العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ

التقرير... وجاموسة الماء

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

المواطن العربي لا يبحث عن مدينة أفلاطون وتلك حقيقة يعرفها الجميع، فلو أن النظام العربي اعتمد الديمقراطية كأسلوب في إدارة الحكم لأزال الكثير من الاحتقانات. والمشكلة أن السلطة العربية تعاملت - طيلة هذه السنين - مع الشارع العربي من منطلق أمني بوليسي. لم تنظر إليه على أنه جمهور يبحث عن خبز، يبحث عن حقوق إنسان، عن آدمية تناثرت بين أسنان المخابرات والمباحث إذ كان المواطن العربي لا يستطيع فتح فمه إلا عند طبيب الأسنان. لا أريد أن أطيل، لكني أشفق حقيقة على تقرير التنمية الإنسانية العربي الثالث فيؤخذ عليه أنه استغرق في العموميات مخافة إحراج أنظمتنا العربية، وهكذا سنبقى كجاموسة الماء تدور حول الطاحونة إلى غير نهاية. كل الأمم وصلوا إلى مواقع متقدمة من العلم والتكنولوجيا والصناعات والمشاركة الشعبية ونحن في العالم العربي مازلنا نستورد الحرية كما نستورد علب السردين وأكياس الطحين... بالقطارة... إن علاج الديمقراطية مزيد من الديمقراطية... الإبداع لا يولد في مواقع القمع... أبدا الفكر الانغلاقي يولد في بئر وفي غرف غلقت كل نوافذها... باختصار شديد ماذا نعاني في عالمنا العربي؟ نعاني من أزمة السقوف المتفاوتة... أولاد الست وأولاد الجارية... فأولاد الست كل من يعمل تحت رحمة فيتامين واو... القمع... المحسوبية... الفساد، غياب القانون، غياب المجتمع المدني، عدم المساواة، كلها تعمل لإضعاف المجتمع والدولة. التاريخ لا تصنعه النيات الحسنة ما لم ترفق بعقول حسنة وطريق جهنم محفوف بالنيات الحسنة. السياسة تحتاج إلى عقل وإرادة وطموح نحو التغيير. الفقر ينتج أجيالا ضعيفة جسمانيا وذهنيا. المشكلة هي غياب النقد ولا أحد يقبل بمراجعة الأداء، عادات سياسية واجتماعية أصبحت عقيدة مع مرور الأيام ولا يجوز تغييرها... المحسوبية أصبحت عقيدة والعادة في العالم العربي أصبحت أقوى من العقيدة ويصعب اجتثاثها وخصوصا إذا اقترنت بالمصالح. يقول الجاحظ: "لو قطعت أنف أحدهم بالمقص كان أسهل عليه من استيعاب هذه الفكرة". السلطة والمجتمع في العالم العربي ما لم تعملا على تكوين العقل النقدي ومراجعة الذات في السياسات وفي الشعارات وفي التقليل من النرجسيات فسنبقى على ما نحن عليه. أصبح الاحترام عبودية وأصبحنا نعاني من تضخم مخيف لتماثيل بشرية سياسية واجتماعية وثقافية أصبحت أشبه بالتابو وأكبر كارثة عندما يختلط الإلهي بالبشري. إننا نعاني من توغل السلطة ومن مقاولات سياسية أدت إلى كسوف اجتماعي أيضا وها نحن نشهد منكرات سياسية مختلفة. هناك مقاولات ودكاكين ثقافية وسياسية عند الجميع. أنا لا أخاف على مجتمعاتنا من الكوليرا التي تصيب الجسد... بل من الكوليرا الفكرية والروماتيزم الخبيث الذي أصبح في مفاصل ثقافتنا... المسئول يرفض النقد وكلما نقد من قبل الصحافة اعتبرها مؤامرة على وزارته ولم يبق إلا أن يشتكي في مجلس الأمن فنحتاج إلى غسل أيدينا عندما نريد الكتابة عن أية وزارة وخصوصا مع تهيئة مجموعة من الكتبة الطبالين الذين يحاولون أن يجعلوا من أية وزارة أو مؤسسة مكانا فوق النقد. التغيير يكون عندما يشهد كل واحد أخطاءه ويحاول علاجها لأجل المصلحة العامة، أما ادعاء العصمة السياسية والمكابرة فهي كفيلة ببقاء الكوليرا التي قد تستبدل بطاعون. نظرية ابن رشد تقول: "الحضارات تنهار عندما يدب فيها الفساد الأخلاقي والاجتماعي". الأفكار مع الأيام تصبح بالية مادامت بشرية... بعض نظريات ديكارت أصبحت تضحكنا اليوم لأنه لا وجود لها اليوم... بعض الآراء أصبحت في دائرة العطب... إذا يجب أن نناقش أفكارنا البشرية... المواضع المتكلسة في السلطة تحتاج إلى تبديل والأفكار الخاطئة في أية مؤسسة في المجتمع يجب أن تستبدل بـ "قطع غيار" جديدة. في الكويت تتم محاسبة الوزراء، ويستقيل بعضهم بسبب الضغط... في قطر يتم إعفاء وزراء هنا ومسئولين هناك بسبب تجاوزات... في الأردن يتم اعتقال مدير المخابرات البطيخي ويودع السجن... في مصر يودع محافظ الجيزة في السجن أمام الكاميرات، وفي البحرين يكثر علينا بعض أعضاء النواب مع كتاب هنا وهناك عندما نسأل وزارة أو وزيرا وتقام الدنيا ولا تقعد لأننا انتقدنا الوزراء في ملف التأمينات، وعلى رغم كل ما قيل إلى يومنا هذا لم يفرط ولا بوزير واحد ليجلس بين أسنان النواب أو أسنان الصحافة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً