العدد 2918 - الأربعاء 01 سبتمبر 2010م الموافق 22 رمضان 1431هـ

السلطة والمعارضة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أفضل المِهَن هي عندما تكون معارضاً سياسياً. تستطيع أن تقول في السلطة ما لم يقله مالكٌ في الخمر. كلّ شيء مباح. فالخصم بالنسبة للمعارضة كَتِيْهٍ مفتوح، تُصيبُ أرضه كيفما اتفق. وعندما تُدار معركة ما بين آحاد ومجموع فإن التعاطف عادة ما يُصبح في نصيب الأول.

في تلك الأجواء تستغرق المعارضات في المظلومية المطلقة، وتعيش دور الضّحية دون سؤال من أحد عن صِدقيّة ما هي فيه. فكلّ شيء في السلطة «أسْوَد قاتم». وكلّ ما لها وبها «أبيض ناصع». حتى الكذب والافتراء يُصبح أبيض بل وحقيقة يُسْتَنَد عليها في السجالات.

بطبيعة الحال، فإن نسبة التطابق بين ما تقوله معارضة ما بحقّ نظام سياسي وواقعه تختلف باختلاف تلك الأنظمة. فمعارضة في دولة ريعية، تختلف عن معارضة ضد دولة شمولية حديدية. وفي الوقت الذي تدّعي فيه الأولى الإمساك بالحقيقة، تلامس الثانية جمر الواقع وبمرارة.

لكن المشكلة في اعتقادي لا تكمن في ذلك المنسوب وحسب. وإنما في أوضاع تلك المعارضات عندما تلتهِم السلطة. فغايات الخطاب السياسي بالنسبة لها لا تنتهي في أحسن الأحوال إلاّ إلى حرب نفسية تُشَن ضد الخصم. أما الأكثر مصداقية هو قياس عمل المعارضة عندما تستلم الحكم.

طيلة ثلاثة عقود كانت الأحزاب العراقية تنافح ضد حكم البعث. وقد أصابت في الكثير مما قالته بحقّه. بل إنها قصّرت في أحيان كثيرة في أنها لم تكتشف أكثر مما اكتشفته فيه من حيف. لكن الأهم من كلّ ذلك هو إسقاط ما كانت تقوله بحقّه على واقعها اليوم.

فهل عندما كانت تقول بأن نظام البعث كان طائفياً قد عَمِلَت بعكس ما كان يفعل؟ الجواب لا. بل إنها انغمست في المسألة الطائفية إلى الحد الذي جَبَّ فيه واقعها ما وقع في سالِف الأيام. ليصبح العراق يعيش في أكثر سنوات تاريخه انتباهاً لطوائفه وانتماءاته.

وهل عندما كانت تعِيب على البعث بأنه كان فاسداً في السلطة قد مسحت تلك الصفحة النتنة بطهارة يدها عندما استلمت الحكم؟ الجواب لا أيضاً. فـ 2772 قضية فساد صَدَرَ بشأنها عفو في عهدها رغم أن بعضاً منها كان بملغ أربعة مليارات دولار (وزارة الدفاع مثالاً)!

وهل عندما كانت تعيّر نظام صدام حسين بنقص الخدمات الصحية والمدنية للعراقيين، قد أتت ببديل أفضل منه أم إنهم جعلوا من بغداد تُسجّل الرقم 221 من بين أسوأ مدن العالم في الخدمات. وأصبحت دول إفريقية مهترئة أفضل منها بكثير (مدينة بانغي مثالاً).

وهل أن تعييرها نظام صدام بأنه كان دموياً يهوى المقابر الجماعية وتهجير سكّان الأهوار، قد دفعها بأن تكون أكثر حرصاً على حقن الدماء وحماية الناس، أم أن وجودها في السلطة قد أدى إلى تهجير اثنين وخمسين ألف أسرة من محافظة ديالى وحدها، ويُفقَد 2054 عراقياً، ويُعثَر على 120 مقبرة جماعيّة بفعل القتل الطائفي.

بالتأكيد ليس معنى ذلك أن نظام البعث الدموي والسلطوي كان أفضل من حال اليوم، لكن المرء يضع مقاربة بين ما كان وبين ما هو كائن. فالجميع لا يستطيع التعفّف عندما يصل إلى السلطة والنفوذ. فهي بالنسبة له مسألة حياة أو موت. انظروا إلى مسألة تشكيل الحكومة المُعطّلة منذ أشهر.

وإذا ما قُدِّرَ لمعارضة سياسية أن تحكم فليس هذا معناه أن رجالاتها سيكونون شرفاء، أو أن مدينة أفلاطون التي تحسّر عليها صاحبها ستُشيّد على أيديهم. هذه هرطقات. فالعيش على وثير السلطة، ليس كالعيش على حسك السعدان في المعارضة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2918 - الأربعاء 01 سبتمبر 2010م الموافق 22 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:46 ص

      قلة هم الشرفاء

      شكراً أستاذ محمد على هذا المقال المعبر .. نعم إن الشرفاء لقليلون إذا ماقورنوا بالمفسدين في الأرض فما يحدث في العراق ينطبق عليه المثل البحراني القائل: ألفين عمًار ماقدروا على خراب. فالمعارضة العراقية ياسيدي ليست كلها شريفة ، فمنهم المتمصلحون من المعارضة ومنهم الطائفيون ومنهم المفخخون ومنهم أصحاب الأجندات مدفوعة الأجر ومنهم ومنهم.. في المحصلة النهائية الحالة العراقية حالة فريدة من نوعها ولا يمكن القياس عليها لأنه سيكون قياس مع الفارق/ عزيز الدرازي

    • Ebrahim Ganusan | 3:44 ص

      وآقع لايخفى على انسان عاقل

      إيران والعراق ومصر فيهم العبر _ ماأسهل أن تكون معارض , وكمايقال قديما إذا أرت أن تختبر أحد أعطيه مالا او سلطة

    • زائر 5 | 1:03 ص

      تسلم

      كلام جميل يابوعبدالله

    • زائر 3 | 11:01 م

      ماذا ولمن تقول

      الله عرف بالعقل والمنطق ولكنهم لم يعرفو المنطق والعقل فكيف يعرفو الله ولله نظام قال فيه ((لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي))فالله لم يكره انسانا على حبه وهم غصبا عليك والا .... وقل ما يريدوه ولا تتردد.

    • زائر 2 | 10:45 م

      عشنا وشفنا

      تكمله .. وان كان بالسابق يفقد حسب ماذكرت 2054 مفقود فأن المفقودين من 2003 الى 2010 اصبح مايقارب 20الف مفقود وايضا ان الفساد 2772 قضيه الان الفساد مستشري على مستوى مئات المليارات والله المستعان , عجبي ياأخي ان نصد عن شيئ على حساب شيئ أخر لان لو كانت هناك مقارنات لأصبح لك وللقارئ كل شيئ جليا ويصبح الشخص كالميزان في تفكيره ؟ وهنا يبدئ الحكم على ما ألت له الامور .. وشكرا .

    • زائر 1 | 10:35 م

      عشنا وشفنا

      اخي العزيز ... تمنيت ان تكتب عن بعض الاحصائيات التي يمكن أنها غابت عن احصائياتك ؟ ليس كلامي يعني التبجيل لنظام الطاغيه السابق ولكن ما نراه على ارض الواقع هو خير دليل , هل تعلم يا أخي العزيز ان في عام 1982 وفي عز الحرب العراقيه الايرانيه كانت جمهورية العراق هي الاول عالميا في (الرعايه الصحيه) حسب تقرير منظمة الصحه العالميه ,وأن مستوى القفر لم ولن يكون بمستوي الوضع الحالي , وان كان المهجرين في عهد صدام حسين 52الف اسره الان اصبح 2.5مليون مهجر يتبع

اقرأ ايضاً