العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ

مرحلة استثنائية بائسة بحاجة إلى مبادرة جريئة متميزة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

باستثناء الحاقدين على شعب البحرين، وفيما عدا المتمصلحين من عدم استتباب الأمن، ومعهم جميعاً من تمدهم القلاقل بالمزيد من النفوذ في صفوف الفئة أو الجهة التي يحرصون على التحكم في سلوكها السياسي، يصعب الحديث عن بحريني تسره الحال التي نحن عليها اليوم. ومن بيننا جميعا، ودون الحاجة إلى الاستعانة بالأرقام، أو التفتيش عن أماكن اندلاع الشغب، أو الإشارة بأصابع الاتهام نحو فئة، وتبرئة ذمة فئة أخرى، فإن الشباب البحريني المخلصين والمغرر بهم في آنٍ، هم وحدهم، دون سواهم، الخاسر الأكبر من كل ما يدور من أحداث العنف التي تعم البلاد اليوم.

هؤلاء الشباب، وعوضاً عن الارتقاء بمستوى تحصيلهم العلمي، وبدلاً من صقل مهاراتهم المهنية، أو احتكاكهم بالتطورات، والابتكارات التي تشهدها الصناعات العالمية، نجدهم ينجرفون في سباق محموم، ليس له ما يبرره، بحثاً عن إطار سيارة هنا، أو قارورة بسوائل الملوتوف هناك، من أجل استخدامهما في عملياتهم التي سينفذونها في وقت لاحق.

ومن هنا فإن من يقف وراء ما يجري اليوم في الساحة السياسية ويغذي أحداثها، لا يفرط في الحاضر فحسب، لكنه، وهذا هو الأسوأ يصر، دون الدخول في السرائر، على التضحية، وبشكل عبثي، بالمستقبل. لم نعد بحاجة للتسلح بأدوات البحث العلمي، ولا الرجوع إلى مدارس التحليل السياسي، كي نثبت أن البحرين تعيش اليوم مرحلة استثنائية، بالمعنى السلبي لحالة الاستثناء، من المحتم أنها تقودنا جميعاً نحو مستقبل مظلم، ربما لم تشهده أجيال من قبلنا، وستلعننا، بفضل إفرازات نتائجه الأجيال القادمة، لأننا سنسلمها بلداً خالي الوفاض اقتصادياً، ومشلول الحركة سياسياً، وفي غرفة الإنعاش اجتماعياً، جراء تضافر العناصر السلبية لهذه الحالة الاستثنائية.

ليست هذه صورة إبداعية تعرض فوق أحد المنابر الأدبية، بل هي استقراء علمي للنهاية المظلمة التي سوف تؤول لها البحرين، ما لم تتظافر جهود المخلصين لوقف تدهورها، وتمتد أيديهم لإنقاذها، من هذه الحالة الاستثنائية التي سنتحدث عنها.

على المستوى الاقتصادي، وبعد أن شاهد العالم تلفزيون البحرين، يبث فيما يشبه الاعتراف الرسمي بهذه الحالة الاستثنائية، شريط فيديو تبدو فيه البحرين وكأنها إحدى قرى أفغانستان، حيث تشتعل فيها الحرائق، ويجري في شوارعها التراشق بالمولوتوف، والطلقات المطاطية، فمن الصعب الحديث عن أمل في إغراء مستثمر جديد، يبحث عن فرص واعدة، بوسعها إنعاش الاقتصاد وتوليد فرص عمل جديدة نحن في أمس الحاجة لها. سيترافق ذلك مع هجرة عكسية من الرأسمال المحلي نحو الخارج هرباً من أعمال العنف هذه، وتحاشي لحالة الكساد التي انبثقت عنها. يؤدي كل ذلك إلى إفراغ الاقتصاد من الداخل، فتتراجع عجلة الإنتاج، وتتباطأ، إن لم تتوقف معدلات النمو، فتنتعش نسب البطالة، ويتعانق الكساد مع التضخم المستورد، ويتكالب ذلك على دولة محدودة الموارد، ضئيلة الدخل نسبياً، مقارنة مع الدول المجاورة. فتصبح البحرين، مستقبلاً، مملكة خاوية على عروشها.

أما على المستوى السياسي، فلن يصل قطار العنف، إذا ما قدر له أن يستمر، سوى نحو محطة واحدة فقط هي تلك التي تحتضن دورات صدامات متصاعدة لولبياً سوف يكتوي الجميع، دون أي استثناء، بنيرانها، وتؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث شروخ عمودية عدائية بين مختلف القوى السياسية الفاعلة في الساحة.

وقد يتوهم البعض أنها لن تتجاوز الصراع الرئيسي القائم بين القوتين الأساسيتين، المعارضة بمجمل فصائلها والسلطة التنفيذية بكل مؤسساتها، لكنها في حقيقة الأمر ستقود إلى نشوب خلافات، قد تبدأ صغيرة وضئيلة، لكنها لن تلبث أن تتطور وتنمو كي تتحول إلى كرة ثلجية صدامية تزرع الخلافات في صفوف الحلفاء أنفسهم.

الخطورة هنا هي أن تطور تلك الخلافات سيصل إلى مستويات عدائية تضع سدوداً منيعة أمام أي شكل من أشكال الحوار بين المتصارعين، والتفاهم بين المتنافسين. حينها تتراجع لغة التعايش، وتحل مكانها مفردات نفي الآخر سياسياً وفكرياً، وفي حال تعذر ذلك، وعدم النجاح في تحقيقه، فليس هناك ما يمنع النفي الجسدي العضوي. ما يحز في النفس هنا، أن حركة القوى سوف تستمر، لكنها حركة أفقية فاقدة للعضلات التي يمكن أن تمدها بالقدرة على حركة ثلاثية الأبعاد. هذه الحالة تخلق حركة واهمة لا يتولد عنها أية حركة نحو الأمام، أو للأعلى، وبالتالي فهي حركة موهومة.

وما يفرزه الخواء الاقتصادي، ويلفظه العداء السياسي، يقود حتماً إلى التفسخ الاجتماعي، الذي يغذيه اليوم في البحرين، كي نصل إلى حالة استثنائية سلبية كما ذكرنا، الفيروس الطائفي الباحث شرها عن البيئة المناسبة، والتي هي متأهبة له بشكل استثنائي اليوم في البحرين، كي ينفث سمومه في شرايينها، وينشر أمراضه الاجتماعية في جسدها. شواهد التاريخ في بلدان أخرى، تثبت أن دور سموم الفيروس الطائفي في تفسيخ القوى الاجتماعية، وفي هذه الحالة الاستثنائية على وجه التحديد، شبيهة إلى حد بعيد بما يقوم به العامل المساعد في عمليات التفاعل الكيميائي، فهو يسرع من ذلك التفاعل دون أن يفقد أياً من خواصه، وهذا يمده بالقدرة على الاستمرار ومقاومة كل أشكال الفناء. ديمومة هذا الفيروس بفضل تلك العوامل، هي التي تأخذ المجتمع البحريني نحو غرفة الإنعاش، وتحاول أن تطيل فترة بقائه فيها إلى أن تضمر عضلاته، ويصاب بالشلل الكلي، الذي يضع المجتمع في حالة ميؤوس منها.

هذه الصورة القاتمة تكشف عن مستقبل أسود بانتظارنا، ما لم تبادر الجهات المناهضة لتلك القوى التي لها مصلحة في تأجيج الصراع، وتعمل أي الجهات المصلحة، ودفاعاً عن مصالحها، المتطابقة اليوم مع مصالح البحرين العليا، وتضع حداً للعناصر المخربة التي أوصلت البحرين لهذه الحالة الاستثنائية البائسة، آخذة بعين الاعتبار الصعوبات التي زرعتها الحالة السلبية في وجهها (أي الجهات المصلحة).

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 9:01 ص

      بادر يا عبيدلي

      اقترح ان يتنادى بعض من الشخصيات المقبولة لمناقشة الموضوع واقتراح مخارج ، اسماء مقترحة على فخرو، عبيدلي، رسول الجشي، شوقي العلوي، حسن مدن، عبدالنبي سلمان، جمال فخرو، عبداللة البنعلي، حميد عبدالغفار، منصور الجمري، وآخرين
      يجب أن نستطيع أن نضع البدائل لاننا عقلاء الأمة ومعتدليه وأشرافها
      لا تتخيل ياعبيدلي ما مدى قوة التيار الديمقراطي اليبرالي
      جربه مره واحدة في هذا الظرف.
      نستطيع جمع 50 الف توقيع ، جرب

    • فواصل | 7:08 ص

      الكرة في ملعب الحكومة

      سمعنا ونسمع وسنسمع دعوات حوار انطلقت وتنطلق وستنطلق من أبناء الشعب، ولكن لم نر تجاوبا من قبل الحكومة لا سابقا ولا حاليا رغم دعوات الحوار الحالية ، تنمنى أن تبادر الحكومة بانتهاز هذه الفرصة الثمينة للحوار للخروج من عنق الزجاجة والأخذ بالبلد إلى بر الأمان.

    • زائر 12 | 6:25 ص

      الخليج العربي

      نحن في الخليج ندين باالاسلام والحمد لله وعاداتنا واحدة وسمعتنا نحن البحرينيين باالذات في الخليج وخارجه طيبه ومميزة . الا ان سمعتنا امام حكومتنا وبعض المقتاتين على ترويج الفتن اننا ارهابيون وولائنا للخارج ونريد قلب النظام ووووو؟؟؟؟؟؟؟لماذا ثم لماذا؟؟؟؟؟؟؟ اجيبونا يرحمكم الله!!!!!

    • زائر 5 | 1:19 ص

      والله البحرين فيها رجال ولكن مدفونيين

      الاحظ ان البحرين فيها من امثال العبيدلي ولو ُسمع لهم لكنا بخير وفي افضل حال ووضع بين دول الخليج
      البحرين صغيره في ارضها وكبيره في شعبها ، شعب واعي بس ماله حظ .

    • زائر 4 | 12:31 ص

      ابن المصلي

      اتقدم لك بالشكر بهذا المقال الرائع والناصح فيه لفئة الشباب المحتقن من اعلى رأسه الى اخمص قدميه من جراء أوضاع واقعا مؤلمة نحن لانتفق مع ما يقوم به الشباب اطال الله في أعمارهم من حرق وتخريب وهم يملكون هذا النفس أيضا ولكن هم يقولون أعطونا ولو جزء يسير من حقوقنا وهو وظيفة أين نذهب ومن نخاطب ملينا وعود نريد أن نعمل نحن احق من الأجنبي الذي يتربع على الوظيفة ويسلب منا أرزاقنا البلد بها خير فيجب أن يعطى هذا الخير الى أبنائه وصدق مولانا أمير المؤمنين ع حينما قال ( لو تمثل لي الفقر رجل لقتلته)

    • زائر 3 | 11:30 م

      اعتراف يجب ان تقبلوه

      عذراً ولكنني اليوم رأيت ما يسمى بـ " اختلال الوسطية .. بصحيفة الوسط البحرينية " علنا كقراء نطمح لأنارة عقولنا بحيادية صادقة غير مهزوزة من المحيط الخارجي لكافة اعمدة ومقالات يومنا هذا ..
      ولكم منى اجمل التحايا والاحترام
      اتمنى ان يتم نشر تعليقي دون اقتطاع ..

    • زائر 2 | 10:52 م

      لقد فجرت تلك اللحظات والانعطاف في مستوى تلك الإنحرافات والاخذ من هيبة الدولة مع مطلع العام

      لقد بدأت الفقاعة تكبر بالفضيحة عن وزير سابق ومن ثم بدأ الوضع يزداد ويكبر ناهيك عن استباحة حرمة الأموال وبعض القضايا هنا وهناك في إباحة الأموال العامة عند تولي منصب هام ونحن إذ نتسائل من هو المسؤول الحقيقي عن هذه الأحداث وكذلك يجب التطرق عن حديثي النعمة بالوظيفة وكيف دأبوا على إجتثاث الكفاءات ويجب التطرق لكل التصرفات الفردية الجانبية وممن كون له دولة داخل دولة

    • زائر 1 | 10:43 م

      بحريني قروي غيور على البلد

      نعم يا حضرة الكاتب توجد عناصر دخيلة على المجتمع البحريني ولا تريد الخير للبلد وانما تريد نار الفتنة مشتعلة كي يقوى دورها ويكون لها مكانة وخاص مع هذه الاحداث تعالت صرخاتها ونشراتها في انحاء البلاد.
      مع وجود شعب ينسى ويسامح والطيبة متأصلة فيه ولو تم توفير الشيء البسيط له لما رأينا كل هذه الاحداث.
      اللهم احفظ بلدنا من هؤلاء المفسدين ( العناصر الديخلة )في الارض من وجه حق.

اقرأ ايضاً