العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ

آن للبحرين أن ترسّخ فكر الوقف الأكاديمي

تأسيساً على وقف المرحوم الحاج حسن خنجي لجامعة البحرين

وهيب عيسى الناصر comments [at] alwasatnews.com

قرر مجلس جامعة البحرين في جلسته المنعقدة يوم الأربعاء 16 يونيو/ حزيران 2010 إطلاق اسم المرحوم حسن خنجي على أحد مبانيها المهمة، وهو مبنى S50، الذي يضم قاعات محاضرات عامة لكليتي العلوم وتقنية المعلومات، ويعقد فيه العديد من المؤتمرات وورش العمل والدورات المحلية والعالمية، وذلك تقديراً من الجامعة نظير تكرّم المرحوم الحاج حسن خنجي بتخصيص وقف خيري للجامعة، وهو عبارة عن مبنى يقع في إحدى المناطق الحيوية في العاصمة، وتبلغ قيمته التقديرية ما يزيد على نصف مليون دينار.

جاءت هذه المبادرة الكريمة من المرحوم حسن خنجي في وقت وضعت فيه الجامعة مبادرة مهمة ضمن استراتيجيتها للأعوام 2009 - 2014، وهي تنمية الوقف الأكاديمي وزيادة رأس مال الجامعة عن طريق دعم خريجيها، حيث إن هناك 24 مبادرة ضمن هذه الاستراتيجية. وقد تم وضع هذه المبادرة بسبب ملاحظة الجامعة أن 1 في المئة فقط من خريجي الجامعة يساهمون في نشاطاتها ويدعمونها مادياً، بينما من الطبيعي أن يكون الحد الأدنى من تبرعات الخريجين هو 1.5 مليون دينار قياساً لما هو جارٍ في دول كثيرة، قريبة من البحرين وبعيدة عنها.

إن الدخل المادي من أرباح الوقف وجمع التبرعات من الخريجين سينصب في - في المقام الأول - في خدمة الطالب. فالطالب في جامعة البحرين يدفع رسوماً رمزية (بواقع 8 دنانير للساعة المعتمدة للبحريني، و16 ديناراً لغير البحريني في برامج البكالوريوس) علماً بأن الجامعة تعفي نحو 20 في المئة من طلبتها من الرسوم الدراسية تفهماً لظروفهم المالية وإيماناً منها بأن هؤلاء الخريجين هم ثروة البلد، وأنهم - في نهاية المطاف - قد يرفدون الجامعة والبحرين بعوائد مالية كثيرة، لذلك نجد أن الخريجين في الدول الغربية يقومون ببذل كل جهدهم في إطلاق الحملات لرفع رأس مال جامعتهم ليتسنى لها دعم طلاب آخرين، وتوسعة مباني ومختبرات وبرامج الجامعة.


ما هو الوقف الجامعي؟

الوقف الجامعي (الأكاديمي) هو تبرع لصالح الجامعة من قبل الخريجين، أو الوجهاء، أو أصحاب الأعمال الخيرية، أو كبار التجار، أو حتى العوائل والأسر والأفراد، على أن يتم استثمار هذا المبلغ من قبل الجامعة بحيث تصبّ أرباح هذا الاستثمار في دعم البنى التحتية للجامعة، أو برامجها، أو مختبراتها، أو دعم طلابها.


الوقف الجامعي وأثره في تعزيز دور الجامعات

إن محاولة أي جامعة الارتقاء والنهوض بنفسها لمحاكاة الجامعات العالمية العريقة تتطلب الكثير من الجهد لتحقيق جودة إنتاجية في البرامج التعليمية، بالإضافة إلى اعتماد سياسات تطويرية لدعم البحث العلمي. ولتحقيق ذلك فلا بد لهذه الجامعات أن ترصد موازنات ضخمة؛ فالأمر مكلف مادياً.

إن العديد من الجامعات في المنطقة تعتمد اعتماداً كلياً على الموازنة الحكومية كمصدر لتمويل نفقاتها، متأثرة أيضاً هذه الموازنات بتقلبات الأوضاع العامة كأسعار النفط والأزمات الاقتصادية؛ ما يشكل عبئاً على الدولة، وعدم استطاعة تغطية بعض الاحتياجات الأساسية التشغيلية المتزايدة عاماً بعد عام للجامعة، فلا يتبقى من الموازنة المعتمدة ما يكفي للعمل على دفع عجلة التطوير، والتميز، والجودة في المخرجات التعليمية.

لقد عملت العديد من الجامعات الأجنبية - وبعض الجامعات العربية - على اعتماد سياسات اقتصادية فعالة لزيادة دخل جامعاتها لتحقيق التميز، خاصة في جودة التعليم العالي، والبحث العلمي. لذلك سعت إلى إطلاق برنامج الوقف الجامعي، وتشكيل مجالس إدارة لها تضم في عضويتها الداعمين من محبي الوطن والعلم والخير، ويرأسها أحد أصحاب الأيادي البيضاء الكريمة، ومن المشهود لهم في المقدرة على إطلاق حملات المساعدات المالية.


فيمَ تستخدم أموال الوقف والتبرعات في الجامعات؟

يضع مجلس إدارة الأوقاف والتبرعات الأكاديمية مشاريع لتلك الوقفية، وكذلك التبرعات سواء من المؤسسات والأفراد الذين يساهمون بأصول نقدية وعقارية، حيث تدار تلك الأوقاف من قبل شركات استثمار متخصصة، ويتم استخدام عوائد الاستثمارات الوقفية في تمويل البحث العلمي، والبنية التحتية، والموازنة التشغيلية للجامعة، وإنشاء مراكز تقنية، ومختبرات علمية حديثة بالإضافة إلى خدمة المجتمع والعمل الخيري، ومساعدة الطلبة في توفير مواصلات مريحة لهم وزيارات بحثية وتدريبية وعيادات وتسهيلات أخرى، مع الإبقاء على الأصول.


الوقف الجامعي في الجامعات العالمية والخليجية

تصل عائدات استثمار المشاريع الوقفية في الجامعات المرموقة إلى نحو ثلث موازنتها. فقد بلغ إجمالي الوديعة الوقفية لجامعة هارفارد الخاصة الأميركية - مثلاً - 25 مليار دولار، بينما تقدر هذه الوديعة الوقفية في جامعة ييل بـ15 مليار دولار، وستانفورد بـ12 مليار دولار!

بدأت جامعات دول مجلس التعاون تحذو الحذو نفسه لتلك الجامعات العريقة. فعلى سبيل المثال، أطلقت جامعة الملك سعود برامج كراسي البحث للأوقاف، واستطاعت أن تؤسس 100 كرسيّ بحثيّ من المجتمع (أفراد ومؤسسات)، خلال نحو 30 شهراً بمبالغ تجاوزت 500 مليون ريال، حيث تعكف الجامعة الآن على إنشاء ثلاثة أبراج مـن أموال أوقاف الجامعة يحتوي أحدها فندقاً يضم 146 غرفة في مستوى الخمس نجوم، والبرجان الآخران عبارة عن برجين وقفيين فخمين يكون ريع هذه الأبراج لكراسي البحث من أجل استمرارية هذه الكراسي واستدامتها.

إن هذه الأوقاف الجامعية تعزز موارد الجامعة المالية، وتساهم في أنشطة الجامعة التي تعمل على رفع التقييم العالمي لها، وتعمل على دعم وتطوير أنشطة البحث والتطوير والتعليم، وتفعيل ودعم العلاقة بين الجامعة والمجتمع تحقيقاً لرسالة الجامعة.


دعم الجامعة هو من الأعمال الخيرية

إن خريجي جامعة البحرين مطالبون - أكثر من غيرهم - بالتبرع ودعم الجامعة؛ فهي التي ساهمت في تحصيلهم العلمي والمعرفي، فهذا التبرع يمثل نوعاً من العرفان منهم بدور الجامعة، ووعيهم بأهمية العلم على رقي المجتمع وتعزيز روح العطاء والمشاركة المجتمعية. لذلك نجد خريجي الجامعات الأميركية والأوروبية يخصصون مبلغ من دخلهم الخاص (حتى وإن كان بسيطاً ضئيلاً) كوقف لدعم خطط الجامعة التطويرية؛ فهو عمل خيري لدرجة أن مفتي مصر د.محمد جمعة خصص مبلغاً من أموال الزكاة لدعم بحث يقوم به عالم أميركي من أصل مصري، حائز أعلى جوائز أميركا تم منحها له من الرئيس الأميركي باراك أوباما في حفل خاص في البيت الأبيض. هذا البحث يستخدم تقنية النانو في علاج السرطانات، وبهذا يتم درء البلاء والألم عن بني البشر، وهي رسالة الإسلام الأولى.

كنا نتمنى أن يتم جمع التبرعات في المساجد والمآتم ودور العبادة لأجل دعم العلم الذي يحقق الخير للإنسان ويساهم في تقدم البشر؛ فالقرآن الكريم حث على العلم من أولى آياته.

إن ترويج ثقافة العمل الخيري في مجال التعليم والبحث العلمي ليس سهلاً إذ يتطلب تثقيف مجتمع بأكمله وتغيير مفاهيمه، فلا بد من العمل على زرع الثقة في نفوس أفراد المجتمع وتوفير الضمانات الواضحة في كيفية صرف الهبات والتبرعات والأوقاف. لذلك يأتي دور العلماء والخطباء وأئمة المساجد والواعظين في التوعية بقنوات مختلفة للوقف الخيري عما تعود عليه المجتمع، وربما وصل في بعض الأحيان إلى درجة التشبع منه، وهو ما يمكن أن يصب في صالح العلم ودعم طلبة العلم، ودعم ما ينفع الناس من الأبحاث التي تسهم في تطوير واقعهم.


شكراً لمبادرة علماء الدين في نشر ثقافة الوقف للتعليم العالي والبحث الجامعي

من هذا المنطلق، فإنني أجدني شاكراً ومقدراً للشيخ صلاح الجودر، خطيب الجمعة بمسجد قلالي، على ما أدلى به في الصحف المحلية من إشادة بمبادرة المرحوم الحاج حسن خنجي بالتبرع بعقار تبلغ قيمته نصف مليون دينار لدعم العلم وطلبته والمؤسسات العلمية باعتباره من الأمور المحببة في الإسلام، مشدداً على أهمية مثل هذه الخطوات لدعم قطاع التعليم وتطويره، حيث أكد أن باب الوقف الخيري واسع لا يقتصر على القنوات التقليدية بل يذهب ليشمل إقامة المستشفيات والمعاهد العلمية ومختلف المشاريع الخيرة والمفيدة للمجتمع ووجوه البر الأخرى، ومن بينها الوقف الأكاديمي ودعم الجامعات.

إقرأ أيضا لـ "وهيب عيسى الناصر"

العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:14 م

      ادارة عسكرية

      مشكلة جامعة البحرين انها تدار بواسطة الضباط والمسؤولين العسكريين، بينما الاولى ان تدار بواسطة الاكاديميين والباحثين. فكرة جيدة دكتور وهيب ولكن ادارة الجامعة تحتاج لأن تكتسب ثقة المجتمع وثقة الخريجين لتكسب التبرعات والاوقاف. هناك افكار اخرى تفيد مثل انشاء صندوق استثماري يرجع عائده للجامعة ويدار من الجامعة نفسها، فالجامعة لا تنقصها الخبرات الاستثمارية الموجودة في كلية ادارة الاعمال. كل ماتحتاجه الجامعة هو ادارة كفؤة لا ادارة عسكرية.

    • زائر 1 | 5:49 ص

      مكي

      كل الأوقاف التي تحبس لصالح الجامعة أو البحث العلمي حولوها لإدارة الأوقاف الجعفرية ، تراهم فلتة زمانهم في إستثمار أراضي و عقارات و هبات الوقف و منع التلاعب فيها !

      خذ جولة على شارع النخيل شوف حالة المساجد هناك، مر على مدرسة القرآن في القفول و شوف حالتها ، ادخل على حساباتهم (إن إستطعتم أن تنفذوا إليها) و شوف مقدار الأوقاف و قارن مع مقدار الصرف على بيوت الله ، و ستعرف المغزى .

اقرأ ايضاً