العدد 982 - السبت 14 مايو 2005م الموافق 05 ربيع الثاني 1426هـ

مستقبل العراق بانتظار المرور بثلاث مراحل رئيسية

عنف وفيدراليات ومعارك للهيمنة

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

وسط العنف المتصاعد تتزايد أسئلة الناس في العراق والمراقبين والمسئولين عن إمكان إيجاد سيناريو محدد يمكن عبره تقليص سوء الأوضاع الذي بات الشعور العام يعتبر انه آخذ بالتزايد.

"الوسط" وعلى مدى الأيام القليلة الماضية حاولت أن تستطلع الرؤى والقناعات لدى مسئولين حكوميين وسياسيين ونخب مثقفة وأكاديمية، ومع أن الردود جاءت مختلفة متوزعة بين التفاؤل والتشاؤم، إلا أن الخلاصة التي يمكن التوصل إليها من خلال تلك الردود تشير إلى أن البلد يتجه في مستقبله القريب إلى ثلاث مراحل أساسية: الأولى هي التي ستسود حتى نهاية العام الجاري حيث موعد الانتخابات العامة التي يبدو أن السنة العرب الذين قاطعوا انتخابات مطلع العام الجاري سيكونون أكثر من سواهم من بقية مكونات الشعب العراقي وأطرافه حماسة للمشاركة والمساهمة الفاعلة في انتخابات نهاية العام الجاري.

وفي خضم هذه المرحلة، فإن السنة العرب ومناطقهم التي شكلت "بيئة حاضنة" بشكل أو بآخر لأعمال التمرد المسلح والدموي المتصاعد سيؤثرون القفز من عربة المتمردين أسبوعا بعد آخر، ومن المتوقع أن يتنامى ذلك القفز في نهاية الصيف المقبل بعد إقرار الدستور، ولاسيما إذا كان الدستور متوازنا يلبي معالجة ثغرات النظام الانتخابي الذي تمت بموجبه الانتخابات الماضية، ويتجاوز أعراف المحاصصة السياسية والحزبية والعرقية والطائفية التي تكرست في المرحلة اللاحقة لسقوط النظام السابق وحتى الآن.

وكل التوقعات أن الدستور المنوي طرحه للاستفتاء في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل سيلبي طموحات السنة العرب بشكل متكافئ مع المكونين الرئيسيين للشعب العراقي الآخرين أي الشيعة والاكراد. وتلبية الطموحات مسألة لابد منها حتى وان كرهت بعض الأطراف المنخرطة بالعملية السياسية عن تحقيقها، وذلك لما يتيحه قانون إدارة الدولة المؤقت من "حق الفيتو" لثلثي ثلاث محافظات، وهذا الحق مثلما يتيح للأكراد والشيعة استخدامه، فهو يتيح للسنة العرب - الذين يشكلون غالبية ساحقة في ثلاث محافظات هي: الأنبار وصلاح الدين ونينوى - استخدامه.

ولذلك ستحرص كل الأطراف على الجلوس معا في مرحلة إعداد الدستور لخلق حال من التوافق بين المطامح الدستورية للأطراف العراقية الرئيسية - أي الشيعة والسنة والأكراد - تلافيا لاستخدام "حق الفيتو" من قبل أي طرف منهم.

إن حال الإجهاد والبؤس التي يعاني منها الناس الذين يعيشون في مناطق وسط العراق التي اصطلح على تسميتها باسم "المثلث السني" قد تفاقمت بقدر كبير شهرا تلو آخر، وهم يفتقدون أوضاعا معاشية وخدمية مقبولة على الأقل في القياسات العراقية. إن هذه الحال جنبا إلى جنب مع الخوف والفزع من الجرائم وعمليات القتل والتفجيرات المفخخة التي باتت تكتنز فيها هذه المناطق أكثر من سواها من مناطق العراق، فضلا عن حال القلق والمخاوف التي تسيطر عليهم من المصير الذي ينتظر أبناءهم آناء الليل وأطراف النهار. وكل ذلك سيشكل عوامل طاردة للتمرد المسلح الذي تحتضنه هذه المناطق. فالمتمردون المسلحون لربما نجحوا في قطع الرؤوس ولكنهم يعززون فشلهم يوما بعد آخر في كسب عقول المواطنين وورود تقارير من بعض احياء الرمادي وقراها عن قيام مجاميع من السكان وزعماء العشائر بتوجيه انذارات للمتمردين المسلحين بالابتعاد عن مناطقهم ، بل والحديث عن حالات الاقتصاص العادل من قبل السكان المحليين أنفسهم كما حدث في بعض أحياء بغداد مثل منطقة الدورة وبعض أحياء مدينة الموصل عندما رد سكان في هذه المناطق بنيران الأسلحة الرشاشة على جماعات مسلحة حاولت تنفيذ هجمات على قوات للشرطة والجيش العراقي، كل ذلك يشكل الرافعة الحقيقية لعمليات الرفض المتنامية للجماعات المسلحة في هذه المناطق.

ويؤكد مسئولون عراقيون أن لديهم إشارات كثيرة تدل على تزايد أعداد العراقيين الذين يدلون بمعلومات استخبارية تقود إلى القبض على الارهابيين والمتمردين، ولاسيما خلال الأسابيع الأخيرة، ما يعد دليلا على أن قوات الأمن العراقية تكسب وبشكل متزايد ثقة العراقيين الذين بدأوا وبشكل ملحوظ يتخذون موقفا عاما مناهضا للتمرد والارهاب.

وعليه، فإن العنف المتصاعد والهجمات المختلفة والتفجيرات المفخخة يتوقع لها أن تتصاعد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ولكن ذلك كله سيعود للتراجع والتقلص مع نهاية إقرار الدستور والاستفتاء عليه في أكتوبر المقبل، وسيكون التراجع أكبر في نهاية العام الجاري مع موعد إجراء الانتخابات العامة أواخر العام وبعدها.

غير أن مرحلة ثانية سيشهدها العراق حين البدء بإقرار النظام الفيدرالي الذي من الممكن أن تقوم على أساسه أربع أو خمس فيدراليات. وهذا متوقع المباشرة على تشكيله في العام المقبل وخلال هذه المرحلة سيكون هناك حراك سياسي واسع النطاق، كما أنه ستنشط عوامل العنف الفئوية وتبرز في إطارها عمليات اغتيالات واسعة وربما حروب ميليشيات محدودة وذلك في الإطار الإداري في داخل كل فيدرالية من الفيدراليات الناشئة، إذ ستسعى القوى السياسية داخل التكوينات الرئيسية الثلاث، كل على انفراد الى اثبات وجودها وهيمنتها في مساحات الفيدرالية الممنوحة لكل مكون من هذه المكونات الرئيسية، ويمكن أن يستغرق الحيز الزمني لهذه المرحلة سنتين أي العام المقبل والذي بعده. ويبدو أن حروب الميليشيات المحدودة والعنف المتزايد في هذه الفيدراليات لن يقود الى حرب أهلية على نطاق عراقي كما أنه لن يؤدي الى تقسيم البلاد، فالواضح أن هناك سعيا من الآن لتلك المرحلة لدى المسئولين العراقيين وربما بتشجيع أميركي في أن تكون أسنان القوات العسكرية والأمنية التابعة إلى الحكومة الاتحادية قوية إلى درجة تتمكن معها من ضبط إيقاع الصراعات العنيفة التي يمكن أن تشهدها الفيدراليات البازغة.

أما المرحلة الثالثة فهي ما أسماها بعض السياسيين العراقيين مرحلة "ما بعد المنطقة الخضراء" وهي المرحلة التي سيتقلص فيها دور الهيمنة الأميركية العسكرية والسياسية على العراق، وآنذاك يمكن فعلا أن يكون مستقبل العراق الذي يقرر مصيره أبناؤه. وتعتمد المدة الزمنية في الوصول إلى هذه المرحلة على العراقيين أنفسهم الذين متى تعلموا أن يكيفوا صراعات قواهم باتجاهات سلمية وسياسية كان الوصول إلى هذه المرحلة أقرب.

ولكن في كل الأحوال، فإن الرؤى التي حاولنا التقاطها في خضم الحوادث المخضبة بالدماء خلال الأيام الماضية لاتزال تؤكد أن الطريق لتحقيق مستقبل ناجح للعراق مازال ممكنا

العدد 982 - السبت 14 مايو 2005م الموافق 05 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً