العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ

خَنْقُ إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سألني أحدُهم: هل تُؤثّر العقوبات «الأمميّة» و«الأوروبية» و«الأسترالية» و«الأميركية الكندية» على إيران؟

قلت: نعم تُؤثّر. لكن السِّجال يبقى حول مدى ذلك التأثير، والرّضوض المادية التي قد تلحَق بالدولة المُعَاقَبَة. عاش الكوبيون أزيد من أربعين عاماً تحت الحصار الأميركي الخانق. وعاش الكوريون الشماليون كذلك، لكنهم بقوا. هذه تجارب حيّة يُمكن الالتفات إليها ولغيرها أيضاً.

طبقاً لتقديرات مراكز الأبحاث، فإن العالَم شَهِدَ 115 حالة من العقوبات المفروضة على أنظمة سياسية يُرَادُ منها أن تتغيّر على مستوى السلوك السياسي. ما نَجَحَ منها هو 41 حالة فقط، أي ما نسبته 36 في المئة؛ لأن ما يجب أن يُدرَك في هذا المجال هو فهم المعنى الحقيقي للعقوبات. وهل هي آلية مُجرّدة أو مُحيّدة عن تأثيرات جانبية أو أصليّة أم لا. وهو إشكال يكتنف لُبّ العقدة التي تصاحب ذلك المفهوم.

حين يكون بلدٌ ما معزولاً، لا يملك علاقات إقليمية ولا علاقات دولية جيدة، ولا يملك طاقة تقليدية (كالنفط والغاز أو المعادن) هي محلّ طلب دولي، وليس لديه اقتصاد حُر، ولا حركة تعليم متقدّمة، ولا نظام قادر على التكيّف والتواؤم مع الأحداث الداخلية والخارجية فإن العقوبات حتماً ستكون ناباً ينهشه دون رحمة. بل إنها قد تُعجّل في الإجهاز عليه عندما تحِين فرصة «الضرب على الصّدغ».

أما الدول التي تمتلك كلّ ذلك (علاقات خارجية، طاقة، اقتصاد، تعليم، نظام سياسي ناجز) فإن العقوبات قد تكون «مخصيّة» في تأثيرها عليه. أو أنها قد لا تؤتي أُكُلاً جيداً إلاّ كمن ينحت في صخر على مهل. فالأصل هو أن الدول تتجاور في الجغرافيا وفي السياسة، فتُنسَج بينها علاقات ومصالح لا يهِدّها إلاّ ما هو أفيَدُ منها. تتخلّى هذه الدولة عن علاقاتها مع تلك الدولة بطلب ثالث إذا حصلت من الأخير على البديل المُفَاضَل بينه وبين الأول.

وإذا ما أرادت الولايات المتحدة وأراد الاتحاد الأوربي ومعهم الكنديون والأستراليون أن يمنَعوا 150 بلداً في العالَم من تصدير 5800 نوع من البضائع إلى إيران (كما هو حاصل الآن فعلاً)، فعليهم أن يبحثوا لأولئك المُصدّرين عن مُشْتَرين جُدد وبأسعار أفضل. وإذا ما أرادوا أن يمنعوا إيران من تصدير بضائعها ومن بينها النفط وخدماتها الفنية لـ 140 بلداً (كما هو حاصل الآن أيضاً) فعليهم أن يُوفّروا لهم البديل. أما أن يتم المنع دون توفير البديل فذلك ما لا تقبله المصالح ولا يقبله منطق الدول.

قبل أيام قال رئيس لجنة المراقبة وإصلاح الحكومة في مجلس النواب الأميركي أدولفوس تاونز أنه و»خلال العشرة أعوام الماضية، صرفت الحكومة الأميركية من خلال عقود وتعاملات، 100 مليار دولار لشركات تتعامل مع إيران». هذا نموذج مما قلته سلفاً. العقوبات تأثيرها حقيقي لكنه نسبي، وقد تورّطت حاملة الحَرْبَة الرئيسية وهي الولايات المتحدة في تلك النسبية كما في إقرار تاونز.

في السّوق السوداء تشتري الدول ما تشاء. حتى البشر يُشتَرَون من سماسرتها ويُتاجر بهم وبأعضائهم. دول كثيرة أنجزت مشاريعها الاستراتيجية من خلال تلك السوق. اليابانيون أتمّوا جزءاً كبيراً من امبراطوريتهم الصناعية من تلك السوق. والباكستانيون أصبحوا في النادي النووي من بوابتها. متاعبها فقط في ما يُبَذَل لها من أموال. فالدولار الواحد في التسعيرة الطبيعية يُصبح مضاعفاً هناك خمس مرات.

على أيّة حال، ينتظر الأميركيون والأوربيون ساعة اختناق إيران بفعل العقوبات، كخيار ذي خسائر أقل مما هو في أي هجوم عسكري. وإن راهنوا على ذلك، فإن تاونز قد يخرج بعد أعوام ليقول ذات الكلام.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:08 ص

      الى الأحلام الورديه

      ما فيه شي مجاني في الدنيا يا عزيزي و ثمن الأستقلال غالي و يحتاج الى تضحيات عظيمه جدا و ايران قدمت تضحيات كبيره ولا زالت لو انت تفكر الأستقلال و التقدم يأتي بالراحه و الرفاهيه

    • زائر 12 | 7:10 ص

      الى الكاتب العزيز مع التحية...أبو عيسى

      إلا أنـــهــم قــد مـــروا عـــلــى عــمـــودك لــهـــذا الــيــــوم فـــســـائـــهــم مــــا كـتــبـــت فـــمـــا استــطــــاعوا الــتــنتــفتــيـــس عـــن غـــيــظــهـــم وحـــنـــقـــهــم إلا مـــن خــلال الـــدخــــول والــتـــعـــلــيــق بــتـــعــلـــيــقــات مــضـــحـــكة ومـــهـــزوزة
      مــكــتوبٌ فــي ذيـــلــهـــا كــلــمـــة زائــر

    • زائر 11 | 7:06 ص

      الى الكاتب المحترم مع التحية...أبو عيسى

      فـي الـنـهــايــة عــزيــزي الــكــاتــب أود أن أســجــل مــفــارقــة تــدعــوا لـلــضـحـــك وهــي أن الــبــعـــض قــد دأب عـلــى الــهــرولـــة للــتعـــلـيــق عـــلى مــقـــالاتـــك الــســابــقـــة الــــمــتـــعــلـــقــة بــإيـــران والـــتــي قـــد وجـــدوا فـــيــهــــا مـــا يــتــنــاســب مــــع أهــــوائــهـــم وأمــــزجــتــــهـــم الــــمـــريــضــة وبـــأســـمـــائـــهــم الـــمـــســتعــــارة والـــمــعروفة لــدى الـــقـــراء طــبـــعــاً
      يتبع

    • زائر 10 | 6:53 ص

      5 ايران بين واقع مرير وحلم وردي

      سوف اتهم في بعض الردود التي ستأتي نتيجة تغليب العاطفة الدينية والتي غلبتها لون العمه وغررت بها امجادها لتحقيق مأربها الذاتيه بأنني عميل ( سني,مجنس,مرتزق, شيرازي... الخ من التهم والأقاويل التي ستخفف من حنقكم وحقدكم على ماكتبته من حقائق ترونها بعيونكم ولكنك تتجاهلوها وبهذه الأتهامات سوف يهدأ بالكم أحب ان اطمنكم بأني شيعي إثنا عشري ولكن لدي العقل ولدي شجاعة النقد البناء لأيران ولغير ايران وأنا حر غير مدفوع الأجر كما تدعون لكل من ينقد ايران
      دمتم بخير

    • زائر 9 | 6:49 ص

      4يران بين واقع مرير وحلم وردي

      ونظامها السياسي المستبد الذي ينتهج اسلوب الرأي الواحد واقصاء جميع من يخالفهم في الرأي بما فيهم أنصار ثورة الأمام الخميني فبعد النتخابات الأخيره قد عزل علي خامنئي أحد الفقهاء اصحاب الباع الكبير في ثورة ايران من منطقه زهدان وكان احد اركان ومؤسسي الثورة آنذاك قد تم عزله وذلك لأنه قد وجه انتقاد لسياسات أحمدي نجاد وعلي خامنئي في خطبة الجمعه فأي ديمقراطيه هذه وأي نظام أسلامي تتشدقون بوجوده في ايران
      أنا على علم ويقين أن سوف تصل الكثير من الردود بعد ردي من الناقمين والأمعات الذين سمحوا لأنفسهم بأن

    • زائر 8 | 6:45 ص

      الى الكاتب المحترم مع التحية....أبو عيى

      تحـلـيـلك مـوضـوعـي ولـكـنـك قـد تـتـهــم بـأنـك مـن أيـــتــام طـهـــران كــمـا يـــحـلـوا لــلـبعـض أن يــصـف مــن يــخــتـلفــــون مــعـهـم حيث أنـك كمـا نـحـن ، نــدرك صـرامـة هــذه الـعــقــوبــات إلا أنــنــا نــرى مــن خــلال المــعطــيات أن مــا تـمتـلــكه إيــران مــن عــلاقــات تـجــاريــة وتــقــدم تــكــنــو لــجــي مــا هــو أقـــوى مــن هـــذه العــقــوبــات مــا يــجــعــل مــن إيــران بـلــدٌ عــصـــيٌ عــلى الإنـــكــســار. يــتــــبــــع

    • زائر 7 | 6:44 ص

      3 ايران بين واقع مرير وحلم وردي

      فقد توصلت ايران للعديد من الأنجازات التي لم تصلها الكثير من الدول وهذه احد فوائد العزله الدوليه التي فرضتها ايران على نفسها كذلك بالنظر الى واقع السياسة الأيرانية فهي لاتختلف عن الكثير من دول القمع والجور الذي يمارس على شعبها فلو فرضنا بأن كلامكم هذا صحيح عن ايران لوجدنا شوارع ايران وأزقة ايران ومواطنيها الفرس قد لبسوا حلل الذهب وعاشوا في المدينة الفاضلة في زيارة قريبة لي ورؤية بعين صادقة وبعد السؤال والأحتكاك بالمواطنين الأيرانين تبين أن غالبية الشعب معارض لمبادئ حكومته وينقم على نظامها

    • زائر 6 | 6:40 ص

      2 ايران بين واقع مرير وحلم وردي

      بأن العقوبات على ايران لها وقع شديد مما أنعكس سلباً حتى على حياة المواطن العادي والذي بات ممنوعاً من استيراد بعض قطع الغيار لأجهزتهم باهظة الثمن مثل الآلات الموجوده في مصانع البلاستك والأسمنت الى نتى الضحك على الذقون والأدعاء بأن ايران دولة لاتحتاج الى العالم الخارجي والدول والدليل على ذلك قد اشار التقرير أن ايران قبلت ببعض الشروط التي فرضت عليه من مجلس الأمن وذلك لتخفيف ألم تلك العقوبات التي بات الداخل الأيراني يأن من ألمها والخارج الأيراني يتفاخر بها ذلك لايعني أننا ننسف ماتوصلت اليه تلك

    • زائر 5 | 6:30 ص

      ايران بين واقع مرير وأحلام ورديه

      للأسف مانراه اليوم من بعض كتابنا واساتذتنا في ايضاح صورة الواقع الحالي التي تعيشه بعض المجتمعات مظلل للفكر وينطوي تحت مظلة الولاء الديني منقطع النظير للنظام الأيراني مع وجود اخفاقات داخليه وخارجيه على مستوى الدولة وذلك بشهادة الأيرانين انفسهم
      أحب ان انوركم ياكاتبنا العزيز من اسبوع قدمت أحدى القنوات الأيرانية والتي تبث من طهران تناقش الآثار الوخيمه للعقوبات الأقتصاديه على ايران نتيجة استمرارها في التخصيب وقد توصلت التقارير الصحيحة والتي لم تعتمد لحسن الحظ على لون السواد والبياض

    • زائر 4 | 5:04 ص

      عقوبات شديدة

      العقوبات هذه المرة تبدو انها شديدة وقاسية لكنها بالتاكيد لن تقضي على ايران

    • زائر 3 | 1:21 ص

      بصراحة قاعد تحرج كتاب الصحف الصفراء

      أستاذ محمد كاتب ومحلل سياسي متميز يخطو خطوات سريعة نحو (النجومية الصحفية) - إن صح التعبير - وهو بذلك يحرج (عجائز) الصحافة البحرينية في الصحف الصفراء والحمراء والسوداء الذين كنا في زمن الكبت لانرى غيرهم وبعد أن فتحت نافذة صغيرة على حرية الصحافة رأينا العجب العجاب من كتاب يافعين يصلحون أحفاد لأولئك العجائز الصحافيين ، فلله درك ياأبا جاسم
      عزيز الدرازي

    • أحمد المحرقاوي | 12:49 ص

      وماذا عن إسرائيل ؟

      هذا عن إيران ولو سلمنا جدلاً أن إيران قد خرقت الأنظمة العالمية ومضت في تخصيب اليورانيوم وغيره وانها تستحق هذه العقوبات ولكن ماذا عن إسرائيل وهي لا تعترف بقانون دولي ولا تعبأ بأحد وتعتدي كل يوم على الآمنين بل هي دولة غير شرعية أساساً واغتصبت فلسطين وطردت أهلها و .. و . . ألا تستحق العقاب ؟ عجباً والله وأي عجب !!

    • زائر 2 | 12:23 ص

      ويلييييييييييييييي!!

      بصراحة تحليل ولا أروع!!! ياأخي من وين تطلع هالدرر!! يضطرون حتى أعداء إيران إلى رفع القبعة إليك أيها الكاتب المخضرم!! مقال متزن واقعي معزز بالأرقام والدلائل على كل كلمة تخطها يمينك!! وينش ياسيدة الصحافة البحرينية تسجلين في مدرسة محمد عبدالله للصحافة الراقية ولا تنسين شهادة الخبرة يمكن يطيحون عنش بعض المواد!!!!

    • زائر 1 | 12:13 ص

      لله درّك

      أستاذ محمد، جميع تحليلاتك غاية في الروعة والدقة والمهنية .. انت محلل سياسي واقتصادي يجاري المفكّرين و كأنك بلغت من العمر عتيا!، بصدق انا ابحث عن كتاباتك على اكثر المواقع لأن فيها الكثير من المعلومات الدقيقة والمفيدة و العلمية .. لله درّك وانت تجمع بين الثقافة والحصافة و القلم الأدبي .. هل لك كتاب منشور يمكننا الاستعانة به؟

اقرأ ايضاً