العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ

عندما يغضب الأديب يكتب بالسكين

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تلك كانت حياة الأدباء والشعراء واحد يشتم الحكومة، واحد يجلد وجهه بالشعر، واحد يبيض مقالا كي يهرب من الجوع وآخر إن لم ير عدوا أوصل سكين النشر إلى رقبة زملائه. أتسلى دائما بالجلوس على مائدة الشعر والأدب... أحيانا أجلس أمام بحر هاربا من الصحافة، وأحيانا من السياسة عندما تكون بلا إنسانية، وأحب أن أجالس كل الشعراء وفي بعض الأمسيات يأتي معي صديقي محمد عدنان، يأتي المتنبي فيسلم علينا، وأحيانا يجلس معنا أبوفراس الحمداني والجواهري، أما نزار قباني فشعره السياسي أصبح لنا كالاكسجين، وهو الذي جعلنا نميز ونحن أمام البحر الفرق بين البحر والزنزانة، والفرق بين الكاتب المسئول والمكنسة، فنزار يقول: "الإعلام لا يصنع الشعراء والأدباء. قد يجملهم، ويعطرهم، ويكحلهم... ولكنه لا يستطيع أن يجعل من المكنسة عروسة أو من الجاموسة زرافة. هناك أناس يحملون وطنهم في حقيبتهم ويهربون عندما تنطلق صفارة الإنذار"، سألنا نزار عن هجوم النقاد عليه، فأجاب: "الطعنات هي الوجه الآخر للقبلات، والشتيمة في العالم العربي دليل أنك نجحت ووصلت".

في الساحات الأدبية توجد حروب أهلية وحروب عصابات وسكاكين بيضاء وقنابل ورصاص، ولكنها بالكلمات وهي تنفذ حتى المواقع المصفحة ضد الرصاص، لأن الكلمة أشد إيلاما حتى من السيف. لكن كل شاعر يبكي على ليلاه وليلى تارة تكون الوطن، تارة العشيرة، ولكن ليس شرطا أن ليلى تقر له بالحب. قال أحمد مطر يرثي العراق:

الأسى آس لما نلقاه

والحزن حزين

نزرع الأرض

ونغفو جائعين

نحمل الماء

ونمشي ظامئين

أحد الشعراء تزوج امرأة خالها شابة، فاكتشف أنها عجوز شمطاء، فذمها:

عجوز ترجى أن تكون فتية

وقد نحل الجنبان واحدودب الظهر

تدس إلى العطار سلعة أهلها

وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

أحيانا، الأديب يشعر بالإحباط فيمارس سلوكيات جنونية، تماما مثل ذلك المواطن المحبط، فالإحباط قاده إلى التقاط صور تذكارية في دورة المياه. دعونا نقرأ إحباطات الماغوط عن الواقع العربي، فماذا يقول: "يقبل في العالم العربي للمواطن أن يقوم بتحليل الفضلات في المختبر، ويرفض له أن يقوم بتحليل الواقع السياسي. العربي بطبعه يحسد الجالس ولو على كرسي تواليت".

في الوزارات نجد موظفا عاديا يصبح بقدرة قادر مديرا أو مديرا عاما، وإذا به يصبح كالحجاج يرى رؤوسا للموظفين من أبناء جلدته حان قطافها.

إن مهزلة الانتخابات ونسبة 99,99 في المئة لا يمكن حدوثها حتى في طوائف النمل والنحل. وفي مكان آخر يقول: "صار تاريخ بلداننا العربية في المنطقة مثل دفتر البقال الذي يقدم إلى مراقب التموين". أصبح التاريخ العربي يزور كما زور تاريخنا القديم. أما في السياسة فالشاعر الخالدي صب جام غضبه على الناس، قائلا:

أرى ثيابا وفي أثنائها بقر

بلا قرون وذا عيب على البقر

أما أبوفراس الحمداني، فقال: "ذئاب على أجسادهن ثياب". وسب ذات يوم أقاربه وأهله، قائلا: "وإنما الأقارب في هذا الزمان عقارب". العربي مسكين، في الماضي والحاضر، في الماضي قست عليه الصحراء، وفي الحاضر لم ترحمه الرأسمالية والحداثة، فهو يزداد فقرا والسياسيون يزدادون بدانة. الشاعر الجاهلي لم ير إلا محياه يهجوه عندما بلغه الإحباط مبلغا فراح يردد:

أرى لي وجها شوه الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله

شاعر آخر، لسانه السليط لم يمنعه من شتم أعضاء البرلمان، فقال:

في البرلمان رجال ليس ينقصهم

عن البهائم إلا السرج والذنب

فللمساكين ما جادوا بخردلة

إلا وكانت من الشيء الذي نهبوا

أما الشاعر بيرم التونسي فقد نفس عن غضبه بهجاء المجلس البلدي، قائلا:

ما شرد النوم عن جفني القريح سوى

طيف الخيال، خيال المجلس البلدي

وما كسوت عيالي في الشتاء ولا

في الصيف إلا كسوت المجلس البلدي

الكاتب المصري عادل حمودة، ذكر نكتة جميلة وهي أنه أثناء حرب الخليج الأولى زادت هجرة المصريين إلى العراق، إلى حد أنهم سيطروا على معظم المرافق والخدمات، وعثر مواطن على المصباح السحري، واستدعى الجني الذي سأله عما يريد، فقال المواطن العراقي:

- أريد أقلل عدد المصريين في العراق.

فقال الجني مستعطفا:

- حرام عليك يا بيه... دحنا غلابه!

"المصدر: "النكتة السياسية" لعادل حمودة ص 84".

أنيس منصور محسوب على السادات وهوجم كثيرا في الصحافة المصرية، فراح يقول: "وجاء في أخبار اليوم عن طريق المخابرات صحافيون أجانب يعلموننا كيف نحب مصر ونحتقر أنفسنا". لكن أغرب ما قرأت من وسخ الصحافة، هو هجوم عادل حمودة على الشاعر أحمد فؤاد نجم. الثاني عرف بترابيته وإخلاصه للشعب المصري، وهو صاحب قصيدة "يا أهل مصر المحمية بالحرامية... الفول كثير والطعمية"، فكتب حمودة مقالا شتم فيه الفقير نجم أسماه "الجياد... لا تباع في السوبرماركت" ووصفه بالخائن لخير الوطن وأنه جواد تعب قبل نهاية الشوط، ذلك لأنه فقط لبى دعوة عشاء لأحد أرستقراطيي مصر.

الحرب الأهلية بين المثقفين ليس فيها منتصر، والمبالغة توضح الأحجام والأوزان السياسية الحقيقية، فيجب ألا نتورط.

صلاح عبدالصبور شتم جمال عبدالناصر بقصيدة نشرها في بيروت، ثم رثاه بعد موته، ومحمد المشرفي قال في عبدالناصر:

لم تمت أنت إنما الموت

للأبطال عمر من البطولة ثان

وراح آخر يبايع السادات، قائلا:

سيقود السادات بعدك شعبا

مسحت عنه من يديك الوصوم

أنتما في النضال موسى وهارون

ويقفو هدى الزعيم الزعيم

وها هو علم "إسرائيل" مازال يرفرف على قبر عبدالناصر... زرعه السادات وتفرعت في غالبية دولنا العربية، سنابل في كل سنبلة ألف مشكلة وأزمة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً