العدد 950 - الثلثاء 12 أبريل 2005م الموافق 03 ربيع الاول 1426هـ

السياسة تمد تأثيراتها السلبية إلى الاقتصاد

الراهن في العلاقات السورية - اللبنانية:

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تبدو العلاقات السورية - اللبنانية في أسوأ مستوياتها في خلال أكثر من 4 عقود ماضية. ذلك أن ثمة انقساما لبنانيا حادا بشأن هذه العلاقات، وهو انقسام يستند أساسه الى الدور السوري في لبنان، وإلى ما تصفه المعارضة اللبنانية بتدخل سوري في الشئون اللبنانية الداخلية والخارجية، واستند التدخل الى وجود قوات من الجيش السوري دخلت لبنان في صيف العام ،1976 لوقف الحرب الأهلية ومنع تقسيم لبنان، ثم جرى تدعيم قوات الجيش بالآف من رجال المخابرات، التي وإن كانت حجة وجودها أمن القوات السورية، لكنها عمليا تجاوزت هذه المهمة نحو تدخل عميق في الحياة اللبنانية.

وأدت التدخلات السورية في الشئون اللبنانية الى اعتراضات اللبنانيين ومن بينهم بعض كبار السياسيين المقربين من سورية مثل الرئيس سليم الحص الذي اعترض علنا على سلوك رجال الاستخبارات السورية في لبنان، ومثله فعل الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي عارض قرار سورية التمديد لرئيس الجمهورية الحالي اميل لحود لفترة جديدة قبل أن يجري اغتياله في تفجير مدمر منتصف فبراير/ شباط الماضي قرن فندق السان جورج في بيروت، ما دفع الى نمو تيار معارضي سورية في لبنان بعد ذلك.

وكان من تأثير هذه التطورات السياسية في العلاقات السورية اللبنانية، انعكاسها السلبي على واقع علاقات البلدين في جوانب أخرى، ربما كان الأبرز فيها ثلاث نقاط أساسية، أولها اليد العاملة السورية في لبنان، والثانية رؤوس الأموال السورية في المصارف اللبنانية، والثالث تنقل الأفراد والبضائع عبر الحدود السورية اللبنانية.

لقد أدت العلاقات الخاصة بين سورية ولبنان وخصوصا منذ نهاية الحرب الأهلية العام 1990 إلى تدفق مئات الآلاف من العمال السوريين للعمل في مختلف قطاعات الاقتصاد اللبناني وخصوصا في قطاعي الخدمات والبناء، إضافة الى قطاعات السياحة والزراعة، وتفاوتت الأرقام بصدد العمال السوريين الذين يقدرهم البعض بنحو 350 ألفا ،فيما يذهب آخرون للقول بأن عددهم يتجاوز مليونا، والمتوسط المرجح للعدد نحو نصف مليون عامل، وساهم هؤلاء باعتراف الكثير من الاقتصاديين اللبنانيين في إعادة بناء منشآت اقتصادية ومعالم عمرانية منها وسط بيروت التي دمرتها سنوات الحرب، وغالبا ما كانوا عمالة رخيصة يعملون في أعمال لا يقوم بها اللبنانيون، وكانوا يحصلون على أجور متدنية في ظل غياب أية حقوق وضمانات اجتماعية. وعاد غالبية العمال السوريين إلى بلدهم بعد التوترات السياسية التي ترافقت باعتداءات على بعضهم من جانب بعض اللبنانيين الذين ربطوا بصورة غير واقعية ودقيقة بين العمال السوريين وجهاز المخابرات السوري في لبنان.

والشق الثاني الذي تأثر بالتوترات السياسية كان موضوع الأموال السورية في المصارف اللبنانية، وهو أمر مفهوم في ظل النظام الاقتصادي السوري ومنه النظام المصرفي الذي لم يكن يستجيب على مدار عقود مضت لأبسط احتياجات رجال الاعمال في سورية، وهذا دفعهم الى فتح حسابات مصرفية في لبنان، وأضيف إليها لاحقا حسابات فتحها سوريون من الأغنياء الجدد من رجال النظام وحاشيتهم الذين تتهمهم بعض اوساط المعارضة اللبنانية، بأنهم كانوا يبيضون في المصارف اللبنانية أموال سوداء مصدرها الرشا والخاوات والتجارات المحظورة، ولكن من دون ان يقدموا وثائق ومستندات.

ويقدر حجم الأموال السورية في المصارف اللبنانية بنحو عشرة مليارات دولار، جرت أحاديث سورية ولبنانية متناقضة بشأن سحبها من المصارف اللبنانية وتحويلها الى مصارف في سورية والأردن وتركيا، وترددت تقارير عن سحب نحو خمسمئة مليون دولار منها منذ بداية التوترات السورية - اللبنانية.

وكانت حركة انتقال الاشخاص والبضائع بين سورية ولبنان، هي الضحية الأكثر وضوحا في نتائج التوترات الاخيرة، والوضوح في هذا الجانب أكثر ما يتجلى في مركزي الحدود السورية - اللبنانية الرئيسيين الذي يصل أحدهما دمشق ببيروت، والثاني يصل حمص بطرابلس في شمال لبنان. إذ لا يعبر المركزين في بعض الأيام سوى عشرات الأشخاص، فيما كان العدد في السابق آلافا، يذهبون في الاتجاهين للتسوق والزيارة وقضاء المهمات الشخصية، وغالبا ما يعود الزوار عبر الحدود محملين بالبضائع والسلع الأرخص والأفضل في أسواق البلدين وخصوصا بعد أن خففت السلطات الجمركية على الحدود تقييداتها وتدخلاتها فيما يحمله زوار لبنان من مشتريات سورية وما يجلبه اخوانهم من الأسواق اللبنانية.

لقد تحولت المنطقة الواقعة ما بين نقطة الحدود اللبنانية في المصنع وصولا إلى ما بعد مدينة شتورة بما فيها من محلات تجارية ومراكز لتبديل العملات والصيرفة واستراحات للركاب الى منطقة شبه مهجورة بعد ان خفت حركة السفر بين سورية ولبنان وغادر كثير من العمال السوريين المنطقة، وأكد أكثر من صاحب متجر انخفاضا شديدا في حجم أعماله، وقال أحدهم ان حجم أعماله انخفض الى العشر منذ بداية الأزمة الأخيرة، وانه صرف عددا من عماله بسبب الوضع الجديد، وان الوضع الحالي إذا استمر أشهرا سيدمر أوضاع الكثيرين.

والحق فإن الحال في بعض أسواق بيروت، كما هي في أسواق منطقة الكولا، وشارع الحمراء وما يحيط به، التي اعتادت ان يكون السوريون من زوارها وزبائنها شهدت تقلصا في حجم أعمالها وتراجعا في حركة زبائنها ومبيعاتها في الشهرين الأخيرين، وما سبق مثال لأسواق في دمشق، كان يزورها اللبنانيون وخصوصا أيام السبت والاحد للتبضع كما في منطقة الصالحية وشارع الحمراء في وسط دمشق.

خلاصة التأثيرات السلبية في العلاقات السورية - اللبنانية على المناحي الأخرى لهذه العلاقات قد تؤثر على أكثر من صعيد غير ظاهر، كما في احتمال أن يؤثر سلبا غياب العمال السوريين على أعمال قطاع البناء والتشييد أو على الأعمال في قطاع الزراعة والسياحة وموسم الاثنين على الأبواب، كما ان سحب الأرصدة السورية إذا تم من شأنه ان يؤثر على حجم الموجودات في المصارف اللبنانية وقد يؤثر على أسعار صرف الليرة اللبنانية، ولاشك في ان تدني حركة المسافرين السوريين الى لبنان سيترك آثاره السلبية ليس في أرقام زوار لبنان وإنما على حجم البضائع والأموال الجاري تداولها.

وفي كل الأحوال، ثمة حاجة للتدقيق في كل المعطيات المحيطة بالعلاقات السورية - اللبنانية من أجل تقويم هذه العلاقات والدفع نحو تطويرها، ذلك انه وعلى رغم الترديات الأخيرة في الواقع السياسي وما جره الى ترديات في المجالات الاخرى، فلا فكاك من علاقات جيدة ومتعددة المجالات والمستويات بين سورية ولبنان لأن السياسات والحكومات تزول وتتبدل، ولكن لا يمكن تغيير الجغرافيا والتاريخ الذين يربطان البلدين والشعبين

العدد 950 - الثلثاء 12 أبريل 2005م الموافق 03 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً