العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ

بين ظلم السجان ومرارة البعد عن الأوطان

البحرينيون في غوانتنامو

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

كل من ذاق عذاب الغربة والاعتقال، كل من ظل محروما من رؤية وطنه والعيش بين أهله وأحبابه رغما عنه وليس له في الأمر حول ولا قوة، كل من ذرف دموع الفراق والألم والحسرة وبكا على ضياع شباب أحد أبنائه أو أي من أحبائه خلف القضبان، كل من ذاق عذاب السجن والسجان، ورأى مرارة القهر والامتهان، وكيف يحط بكرامة الإنسان حين يدخل في دائرة النسيان في سجن موحش أينما كان السجن وأيا كان السجان، يتفطر قلبه أسى وحسرة وقهرا وهو يرى أو يسمع ما يجري خلف قضبان سجن غوانتنامو.

شخصيا لم أسمع بهذا الاسم قبل أن تغزو أميركا أفغانستان، وبشكل محدد قبل أن تسقط على ذلك البلد الفقير والبائس أطنان المتفجرات وكل أنواع القنابل الوسخة الفتاكة، وقبل أن ترسل جيشها البعيد عن الأخلاق لهدم ما بقي من صروح الإنسانية والقوانين والمواثيق التي أقرتها الأمم المتحدة واعتبرتها من المقدسات، وبعيدا عن الاختلاف أو الاتفاق مع التوجهات الأميركية، وإصرارها على فرض وقيادة النظام العالمي الجديد بالشكل الذي يناسبها، فإنني اطرح هذا السؤال: إذا كانت لكل حرب قوانينها فأين هي قوانين حرب أميركا على أفغانستان؟

أميركا كانت طرفا في سوق الموت وتصديره إلى أفغانستان منذ ما قبل دخول الاتحاد السوفياتي السابق، وكانت طرفا مباشرا عمل على ضمان المزيد من القتل والإبادة إبان وجود جيوش الغزو السوفياتي السيئ، ثم كان أن قررت أن تمارس القتل من دون وسيط فانقلبت على كل من تعاونت معه أو تعاون معها، وأرسلت جيوشها الجرارة، وطائراتها وحاملات طائراتها العملاقة لفرض نظام رعاة البقر "الكاوبوي" على الجميع.

وصمت العالم من هول ما رأى، ووضع الجميع أكفهم على قلوبهم وهم يرون "العم سام" يفرض أجندة القوة والقهر على الأمم المتحدة وكل الدول القوية، عندها تحسس الجميع مواطئ أقدامهم، وراح كل نظام يعد العدة للتماشي مع الأجندة الأميركية، ولو من باب تحاشي الوقوع بين براثن الفك المفترس الذي أصبح أكثر شراسة وفتكا حين ضمن خلو الساحة من منافس بعد أن ذهب الاتحاد السوفياتي إلى غير رجعة.

وعندها حبس العالم أنفاسه، وكانت رسالة القهر الأميركية تنفذ فلسفة عرفها العرب والعجم تتلخص في "اضرب الكلب يتأدب الأسد"، وعلى رغم أن أفغانستان لم تكن إلا أشلاء وبقايا حطام، يعتمد شعبها في معيشته اليومية على المعونات والمساعدات الخارجية من كل مكان، بمباركة وتشجيع أميركي، إلا أن الجيش الأميركي كان بحاجة إلى معركة محسومة سلفا، تمهيدا لمعارك أخرى مقبلة.

وهكذا كان الرد أكثر من قاس وفتاك ومجرم، وبكل المقاييس فإن القول بأن حرب أفغانستان كانت ردا على حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول، هو قول يفتقر إلى الدقة والمنطق، لأن كل شيء سار أسرع من البرق، وفجأة وجد الناس في كل العالم أنفسهم أمام الحرب القذرة وجها لوجه.

وكما أن الحرب قد بثت الرعب في قلوب الكثيرين، ودعتهم إلى الانكفاء في بيوتهم وبين أهلهم، فإن آخرين كان لهم رأي آخر، بعض هؤلاء قرر التصدي للقوات الأميركية الغازية وسافر إلى محاربتها، ظنا منه بأن هناك قوانين معروفة لهذه الحرب، وأنه سينال أحد الحسنيين، إما النصر أو الشهادة، وبعضهم فكر بشكل مختلف فقال إن الحرب تحرق الأخضر واليابس، وهي كالنار لا تبقي ولا تذر، فهب واقفا على قدميه لنجدة الأبرياء من أبناء الشعب الأفغاني المسالم المسلم، يساهم في توفير المأكل والمشرب والمأوى الآمن لمن شردتهم الحرب وهدمت أحلامهم وبيوتهم.

ولأن أميركا السيد الجديد المسيطر على هذا العالم، فإنها هي التي تضع القوانين وهي التي تدوسها تحت أقدام جنودها ودباباتها وآلياتها المجنزرة، وهكذا أصبح كل من يوجد على الأراضي الأفغانية عدوا يجب سحقه أو قتله أو حرقه أو أسره، ومع كل الدعاية والحرب الإعلامية الموجهة، إلا أن من كرسوا أنفسهم للقضايا التي يؤمنون بها، وأولئك الذين ذهبوا لتقديم الدعم والمعونة والماء والدواء لإخوانهم الأفغان لم يتراجعوا عن الذهاب، فكانت الشباك الأميركية لهم بالمرصاد.

أميركا تقول إنها حررت الأفغان، وكافحت الإرهاب في كل مكان، لكنها تضرب عرض الحائط بكل قوانين واتفاقات حقوق الإنسان حين يتعرض الأمر بالسجناء الذين ألقت القبض عليهم في أفغانستان، بل إنها لم تكتف بذلك حتى وسعت الدائرة لكل من وجد من العرب والمسلمين في باكستان وخارجها من الدول ذات العلاقة لا فرق بين الدول المصنفة في قائمة أعداء أميركا أو التي تقع ضمن دائرة حلفائها وأصدقائها أيضا، وهكذا وجد الجميع أنفسهم مطاردين تماما كما يحدث في الأفلام الأميركية حين يعلن عن الجوائز لمن يلقي القبض على المجرمين، وبقدرة قادر تحول العرب هناك كلهم بلا استثناء إلى طرائد تحقق الثراء السريع.

ستة من أبناء البحرين ألقاهم حظهم العاثر في قبضة الأميركان بأفغانستان، وبغض النظر عن أسباب وجودهم هناك، فإن كل القوانين العالمية لم تضع أفغانستان على قائمة الدول الممنوع زيارتها، وفي جميع الأحوال فإن إلقاء القبض عليهم لم يكن إلا أول حلقة في سلسلة امتهان الكرامة والحط من قدرها، إذ سرعان ما حلقت بهم إحدى طائرات سلاح الجو الأميركي مكبلين مخفورين في رحلة نحو المجهول، وحين حطت طائرة الشحن العسكرية في إحدى القواعد الأميركية بعد 28 ساعة طيران عرف العالم أغرب سجن في التاريخ الحديث، إنه معتقل غوانتنامو في جزيرة كوبية محتلة، غير خاضعة إلا لقوانين الاحتلال.

أقفاص أسوأ من أقفاص الكلاب ومعاملة أحقر من معاملة الحيوانات، أجواء قاسية وأغلال وإذلال وامتهان لكل ما عرف من إنسانية الإنسان، وكان هناك من بين من رحلوا إلى غوانتنامو أبناء البحرين الستة فماذا نعرف عنهم؟ هل ينامون كما ينام السجناء في مختلف سجون العالم؟ هل يعاملون كسجناء رأي، أم يعاملون كأسرى الحرب، أم يعاملون كالمجرمين والقتلة والسفاحين؟

ليتهم كذلك، ليت أي صفة من الصفات السابقة تنطبق على المعاملة التي يلاقونها، انهم يلاقون معاملة أسوأ من ذلك بكثير، تمسح دموع عينيك وتبلع ريقك ألف مرة وتحوقل آلاف المرات وأنت تراهم مكبلين بالأصفاد في منظر لا يختلف عن مظاهر الاستعباد التي مارسها الأميركيون الأوائل حين كانوا يصطادون مواطني إفريقيا ويرحلونهم إلى أميركا ليبنوا عليها حضارتهم المزيفة.

المشهد ذاته يتكرر بعد أكثر من 250 سنة، رجال مدججون بالسلاح يصطادون طرائدهم البشرية ثم يرحلونهم ليمارسوا عليهم كل صنوف التعذيب والحط بالكرامة، مظهر واحد يشعرك أنك في عصر آخر، يتمثل في وسيلة النقل التي تغيرت من سفينة إلى طائرة، والحظائر التي كانت خشبية فأصبحت قضبان حديد محمية بالكهرباء وأشعة الليزر، ومن هنا أطلق على المعتقل "معسكر أشعة اكس".

كم يوما مر منذ ألقي بأبنائنا هناك، ومن سأل عنهم، وهل صحيح أن الوفد الأمني الذي سافر للاطمئنان عليهم مارس التحقيق والاستجواب معهم؟ وماذا تقول وزارة الخارجية عن ملفاتهم التي تؤكد كل الاتصالات بأنها نظيفة من تهم الإرهاب، ومن يمتلك جوابا شافيا لأسئلة أهلهم وذويهم الذين يتوقون لعودتهم سالمين إلى أرض الوطن، علهم يجدون بعضا من الحنان الذي فقدوه وافتقدوه منذ زمان.

أكثر من ثلاث سنوات مرت ولا حس ولا خبر، الجمعيات الحقوقية لا تقدم جوابا يشفي الغليل، الجهات الرسمية متوجسة من تقديم طلب لعودتهم ومحاكمتهم في البحرين إن لزم الأمر؟ وأهالي المعتقلين الأسرى محتار دليلهم ضائعة جهودهم، يذهبون إلى الداخلية فتحيلهم على الخارجية، يتصلون بمجلس النواب ومجلس الشورى فلا يجدون ما يروي الغليل، يفكرون في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان فيجدونها منشغلة بقضايا أخرى، يبحثون عن مركز البحرين لحقوق الإنسان فيجدونه مغلقا منحلا بأمر إداري!

هؤلاء أبناء شعب البحرين يحتاجون إلى دعائكم الصالح بالفرج لهم، لكنهم يحتاجون أيضا إلى تكاتفكم وتضامنكم معهم، وجعل قضيتهم حية في الضمير والوجدان العالمي، لأنهم هناك بلا جريمة ومن دون تهمة ومن دون محاكمة عادلة. نعم نحن بحاجة لبحث هذه القضية مع المسئولين في المملكة، وبحاجة أن يستخدم المسئولون كل العلاقات الحسنة التي تربط بلادنا مع أميركا للإفراج عنهم وعودتهم سالمين.

وإذا كان عضو مجلس النواب النائب محمد خالد قد حمل جزءا من هذا الملف الكبير والمهم، فإننا نتطلع لدور أكبر من قبل أعضاء مجلس النواب الآخرين، ونتساءل عن دور لمجلس الشورى أيضا، وبكل تأكيد نريد موقفا من جمعياتنا السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي نشطت في بداية المشكلة وأرسلت عريضة إلى السفارة الأميركية وقع عليها أكثر من 1000 شخص، ثم التقت أهالي المعتقلين وبحثت معهم ما يمكن عمله، لكن ذلك غير كاف والجمعية مطالبة ببذل المزيد من الجهود وتجديد التنسيق مع أهالي المعتقلين، وخصوصا بعد أن لبى عدد كبير منهم دعوة النائب لتشكيل لجنة تضامن ومتابعة لهذه القضية، حتى لا يقضي النسيان على أبناء البحرين وراء قضبان سجن معسكر أشعة إكس... غوانتنامو.

إنها دعوة مفتوحة ومستعجلة لكل المهتمين بحقوق الإنسان للاهتمام بهذا الملف، وسواء كان الاهتمام من قبل مؤسسات أو صحافة وإعلام، أو من قبل الحكومة وأهالي المعتقلين أو جاء من قبل أية هيئة أو جمعية تعنى بالعمل في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن المعتقلين، فإنه سيكون موقع ترحيب من كل أبناء البحرين، حتى لا تطول مدة احتجاز حريات إخواننا وأبنائنا في سجون الغرب بعيدا عن الوطن وتحت وطأة سجان ظالم لا يعرف الرحمة

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً