العدد 2918 - الأربعاء 01 سبتمبر 2010م الموافق 22 رمضان 1431هـ

عبدالمحسن آل شهاب... من ملوك اللؤلؤ

رجال من زمن اللؤلؤ (2)

عاشت شخصياتنا التي نحن بصدد الحديث عنها من زمن اللؤلؤ في البحرين بين القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد، وربما كان ذلك من حسن طالع أولئك الأشخاص ليتبوأوا مكاناً مرموقاً في مجتمعهم اقتصادياً واجتماعياً بل وحتى سياسياً بسبب الطفرات الهائلة لتجارة اللؤلؤ في تلك الأزمنة بين نهاية القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين تحديداً. فقد كان بعضهم يساهم حتى في دعم موازنات الحكومة، ضاربين أروع الأمثلة على الخلق الرفيع والأصيل للبحريني في علاقته مع رجال الحكم إذا ما صفت الأجواء والنفوس في حب الوطن.

كان القرن التاسع عشر الميلادي من أكثر الفترات الاقتصادية ازدهاراً في منطقة الخليج من حيث تجارة اللؤلؤ بسبب ارتباط المنطقة كلها بالهند حيث المركز الرئيس لشراء اللؤلؤ وخصوصاً مدينة (بمباي) وبسبب توافر المواصلات البحرية، إذ كانت السفن البريطانية والألمانية تبحر من (بمباي) إلى مدينة (لنجة) ثم إلى البصرة، مروراً بالبحرين والكويت والمحمرة ذهاباً وإيابا. إلا أن أساليب التضييق على القبائل العربية التي كانت تسكن إمارة لنجة وبقية الساحل الشرقي للخليج من قبل الحكومات المتعاقبة، أدى لانتقال تجارة اللؤلؤ وتجارها ومركزها إلى الساحل العربي من الخليج وبالذات إلى البحرين ودبي وأبوظبي والشارقة وقطر والكويت حيث أصبحت هي المراكز المهمة في التصدير إلي الهند.

وبناءً على ذلك، فقد بدأ اللؤلؤ يشكل نحو 90 في المئة من مجمل صادرات البحرين للعالم الخارجي منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى بعد اكتشاف النفط بفترة. وكانت مهنة صيد اللؤلؤ والاتجار به حتى الثلث الأول من القرن العشرين تشغل 50 في المئة من الأيدي العاملة من الذكور كما أنها فتحت مجالات صناعية أخرى مرتبطة بها كصناعة السفن التي اشتهرت بها البحرين أيضاً.

ومع مطلع القرن العشرين -كما يذكر لوريمر- كان ما يزال معظم سكان الساحل العربي من الخليج يعملون في مهنة الغوص، ففي موسم العام 1907 بلغ عدد السفن المملوكة والمستأجرة التي عملت في مصائد اللؤلؤ الخليجية في الساحل الغربي من الخليج نحو 3577 سفينة وعدد العاملين في هذه المهنة على ظهر تلك السفن وصل إلى 65212 نسمة ينتشرون ما بين مغاصات اللؤلؤ في الساحل العربي من ساحل العدان في الكويت حتى رأس تنورة ومن رأس تنورة حتى دبي. ولتقدير أهمية مصائد اللؤلؤ تلك، يجب أن لا يغيب عن البال أفراد عائلات المشتغلين بها ورجال المال بين كبير وصغير الذين يستغلون أموالهم في هذه التجارة.

ولأهمية تجارة اللؤلؤ في إجمالي الدخل القومي للبحرين فقط، يكفي القول إنه في الفترة ما بين 1873 – 1905 كان متوسط ما يستخرج من لؤلؤ في البحرين بالقيمة الشرائية له آنذاك يصل إلى 3،837 ملايين روبية أي 25،737 جنيهاً إسترلينياً. وكان هذا القدر يزيد على 40 في المئة من قيمة اللؤلؤ المستخرج من منطقة الخليج برمتها. كما بلغت قيمة اللؤلؤ المستخرج من البحرين بين أعوام 1905 – 1906 م فقط نحو 1،434،399 جنيهاً إسترلينياً على أقل تقدير، ومن هنا فقد اعتمد اقتصاد الدولة في معظمه على الضرائب التي تفرض على صيد وتجارة اللؤلؤ حيث شكلت جزءاً كبيراً من موازنة الدولة في تلك الفترة أي ما يقارب 54 في المئة من تلك الموازنة.


أشهر طواويش البحرين:

كان لابد من ذكر تلك المعلومات الموجزة كخلفية للساحة الاقتصادية التي عمل فيها تجار اللؤلؤ والطواويش منذ نعومة أظافرهم، وهي ساحة تجارة اللؤلؤ البحريني.

فلو تتبعنا أهم وأشهر طواويش البحرين بين القرنين التاسع عشر والعشرين والذين تم التوصل لأسمائهم من عدة مراجع بين الساحل الغربي لجزر البحرين مروراً بالمنامة والمحرق فسنجد أسماء عديدة حفظ الزمان ذكر بعضهم وأغفل ذكر آخرين. وإذا توقفنا مثلاً بداية عند شارع البديع وسواحله وقراه، لصادفتنا أسماء عديدة بعضها تم الكتابة عنه في أكثر من مرجع والبعض لم يتم ذكرهم حتى اليوم إلا بالاسم كما دونها الباحث في تاريخ الغوص الخليجي سيف مرزوق الشملان. ومن أمثال طواويش اللؤلؤ في تلك المنطقة: عبد الله بن حسن الدوسري، خميس بن شاهين الدوسري، عيسي بن أحمد الدوسري، عبداللطيف بن إبراهيم الدوسري، أحمد بن عبدالله الدوسري، محمد بن راشد الدوسري، محمد الخان. ومن الدراز يبرز اسم واحد فقط وهو الحاج عبدالمحسن بن شهاب، ومن السنابس يبرز اسمان فقط وهما الحاج أحمد بن خميس والحاج يوسف بن رستم، وآخرون سيتم ذكرهم لاحقاً خلال هذه الدراسة.


حكاية دانة عبدالمحسن السوداء:

عندما دخل مهنة الغوص في مياه الهيرات البحرينية كان عمره خمسة عشر عاماً فقط... لم يكن يتوقع حينها أنه سيصبح ذات يوم من أكبر تجار اللؤلؤ ليس في الدراز وحدها فقط ولا في شارع البديع كذلك بل على مستوى البحرين والخليج وأسواق اللؤلؤ أيضاً. كما أنه لم يكن يحلم وهو على ظهر سفينة الغوص وسط لجة المياه الزرقاء ومن أسفل منه « الجواجب» وعيناه تنظر للنجوم ذات مساء وهي تشع في كبد سماء صافية؛ أنه سيكون ذات يوم مالك لدانة سوداء تساوي بسعر اليوم أكثر من ألفي دينار.

هذه كانت بداية عبد المحسن بن متروك بن محمد بن مرهون آل شهاب، تاجر اللؤلؤ الشهير جداً في الدراز. وبمراجعة شجرة العائلة المرفقة بالموضوع اتضح أنه لم يتم التعرف بعد على أصل العائلة القبلي حتى اليوم وذلك لوفاة كل أفراد الجيل الأول لهذه الأسرة أما الأحفاد فلا علم لهم بتلك الأصول لعدم تداولها كما يبدو كثيراً بين أفراد العائلة في الأجيال السابقة. لكن عائلة آل شهاب اليوم معروفة جداً في البحرين ويربو عدد أفرادها على 500 نسمة موزعين بين معظم مناطق البحرين مع تركز أكثرهم في الدراز والمناطق المحيطة بها، هذا بخلاف تفرعاتهم بمصاهرة العوائل البحرينية الأخرى.

ولد الحاج عبدالمحسن بن متروك آل شهاب في أقرب التقديرات العام 1860 وسط عائلة عمل أفرادها من قبل في مهنة الغوص ولم تصلنا معلومات أخرى عمن سبقه في هذه المهنة. زوجه والده الحاج متروك في سن مبكرة من فتاة شهابية من العائلة فرع الخيلان اسمها سلامة بنت حجي شهاب، وبقي عبدالمحسن وفياً لزوجته فلم يتزوج غيرها كعادة تجار ووجهاء ذاك الزمان بسبب كثرة أسفارهم وخصوصاً إلى الهند. أنجب من زوجته أحمد، حكيمة، ونعيمة (وهي والدة الدكتور فيصل شهاب وشقيقه توفيق). وأحمد أنجب ذرية من سبعة أبناء هم: محمد علي، عبد الصمد، عبد المحسن، عبد الغني، وحميد، ومن البنات مريم ومعصومة.

كانت علاقة الحاج عبدالمحسن بأبنائه مميزة، حيث اهتم بتربيتهم على أكمل وجه وحثهم على التمسك بدينهم وعدم ترك الفرائض والسنن وضرورة مد يد المساعدة للفقراء والمحتاجين، ووضع لهم منهاجاً تربوياً في الحياة رغم مشاغله في تجارة اللؤلؤ والسفر إلى خارج البحرين. كما رسخ في أبنائه وخصوصاً ابنه البكر أحمد، حب العلم والثقافة وتعلم اللغات. ولذا كان أحمد من الشهابيين الذين درسوا اللغة الانجليزية في الهند كما أتقن الأوردو، حتى أن بعض تجار اللؤلؤ أصدقاء عبدالمحسن عابوا عليه أن يترك ولده يتعلم على يد طائفة «البُنيان» اللغة الانجليزية فرد عليهم بحكمة بالغة، أن ولده يأخذ من هؤلاء ما يفيده وهي اللغة وليس ما يضره، باعتبار أن تلك الطائفة ليست مسلمة.

أضف إلى ذلك، أن عبدالمحسن كان واسع الاطلاع ثقف نفسه بنفسه بالرغم من أنه لم يتعلم في المدارس، إلا أنه كتجار ذاك الزمان كان حريصاً على تعلم كل شيء في مهنته، لذا فقد امتلك معلومات جيدة في كثير من العلوم وخصوصاً ما يتعلق منها بالاقتصاد والشريعة الإسلامية السمحاء والعقيدة الجعفرية.

وعندما بدأت تتوسع أعماله في تجارة اللؤلؤ بين البحرين والهند حدث له ذات يوم وهو في سوق الطواويش ما جعله يُسر كثيراً بسبب ما عثر عليه بالصدفة وزاد من تجارته... يتبع...

المراجع:

- كمال الدين، محمد حسن، عبقرية الانتماء عائلة الفردان من قرية سترة إلى سواحل الخليج، (البحرين، 2007).

- الشملان، سيف مرزوق، صفحات من تاريخ الغوص في البحرين، مجلة الوثيقة، العدد 7، (البحرين، 1957).

- ج. ج. لوريمر، دليل الخليج، القسم التاريخي، ج 6 (قطر، 1990).

- الشملان، عبد الله خليفة، لؤلؤ البحرين: أشكاله وأنواعه وطرق تقييمه، مركز البحرين للدراسات والبحوث.

- خليل المريخي، لمحات من ماضي البحرين.

العدد 2918 - الأربعاء 01 سبتمبر 2010م الموافق 22 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:34 ص

      آل ابراهيم

      ملوك اللؤلو هم : جاسم آل ابراهيم و هلال المطيري من الكويت

    • زائر 2 | 10:18 ص

      بخصوص طواويش السنابس احمد بن خميس ويوسف بن داغر

      الى الاخ الكاتب محمد حميد السلمان وبعض المورخين والكتاب لاتوجد اسم عائلة يوسف بن رستم في السنابس بل موجود اسماء الطواويش هم احمد بن خميس ويوسف بن داغر -فقط لتوضيح الامر وتصحيح المعلومات للجميع -وكيف هي العلاقة والنسب بين العائلتين-وشكرا

    • زائر 1 | 6:10 ص

      شهابية و افتخر

      عبدالمحسن اال شهاب ملك اللؤلؤ جدي كان في زمنهم العمل والرزق هو البحر فاشتهر بصيد اللؤلؤ الثمين ما احلى هذه المهن ما اجمل زمن الماضي ياريت يرجع زمن اوال الحين و على فكرة هذي المهنة لم تتعودين عليه تحبين تمارسينه

اقرأ ايضاً