العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ

شرودر في مهمة مستحيلة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تشكل دعوة المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى إجراء انتخابات مبكرة عبئا ثقيلا على حزبه وكذلك على حزب الخضر الشريك الصغير في الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه شرودر منذ أكتوبر/ تشرين الأول العام . 1998 إذ يتعين على الاستراتيجيين في الحزبين القيام بحملات انتخابية في مدينة فلينسبورغ في أقصى الشمال إلى مدينة فرايبورغ في أقصى الجنوب. غير أن المشكلة الكبرى التي يواجهها الاستراتيجيون من الحزبين هي عدم وجود قضايا يمكنهم عرضها على الناخبين لإقناعهم بمنح حكومة شرودر فرصة ثالثة وخصوصا أن الجو العام في البلاد يشير إلى احتمال مجيء حكومة جديدة إلى السلطة في برلين في سبتمبر/ أيلول المقبل وأن عهد الائتلاف الاشتراكي الأخضر الذي استمر سبعة أعوام يلفظ أنفاسه الأخيرة.

شتيفي ليمكي تشرف على الحملة الانتخابية لحزب الخضر. على مكتبها في مقر الحزب بمدينة برلين زجاجة كولا وحاسوب محمول وملصقات انتخابية وكتاب يحمل عنوان "حملات انتخابية". الكتاب باللغة الإنجليزية مصدره الولايات المتحدة الأميركية. أمام شتيفي ورفاقها في الفريق الانتخابي في حزب الخضر قرابة مئة يوم للقيام بحملة في طول ألمانيا وعرضها بهدف إقناع الناخبين كي يصوتوا لصالح حزب الخضر. طبعا تأمل شتيفي ليمكي بمساعدة من مضمون الكتاب. لكن لو راجعت شتيفي نتائج عمليات استطلاع الرأي الأخيرة فإنها ستصاب بالإحباط وستدرك على الفور أن استئثار الائتلاف الاشتراكي الأخضر بالسلطة في ألمانيا يحتاج إلى معجزة. دلت النتائج على أنه في حال جرت الانتخابات العامة يوم الأحد المقبل سيحصل الاتحاد المسيحي على نسبة 44 في المئة من الأصوات مقابل 29 في المئة للاشتراكيين و8 في المئة للخضر وسيحصل الحزب الليبرالي على نسبة 7 في المئة وحزب الاشتراكية الديمقراطية على 5 في المئة. يذكر أن شرودر لم يعلن حتى الآن أنه عازم على مواصلة تحالفه مع الخضر في حال حصول معجزة في سبتمبر المقبل. باعتقاد المحللين السياسيين هنا أن شرودر يرغب في مواصلة عمله في المستشارية، لكنه لا يكترث كثيرا من يكون شريكه في السلطة. وكانت دعوته إلى انتخابات مبكرة قد أثارت غضب كثيرين في حزب الخضر الذين اتهموه بالتسرع وخصوصا أن الانتخابات العامة مقررة في سبتمبر .2006 يذكر أن شرودر حين نجح في الإطاحة بحكومة المستشار السابق هيلموت كول قبل سبعة أعوام ظهر في المرحلة الساخنة من الحملة الانتخابية جنبا إلى جنب مع يوشكا فيشر الزعيم الخفي للخضر وكان واضحا أنه في حال الفوز سيتم تشكيل ائتلاف بين الاشتراكيين والخضر. هذه المرة على كل طرف السعي للنفاذ بجلده. يراهن الخضر على السياسي الوحيد البارز في حزبهم، فيشر الذي بدأ حملته الانتخابية كمؤلف لكتاب يطرح فيه وجهات نظره حيال عالم أفضل يحمل عنوان: عودة التاريخ. غير أن المعلق البارز في صحيفة "زود دويتشه" الصادرة بمدينة ميونيخ شتيفان كورنيليوس قال إن فيشر أدرك أن نهاية الائتلاف الاشتراكي الأخضر دنت وقرر أن يترك هذا الكتاب الذي يتحدث فيه عن التغيير الذي طرأ على العالم بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر وصدمة رفض الميثاق الأوروبي التي عبر عنها الفرنسيون والهولنديون كما يدعو فيه أوروبا إلى عقد مصالحة والتلاحم من جديد مع الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تحديات القرن الـ .21

على بعد ثلاث كيلومترات فقط من مقر حزب الخضر، يقع مقر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في مبنى يسمى: بيت فيلي برانت، نسبة للمستشار الاشتراكي الذي توفي في سبتمبر .1992 تم منذ وقت إنشاء مركز الحملة الانتخابية وعلى باب القاعة الرئيسية التي يدور فيها نشاط فريق الحملة لافتة كتب عليها باللون الأحمر: غرفة الهاتف الأحمر. كلف الحزب الاشتراكي فريقا قوامه 200 من العاملين لإدارة حملته الانتخابية وهذا العدد ضعف عدد فريق الحملتين السابقتين. الجديد هذه المرة أن الحملة الانتخابية ستدار من داخل المقر الرئيسي للحزب. إنها معركة يائسة تلك التي وقع فيها الاشتراكيون والخضر الذين يواجهون أصعب حملة انتخابية في تاريخهم. لا تتوافر في جعبهم حجج تثير انتباه الناخبين وتجعلهم يؤيدون ولاية ثالثة لحكومة كشفت عن عجزها قبل عام على نهاية ولايتها الثانية. في العام 2002 شعر شرودر بقلق الناخبين الألمان تجاه حرب في العراق وخوفهم من مشاركة جنود ألمان بها، ما جعله يتحدى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ويرفض المشاركة في الحرب وراح يحذر من عواقبها. غالبية الألمان يعتقدون اليوم أيضا أن شرودر كان محقا في تحذيره. فالحرب في هذا البلد العربي مازالت مستمرة وقد كلفت عشرات الآلاف من القتلى في صفوف العراقيين وأكثر من 1500 جندي أميركي. لأول مرة لعبت السياسة الخارجية دورا حاسما في انتخابات عامة بألمانيا، إذ ظهر انطباع عند الناخبين في ذلك الوقت بأن إدموند شتويبر مرشح الاتحاد المسيحي سيستجيب لطلب بوش بأن يجري إرسال جنود ألمان إلى حرب العراق لأن شتويبر لم يكشف عن موقف صريح على رغم أن الناخبين كانوا يفضلونه على شرودر لمواجهة أزمة البطالة المستفحلة ووقف تدهور الوضع الاقتصادي لألمانيا. هذه المرة ليس هناك حرب ولا خطر إرسال جنود ألمان بل تشغل الناخبين قضايا تتعلق مباشرة بحياتهم. ولا يبدو أن الاشتراكيين والخضر يملكون وصفات ناجعة للمشكلات القائمة ولاسيما أن غالبية الألمان تملكهم الخوف تجاه إصلاحات سوق العمل بصورة خاصة كما غضبوا كثيرا للتغييرات التي تمت في مجال النظام الصحي الذي كان في الماضي الأفضل في العالم. ليسوا كثيرين الذين يحملون حكومة شرودر تهمة التسبب في زيادة الغني غنى والفقير عدما. لم يفصح شرودر عن الهدف الحقيقي وراء رغبته في انتخابات مبكرة والتفسير الوحيد أنه أقدم على هذه الخطوة قبل عام على الانتخابات العامة المقررة في نهاية 2006 لينقذ حزبه من هزيمة قاسية، لكنه قرر المغامرة بمستقبله السياسي وبمستقبل حزبه الاشتراكي وكذلك بمستقبل حزب الخضر. يستبعد المراقبون ظهور مفاجآت حتى موعد الانتخابات القادمة ففي الأول من يوليو/ تموز المقبل سيجري طرح الثقة بالحكومة في البرلمان والمخطط له قيام الوزراء بالتصويت ضد الثقة كي يسهل حل البرلمان وتحديد موعد لانتخابات جديدة. ورقة شرودر الوحيدة هي أجندة الإصلاحات التي يريد أن يصارح الألمان بجدواها وسيقول للألمان إنها ستنقذ ألمانيا من السقوط. في الوقت نفسه سيطرح برنامجه للسنوات الأربع المقبلة في حال أعيد انتخابه في منصبه للمرة الثالثة. كما يواجه حزب الخضر مشكلات مشابهة. فزعيمهم الخفي فيشر تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ بعد تحميله مسئولية فضيحة التأشيرات كما أن الخضر لم ينجحوا في السنوات السبع الماضية بإظهار وجه سياسي آخر. وليس لدى الخضر أوراق انتخابية ملفتة للانتباه وسيكتفون في حملتهم بترويج أن حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر حققت إنجازات. هناك مشكلة إضافية للائتلاف الاشتراكي الأخضر. فقد نشأ تحالف اليسار الألماني الجديد بين حزب يساري يقوده الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي أوسكار لافونتين وحزب الاشتراكية الديمقراطية خليفة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية السابقة. وكان لافونتين بين السياسيين الاشتراكيين الذين صنعوا الفوز على حكومة كول وشغل منصبا وزاريا ثم استقال بصورة مفاجئة من مناصبه كافة وقبل أيام أعاد كتاب العضوية للحزب الاشتراكي بعد أن ناصب شرودر العداء. يسود قلق في أوساط الاشتراكيين بعد ظهور تحلف يساري منافس واعترف بيورن إنجهولم الرئيس السابق للحزب الاشتراكي بأن عزم لافونتين دخول المعركة الانتخابية لهدف دخول البرلمان يشكل تحديا كبيرا للحزب الاشتراكي. وكشفت عملية استطلاع أجرتها محطة التلفزيون الثانية شبه الرسمية "زد دي إف" أن نسبة 15 في المئة من مؤيدي الحزب الاشتراكي سيصوتون لصالح التحالف اليساري الجديد في سبتمبر. ولاتزال قيادة الحزب الاشتراكي تسخر من لافونتين وتتهمه بمد يده للشيوعيين من أجل الفوز بمقعد نيابي. بيد أن الحملة الانتخابية لم تبدأ رسميا بعد، إلا أن ألمانيا أصبحت مستعدة للتغيير الحكومي المحتمل. على الطرف الآخر يقف الاتحاد المسيحي الديمقراطي وراء مرشحته للمستشارية أنجيلا ميركل التي ستكون أول امرأة تفوز بمنصب المستشار وتنحدر ميركل من الشطر الشرقي، إذ يأمل الاتحاد المسيحي أن يسهم ذلك في الفوز بتأييد واسع لهم في الولايات الخمس الجديدة التي تشكلت على أرض ألمانيا الشرقية السابقة، ويقف الحزب الليبرالي وراء زعيمه المحامي جيدو فيسترفيلله الذي اعترف قبل عام بشذوذه الجنسي ومنذ ذلك الوقت أصبح حزبه يستقطب أعدادا متزايدة من الشاذين جنسيا الذين يطالبون بحق الزواج. باستثناء شرودر ليس في الحزب الاشتراكي سياسي لامع آخر وهذا غير كاف لضمان فوز ائتلاف عاجز بولاية جديدة

العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً