العدد 1027 - الثلثاء 28 يونيو 2005م الموافق 21 جمادى الأولى 1426هـ

المهندس... ابن الحداد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ردة الفعل الأميركية على الانتخابات الرئاسية الإيرانية غير مبررة. فالتصريحات التي صدرت عن المسئولين في البيت الأبيض اعطت تفسيرات غير دقيقة عن قناعات الناس وتفضيلهم لهذا المترشح على ذاك. فواشنطن قرأت اشارات الانتخابات السياسية بأسلوب سلبي وخلصت باستنتاجات ليست بالضرورة صحيحة. فهي ركزت على الجانب الدولي "الاستراتيجي" في علاقات إيران الاقليمية وغيبت العوامل الداخلية ومجموع العناصر المحلية التي تؤسس لمثل هذه القناعات عند الناس. فالجمهور الإيراني عندما اقترع لمحمود أحمدي نجاد لم يقرر إعلان الحرب أو أنه انحاز للتطرف وغيرها من مفردات لجأت إليها الإدارة الأميركية لشرح وجهة نظرها.

المسألة لا يمكن اختصارها بكلمة أو كلمتين، كذلك من الصعب وضع نتائجها في نطاق التفكير الأميركي في دائرة تسميها "الشرق الأوسط الكبير". فالكلام عن وجود نزعة إيرانية تدفع العلاقات مع دول الجوار نحو التأزم غير سليم. فهو يخفي في طياته سياسة تريد قلب الطاولة من خلال تغيير المعادلة الاقليمية أو تصوير الحقائق معكوسة.

واشنطن تحاول من خلال تكرار الكلام عن القلق وعدم الاستقرار تحميل طهران مسئولية فشل سياستها في العراق وتعليق النتائج الكارثية التي ترتبت عن احتلالها لبلاد الرافدين وتقويض دولتها وما نجم عنه من تداعيات أمنية وفراغات سياسية للدول المجاورة. هذه الذريعة ليست كافية لتلعب دور "الشماعة" الاقليمية لتحسين سمعة السياسة الأميركية وتبرير مشروع إعادة هيكلة دول المنطقة.

إيران الآن تغيرت والظروف التي أوجبت قيام الثورة وإعلان الجمهورية لم تعد قائمة. فهذه التحولات أصبحت تنتمي إلى زمن مضى. وما مضى لا يمكن استعادته وكأن الأمور لاتزال على حالها. والكلام الأميركي عن احتمال العودة إلى "المربع صفر" ليس دقيقا بل هو ضد السياسة ويفتقر إلى المنطق التاريخي لقبوله. فالعودة إلى "المربع صفر" ليست واردة لاعتبارات كثيرة منها أن إيران نفسها تجاوزت تلك المرحلة ووصلت إلى مكان يسمح لها بالاستقرار بحثا عن وسائل جديدة تتناسب مع حاجاتها للتطور في المستقبل.

منطق "العودة إلى الصفر" يتعارض أصلا مع مبدأ الثورة نفسها والتحولات التي مرت بها... وتمر بها كل ثورة حصلت أو تحصل في العالم.

الثورات عادة تتألف من ثلاث محطات: الأولى تبدأ باشتعال النيران. والثانية تأخذ بتصحيح الأوضاع وإعادة هيكلة الدولة لتتناسب مع المجتمع. والثالثة تبحث عن الاستقرار مستفيدة من تلك التحولات التي تحققت.

إيران الآن أصبحت في المحطة الثالثة بعد مضي ربع قرن على ثورتها، وبالتالي فإن الكلام عن العودة إلى المحطة الأولى "المربع صفر" ليس دقيقا ويتعارض مع التطور الزمني الذي تمر به مختلف الثورات في العالم. وربما يكون اختيار الجمهور الإيراني المهندس "ابن الحداد" رئيسا للدولة هو الرد على تلك الحاجة الداخلية التي يطمح إليها الناس: الاستقرار.

الرئيس المنتخب "مهندس وابن حداد". ومهنة الحداد تشبه كثيرا الثورات في محطاتها الزمنية الثلاث. فالحداد يشعل النار وينفخ فيها، ثم يأتي بالحديد ليطوعه ويأخذ بطرقه وتطويعه حتى يأخذ الشكل "الهيكل" الذي يريده. وأخيرا وبعد أن يطوع الحديد وفق التصور الذي رسمه يضع الحداد المعدن في إطاره الأخير في مياه باردة.

المهندس "الرئيس المنتخب" هو ابن حداد ويعرف جيدا اسرار تلك المهنة المتعبة التي تحتاج إلى القوة والمثابرة والاصرار على تطويع المعدن بالنار الحامية والطرق المستمر. ويعرف ايضا ان الحديد حين يأخذ شكله النهائي "المنجز" لا بد من تبريده "استقراره" ولا يجوز إعادته مجددا إلى النار وثم الطرق والتطويع. فإيران الآن وبعد ربع قرن من الزمن على الثورة اجتازت مرحلة النار ومرحلة التطويع "إعادة هيكلة الدولة" ودخلت مرحلة جديدة هي التبريد "الاستقرار".

إيران وفق منطق الثورات التاريخية دخلت محطتها الثالثة "التبريد". وجمهورها في غالبيته النسبية توافق انتخابيا على اختيار المهندس ابن الحداد رئيسا لفترة الهدوء... والاستقرار. وهذا كما يبدو لا تريد الولايات المتحدة حصوله. فواشنطن هي من تدفع بالمنطقة إلى "المربع الصفر" لإعادة تطويع دولها لتتناسب مع مشروعها الخاص

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1027 - الثلثاء 28 يونيو 2005م الموافق 21 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً