العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ

فريدمان... و"العالم المسطح"

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان أصدر كتابه الجديد بعنوان مثير "العالم المسطح: موجز لتاريخ القرن الحادي والعشرين". كنت أتابع بعض ما كتب عن هذا الكتاب عندما تسلمت نسخة كهدية من الكاتب نفسه، وهي هدية أعتز بها لأن صاحبها من أهم كتاب الأعمدة في صحيفة "نيويورك تايمز"، و له خبرته الواسعة في شئون العالم والشرق الأوسط.

فريدمان يقول إنه اكتشف أن العالم أصبح "مسطحا" أثناء رحلة عمل لتصوير أحد أفلامه الوثائقية في مدينة "بنغلور" الهندية، وأثناء الحديث مع أحد القادة التنفيذيين لواحدة من الشركات الكبرى التي تتخذ من الهند منطلقا لأعمالها العملاقة، وهو الذي قال في معرض حديثه مع فريدمان إن الهند تستطيع أن تنافس أميركا لأن "الميدان أصبح متساويا"، أو بمعنى آخر، إن العالم أصبح ميدانا معولما لا تعني فيه المسافات شيئا، وإنه أصبح "مسطحا"، يتساوى فيه الهندي مع الأميركي، وتستطيع الشركات الهندية أن تنافس الشركات الأميركية على أسس وضوابط متساوية.

فريدمان يقول - منطلقا - إن العصر الحديث "حتى نهاية القرن العشرين" اهتزت منظومته الفكرية والعلمية والحضارية، بعد أن اكتشف العلماء قبل أكثر من مئات السنين أن العالم "مكور"، وعلى هذا الأساس حاول "كريستوفر كولومبس" أن يذهب إلى الهند في 1492م من الجانب الآخر للكرة الأرضية، ولكنه ضاع واكتشف عن طريق الخطأ "أميركا". أما اليوم، يقول فريدمان، فإنه ذهب إلى الهند ولم يضع الطريق، ولكن عندما وصل إليها اكتشف أن العالم أصبح "مسطحا"، وأن ذلك سببه "العولمة" التي ربطت اقتصادات العالم ببعضها الآخر، ولم يعد هناك فارق بين هذه المنطقة من العالم أو تلك إلا الخبرة والإنتاجية التي يستطيع أن يتنافس عليها من هو أهل لها، لأن الأرض أصبحت متساوية "أو مسطحة" بين الجميع.

ينطلق فريدمان من هذه الفكرة ليكتب موجزا عن تاريخ القرن الحادي والعشرين، محاولا طرح شرح آخر لأهم حوادث مطلع هذا القرن. فالتفجيرات الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لم تكن ستحدث لولا توافر وسائل جديدة أنتجها القرن الحادي والعشرون، وهذه الوسائل تتصدرها "تقنية المعلومات والاتصالات" التي ربطت العالم بصورة مصيرية ببعضه الآخر، ولم يعد هناك ما يحول دون حدوث ما حدث.

العالم أصبح بقعة صغيرة مسطحة يقترب فيها الناس من بعضهم، وكأنهم يعيشون في أحياء متجاورة. هذه الأحياء المتجاورة تشتمل على تناقضات عدة. فالحي الأوروبي الغربي حي مسنود بدولة الرفاهية، وساكنوه من المتقدمين في السن الذين ترعاهم ممرضات قادمات من تركيا. أميركا حي مسور بالحديد مع مراقبة شديدة على الداخلين إليه، فيما عدا ثقب صغير ينفذ منه المكسيكيون. الحي العربي مرعب، ومن هم فيه يحاولون هجرانه، لأن المارة يخافون على أنفسهم من حوادث وحروب تتوالى عليهم. أما الهند والصين والدول المماثلة لهما فإنها أحياء تحتوي على أسواق منتعشة تنمو بسرعة لتشبع أهلها وتصدر فائض ما لديها إلى الأحياء الأخرى.

العالم كله أصبح على أرض مسطحة، ويحتوي على أحياء سكنية متقاربة جدا، وهذه الأحياء متنافسة على أسس واحدة، ولكنها متناقضة في فهمها للظاهرة المحيطة بها، وفي استعداداتها للعيش في عالم "مسطح".

يتجول فريدمان أيضا في الحي البحريني الصغير جدا، ويشير إلى أن هذا البلد كان أول من حصل على النفط في دول الخليج العربية، وهو أول بلد ينفد منه النفط، وهو أول بلد يفكر بجرأة لإصلاح سوق العمل، في محاولة للتأقلم مع عالم "مسطح"، اختفت فيه المسافات وانقلبت فيه المعادلات

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً