العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ

التنمية بدلا من التقشف هي علاج الأزمات المالية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تنتظر الأوساط السياسية والمالية من اليابان أن تعلن عن «حزمة حوافز اقتصادية تقدر بنحو 150 مليار دولار، تأتي على شكل إنفاق إضافي».

يأتي هذا الإنفاق الإضافي المستحدث في وقت تكاد أن تتهاوى فيه طوكيو تحت ضربات موجة كساد حادة عبر عنها تزايد حالات إشهار الإفلاس في قطاع الصناعة بصورة لم تعرفها اليابان من قبل، وانعكست في تصريحات مسئولة نقلها موقع «سي إن إن» أكدت أن أهداف تلك الإجراءات هي «التحفيز الاقتصادي، الذي يعد أكبر معونة تمويل للموازنة في تاريخ الحكومة، من أجل منع انهيار الاقتصاد الياباني المتداعي».

ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه اليابان مثل هذه المصاعب، ففي مطلع هذا القرن، وتحديدا في العام 2001، عصفت باليابان أزمة حادة، شبهتها بعض وسائل الإعلام، بالقنبلة الموشكة على الانفجار، مما أجبر وزير الاقتصاد حينها على الاعتراف بأن «اقتصاد بلاده على وشك الانهيار التام». حينها، وكما نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أكدت مصادر مطلعة أن تلك الأزمة «تكمن في آليات اقتصاد اليابان»، الذي بات وباعتراف المسئولين الحكوميين «أنه في حاجة إلى تغيير سريع شامل».

لكن بخلاف أية أزمة أخرى ألمت باليابان، يعتبر البعض أن هذه الأزمة هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، ويستدلون على ذلك، كما نشر موقع «سي إن إن» بما أعلنته اليابان في يناير/ كانون الثاني 2009 «عن عجز تجاري قياسي بلغ 10.1 مليار دولار»، ترافق ذلك وخلال الفترة ذاتها عن انخفاض ملحوظ في صادرات اليابان قدر «بقرابة 46 في المئة في يناير/ كانون الثاني، مقارنة بذات الفترة العام الماضي، إلى 36.8 مليار دولار، كما تراجعت واردات اليابان بمعدل 31 في المئة».

هذه الحالة المتردية أجبرت وزير السياسة المالية والاقتصاد الياباني كاورو يوسانو على الاعتراف بأن «اليابان مثلها مثل باقي الدول الاقتصادية الكبرى، لا يمكنها تجنب آلام التغيير الحاصل».

وكما أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه أزمات اقتصادية، كذلك ليست هي المرة الأولى التي تحاول فيها اليابان أن تنتشل اقتصادها من احتمالات التهاوي، فوجدناها تلجأ في مطلع العام الماضي إلى أنماط تقليدية لمواجهة الأزمات مثل «تأمين سيولة كافية ورخيصة، وخفض سعر الصرف الحقيقي، حزمة من الإعفاءات والحوافز والنفقات التي أفلحت في رفع مستوى الطلب وتحقيق تحسن ملموس في نسب النمو». لكن وكما يبدو، فإن الأزمة اليوم ليست كسابقاتها، وتحتاج إلى مداخل من طراز مختلف، وأدوات جديدة. وهو ما تحاول اليابان القيام به من خلال ضخ مبلغ 150 مليار دولار في الأسواق تتوزع معظمها على تلك التي تمتص أعلى نسبة من البطالة مثل دعم الشركات المتعثرة، وتطوير البنية التحتية كمدارج المطارات وشبكات الطرق والقطارت.

واليابان ليست الدولة الوحيدة التي تحاول اللجوء إلى خطط تنموية أبان معالجتها للأزمات المطبقة على اقتصادها، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، كان على رأس قائمة برامج الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل دخوله البيت الأبيض، خطته الاقتصادية لانتشال الاقتصاد الأميركي من أوحال الأزمة التي أغرقه فيها الرئيس السابق جورج بوش، والتي أوصلت العجز في الموازنة الحكومية إلى 1.2 تريليون دولار خلال العام 2009، وحجم العجز في موازنة العام المالي المنتهي في سبتمبر/ أيلول 2008 إلى 438 مليار دولار أي ما يعادل 3.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، «خلق 2.5 مليون وظيفة حتى العام 2011 من خلال طرح مشاريع كبيرة لتوظيف الأميركيين في أعمال إعادة بناء شبكة المواصلات والجسور وتحديث المدارس وتوفير وسائل طاقة بديلة صديقة للبيئة. وبعد وصوله إلى البيت الأبيض وعد أوباما بضخ ما يربو على 800 مليون دولار لإنعاش الاقتصاد الأميركي.

الغرض من الإشارة إلى تلك السياسات التي لجأ إليها أكبر اقتصادين في العالم وهما الأميركي ومن بعده الياباني الذي يشكلان سوية ما نسبته 42 في المئة من الاقتصاد العالمي، هو السياسات التقشفية، بدلا من الإنفاقية التي تلجأ الدول الخليجية لها اليوم، والتي هي على العكس تماما من سياسات طوكيو وواشنطن، فبدلا من أن تتوجه الحكومات الخليجية، خاصة وأنها بخلاف الكثير من سواها من الاقتصادات النامية بحوزتها كميات كبيرة من السيولة النقدية راكمتها خلال السنتين الماضيتين أثناء الارتفاع الفجائي والكبير في أسعار النفط، نحو الإنفاق وتطوير المشروعات، نجدها تختار الانكفاء، نراها تجمد بعض المشروعات المقرة، وتلجأ إلى سياسات تقشفية غير مبررة، لا تساهم في صد الأزمة، بل على العكس تفاقم من حدتها. والنتيجة الطبيعية لتجميد المشروعات، وخاصة تلك المتعلقة بإنشاء وتطوير البنية التحتية هي اضطرار الشركات إلى الاستغناء عن نسبة عالية من اليد العاملة، الأمر الذي من شأنه رفع نسبة البطالة، ومن ثم تقليص القدرات الشرائية وحجومها، مما يؤدي إلى إبطاء دورة رأس المال وتنشيط عناصر الكساد، وأحيانا التضخم.

فأخبار انهيار سوق العقار في دبي لم تعد من الأسرار، وتراجع المشروعات الأساسية، أو تجميدها في العديد من دول الخليج أصبح سياسة قريبة من المسلمات غير القابلة للمناقشة. وكل ذلك يجري تحت شعارات الاضطرار إلى الأخذ بسياسة التقشف تجاوبا مع الظروف التي ولدتها الأزمة، في حين أن المطلوب مخالف لذلك تماما، ويستدعي الإنفاق، لكنه ذلك الإنفاق الرشيد، وليس التبذير غير المجدي ولا المبرر.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً