواضح جدا لمن يتابع شئون الحزب وقناته، تأييده لخط المرجع الديني السيدعلي السيستاني، وهو النهج الحكيم والمسالم والصامت، فالسيستاني يتميز بأنه يتحدث قليلا ويفعل كثيرا. وأيد المرجع الديني الأعلى المشاركة في الانتخابات، فماذا لو كان الحزب عراقيا؟ هل سيشارك في الانتخابات لأنه لا يخرج عن طوع المرجعية العليا، أم إنه سيفجر مراكز الاقتراع مع القاعدة وأنصار البعث وفقا لما يراه بعض المحللين والكتاب؟ أي تناقض هذا!

إن تلك الحملة الشعواء ضد السيدنصرالله وحزبه لا تنفصل عن الحملة ضد المرجعية الدينية عموما. فبعض الكتاب العراقيين يسطرون كلمات نابية عن رجال الحوزة وخصوصا السيدالسيستاني، وبعضهم ما انفك يتمنى موته.

ويقلل كاتب عراقي من تحذيرات نصرالله للعراقيين من الطائفية والحرب الأهلية اعتقادا منه بأن الأمين العام مصاب بداء الطائفية إثر ما حدث في لبنان. والحقيقة إن نصرالله ليس هو الوحيد الذي حذر من الطائفية وإنما هو أمر تحدث عنه العراقيون أنفسهم قبل الآخرين. وإن أحدا لا يتحدث عن الطائفية إلا عندما يرتفع صوت الشيعة، بل ان بعض حكام العرب يشعر بالحساسية عندما يأخذ الشيعة مكانهم الطبيعي المفترض منذ زمن طويل، فهل من المنطقي أن يبقى الأكثرية مهمشة دائما؟ وقد أعاد حزب الله تلك المكانة للشيعة وللمسلمين.

ولا جرم في أن السيدنصرالله والسيستاني ونظراءهم من المراجع والشخصيات الدينية ليسوا معصومين عن الزلل والخطأ بيد أن ذلك لا يبرر التهجم على أشخاصهم وذواتهم، وذلك يتنافى مع حرية الرأي كما أسلفنا. وإنه لمن سخرية القدر أن يدرس الإسرائيليون شخصية السيدنصرالله لمعرفة كيف تمكن من فعل ما فعل بهم، فيما يصغر بعض أبناء جلدته من شأنه

العدد 931 - الخميس 24 مارس 2005م الموافق 13 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً