العدد 2910 - الثلثاء 24 أغسطس 2010م الموافق 14 رمضان 1431هـ

سهرة الألم والأمل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حين توجهت إلى صالة طيران الخليج مساء الإثنين، لحضور احتفال جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر، كنت أتوقع حضوراً لا يزيد على مئة شخص، ولكن فوجئت بامتلاء الصالة الكبيرة بأكثر من ثماني مئة وخمسين شخصاً، حرص أغلبهم على البقاء ومتابعة فقرات الحفل من الثامنة والنصف مساءً حتى الواحدة بعد منتصف الليل.

في كلمته الهامسة، أهاب رئيس الجمعية بما تقوم به من جهود للفت الأنظار لحلّ مشكلة مرضى السكلر، وتساءل: هل تظنّونني أستمتع بالوقوف على قبور زملائي وإخواني الراحلين؟ فاثنان من منظمي حفل العام الماضي غيّبهما الموت عنّا هذا العام.

ملف مرضى السكلر غير قابل للتأجيل أكثر، وسيبقى مفتوحاً حتى يتم حله. وفي صبيحة يوم الاحتفال نفسه، نشرت الصحف خبراً عن توجيه مجلس الوزراء لوضع خطةٍ وطنيةٍ وعلميةٍ لمواجهة المرض، وكلّف وزيري الصحة والعدل والشئون الإسلامية بإعداد خطة تفضي إلى مواجهة هذا المرض طبياً وتشريعياً وشرعياً، بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص. والمعنى المستخلص أن القضية بدأت تتفاعل على مستوى رئاسة الوزراء، وهي بادرة خيرٍ يستبشر بها الكثيرون.

الجمعية المذكورة من الجمعيات الفتية بمعنى الكلمة، فأغلب منتسبيها من الشباب من الجنسين. وقد شمل الحفل عدة فقرات، غلب عليها الطابع الفني. فبعد الكلمة الافتتاحية، قدّم شباب الجمعية فيلماً مدته عشر دقائق، جميع ممثليه من مرضى السكلر، لم ينطقوا خلاله بكلمةٍ واحدة، وإنما اكتفى المخرج الشاب بخلفيةٍ موسيقيةٍ معبّرةٍ تتناغم مع الجوّ النفسي الذي يتقلّب فيه هؤلاء بين الألم والأمل.

الفقرة التالية كانت مسرحيةً من ثلاثة فصول، طالت لأكثر من ساعة واحدة، 70 في المئة من الممثلين فيها كانوا من مرضى السكلر. وبرز من بينهم عددٌ من الشباب والفتيات ممن أجادوا أدوارهم، واستنزلوا بعض الدموع من مآقي المشاهدين، في بعض المشاهد العاطفية المعبّرة، التي أدّوها بكل عفوية وصدق. ونجحت المسرحية في تقديم واقع ضحايا السكلر، بين مشاعر السعادة والآمال التي تراودهم في حياة طبيعية كسِوَاهم من الناس؛ وبين المعاناة في قسم الطوارئ بالسلمانية حيث يفترش بعضهم الممرات في انتظار سرير.

كان على يميني طبيبٌ، وعلى يساري صديقٌ يرأس جمعيةً أهلية، عاد لتوّه من أحد المراكز الصحية، بعدما أودع ابنه المصاب بالسكلر هناك، لخوفه من الذهاب إلى الطوارئ خشية الموت. وهي إشارةٌ ليس فيها أي مبالغة على الإطلاق، فقد تكرّرت في أكثر من مشهدٍ بالمسرحية، ما يؤكّد هاجس الخوف الشديد من هذا المصير، إذ يصيح أحدهم: «أخرجني من الطوارئ، لا أريد أن أموت. كل أصدقائي ماتوا في العناية المركزة»، وهي صرخة ألم تمنيت أن تصل إلى وزير الصحة وطاقمه الإداري. والقراء يتذكّرون بلا شكٍ، أخبار الوفيات المتعدّدة والفجائية خلال هذا الشهر بالتحديد.

العمل الإبداعي الثالث كان «أوبريت» شارك فيه نحو عشرين شاباً، أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات، 40 في المئة منهم من مرضى السكلر، وقدّموا ثلاث مقطوعات إنشادية عن معاناتهم وعن حبهم وعشقهم وتعلّقهم بتراب الوطن.

جمعيةٌ فتيةٌ مملوءة حيويةً ونشاطاً، أشبه بطائر الفينيق، تتسامى على جراحها وآلامها، اختارت أن تعبّر عن معاناتها بطريقة فنية راقية. إنه صوت الأمل الذي يصارع الآلام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2910 - الثلثاء 24 أغسطس 2010م الموافق 14 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:03 م

      لا تلقونا نحو الألم .. نحتاج من يرحم

      من يرحمنا في هذه الديره ؟!!!
      لماذا لا يكون مستشفى خاص لهذي الحاله ..
      ألاف من المصابين وألاف ألاف من الحاملين للمرض ..
      وبكل صراحه المهرجان بكل فقراته كانت تعور القلب ..
      المسرحية كانت تتكلم الواقع اللي حاصل ..
      و الفقرات الإنشاديه كانت فيه رساله قويه للحكومه ..
      ااشكر جمعية السكلر على هذا المهرجان الأكثر من روعه .. والله يحفظ اخوانه جميعً

    • زائر 5 | 8:41 ص

      عمك اصمخ

      إذا كانت الحكومة تصم أذانها عن ذالك المعذبين فأين أصحاب الايادي البيضاء اليس هناك فئة التجار قادرة على حل تلك المشكلة !أو أين أبحاث الاطباء التي تصب في الاقل التخفيف من معاناة تلك المرضى !.

    • زائر 4 | 7:18 ص

      نتمناه من الوزير....

      والله ثم والله لو المرض يعاني من الطائفتين لعملوا الحل من زمان ولكن طائفة واحدة هي التي تتألم على فراق أحبتها.
      نتمناه من الوزير العمل بجد بما قدمه مجلس الوزراء لوضع خطةٍ وطنيةٍ وعلميةٍ لمواجهة المرض،

    • زائر 3 | 6:45 ص

      الله فرج عنهم يا كريم

      يذيقونا حسرة عندما نسمع أخبارهم

    • سترة نور العين | 1:22 ص

      ستــ نور العين ــرة

      «أخرجني من الطوارئ، لا أريد أن أموت. كل أصدقائي ماتوا في العناية المركزة» ... لا حول الله ولا قوه الا بالله العلي العظيم إنّا لله وإنّا اليه راجعون هذه الكلمات حتى قاسي القلب بيسمعها بيتألم ويضيق صدره وتدمع عيناه من اللي يشوفة ويسمعة

      أين أنتم يا مسئولين ؟ أين الرحمة ؟

      اللهم صل على محمد وآل محمد وشافي جميع المرضى وتفرح قلوبهم وقلوب أهاليهم.....

    • زائر 1 | 10:31 م

      الالم ثم الموت المحتم

      صرخات تتبعها صرخات في ظل هذا الوضع الردئ من الخدمة الصحية الضعيفة. تلك الصرخات لا تتجاوز جدران صالة الحفل .. لتبقى في قلوب المعذبين من هذا المرض وكأن الدولة حكمت على هؤلاء المرضى بالموت البطئ، في ظل تعمد مقصود وخدمات متردية سيبقى هذا السيناريوا الى ذلك اليوم الذي تقول فيه .. أنتهى أنتهى لقد أنتهى هذا المرض وذهب هؤلاء المرضى بلا رجعى.

اقرأ ايضاً