العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ

لماذا نحن «حصراً» من يدفع فواتير العزاء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ألَيْسَ غريباً ما يجري على أرضنا؟! في عينها وحوافّها تستعر الأزمات. وحين تموت أزمة أو (تُمَوَّت) تستولد بقاياها نَبْتَة أزمة جديدة وهكذا دواليك. أكثر ما يزيد الأمر سوءاً هو تقافز هذه الأزمات ووصولها إلى مديات أبعد من محيطها. فالتداخل اللغوي والثقافي والديني وبدل أن يُصبح وسيلة للائتلاف وتكثير التعاضديات، أصبح كآجام العشب الذي يزيد النار أواراً وحرقة.

راقبوا الخريطة جيداً. في جنوب المملكة المغربية تظهر مشكلة الصحراء الغربية. في موريتانيا لا يزال هذا البلد يصارع التطرف الديني، وما تأكله الرمال الزاحفة من الصحراء من زراعة وحقول. وفي الجزائر مازلنا مزكومين برائحة الدَّم المُرَاق على أرضها منذ العام 1992 بسبب الإرهاب الدّموي الأعمى في باب الواد وفي بنطلحة. في ليبيا، بالكَاد خَرَجَ هذا البلد من أتون مواجهة مع الجماعات الإسلامية المقاتلة، فضلاً عن مواجهته مع الغرب والتي تأجّجت بفعل ادّعاءات دعم الإرهاب تارة، ورعاية برنامج نووي تارة أخرى.

وفي مصر هَدَأَت بنادق تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية ضد قوّات الأمن والسّواح، لتبدأ طاحونة أزمة مياه النيل والصراع ما بين دول المنبع ودول المُرور النهري، والانفجار السّكاني، وقضايا الأقباط. وبالنزول إلى السودان، فلا أظنّ أن مآسي دارفور قد تركت لأحد أن يجزع أكثر. أما الصومال، فإن ترحّم الناس على حُكم سياد برّي السلطوي كافٍ لأن نُدرك حجم مأساة هذا البلد.

وفي اليمن هَولٌ في صعدة وحرث سفيان نتيجة دمار خلّفته ستة حروب طاحنة بين صنعاء والحوثيين. وفي الوسط والجنوب تبرز موائد تنظيم القاعدة. خطف وتفجير واغتيالات بلا هوادة. ثم مطالبات «انفصاليّة» بقطع جزء منه يُخال أن يُصبح «يَمَنَاً جنوبياً» بهوى يساري ماوي، يعيد عدن إلى الواجهة، وتحدّه من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الشرق سلطنة عُمان، ومن الجنوب بحر العرب.

وبالقفز إلى منطقة الهلال الخصيب يُشَمّ وعن بعد رائحة الإرهاب الصهيوني بحق الفلسطينيين منذ 60 عاماً. واحتلال أجزاء من لبنان، وتحليق عدواني فوق سمائه، واختراق لمنظومته الأمنية والدفاعية عبر تجنيد العملاء. وفي الشام تهديدات متكررة لسورية، مرّة بقصف أهداف مباشرة في دور الزور، ومرة أخرى بالتوريط في قضايا دولية وعقوبات وحصار.

وبالسير شمالاً إلى الأعلى نقِف حذاء العراق ونزفه ومحنه. فليس حاله إلاّ كوصف العابرين على أرضه في أيام ودهور ستأتي حين يمرّون عليه ويقولون: ها هنا كانت الزوراء. منذ أربعين عاماً وهو في قيامة لا تعقبها جنّة ولا نار. ومنذ الاحتلال الأميركي له قبل سبعة أعوام، ظهر على أرضه وضد ناسه القتل والخطف والأمن المُغيّب، والفساد العظيم.

وبتكبير صورة الخريطة أكثر، تظهر لنا مآسي العالَم الإسلامي. في باكستان تفوح كوارث الفيضانات بالمقدار الذي يفوح منه إرهاب «القاعدة» في وزيرستان. وفي أفغانستان تسمع الأمنيات في أن يعود ظاهر شاه ليعمر هذه الأرض بعد أن أعياها دمار الحروب والاقتتال. أما إيران فصراعها المفتوح مع الغرب غير خافٍ على أحد.

دول آسيا الوسطى (كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان وأوزبكستان) ما زالت تُكابد العيش، للتخلص من الأنظمة الشمولية والفقر والأمن الهشّ، ولعبة الدول الكبرى على أرضها. وفي وسط القارة السمراء حيث تشاد والنيجر وإثيوبيا ومالي وساحل العاج والسنغال وغيرها من الدول الإسلامية فإن ما بها من حيف وبلاء وفقر أنسى ما قبله.

هنا نتساءل: لماذا نحن بالذات ولماذا منطقتنا؟! فكلّ العالَم شَهِدَ حروباً واستعماراً واحتلالاً لكن أموره آلَت إلى استقرار وهدوء. وفقره أصبح في تنمية وصعود. بل ما يُرَى هو أن هذه المنطقة هي أكثر بقع الدنيا ابتلاءً بكوارث الطبيعة ولعناتها. هنا، أودّ أن أشير إلى عدة نقاط مرتبطة بالتفسير لما هو إشكال في حدّ ذاته، دون أن أسهِب في التفصيل:

الأول: يجب إدراك بُنْيَة التفكير في هذه الأرض. فهذه المنطقة (وبالذات العربية منها) شَهِدَت ولادة الأديان الإبراهيمية السائدة في العالَم (اليهودية، المسيحية والإسلام). ولأن تثبيت الركائز الفلسفيّة والتشريعية لهذه الأديان يتطلب صراعاً مع القوى المُغايِرَة أو الوثنية، فإن مثل هذه الصراعات عادة ما تبقى حبيسة الثقافات والمشاعر.

أيضاً، فإن طبيعة الأديان تدفع باتجاه إسقاط الفهم البشري على النصوص الدينية، ثم تقديم الأول على الثاني، ليصبح هو النّص، أو الفهم الاحتكاري للنص. في أغلب الديانات حصل مثل هذا الشيء وأدى إلى كوارث مؤلمة. في الإسلام واليهودية والمسيحية بالسّواء.

لك أن تتخيّل أن الصراع الذي حصل ما بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا بسبب الرسومات وقضايا التثليث امتدّ على شكل حرب طالَ أمدها حتى لامسَ القرنين من الزمان (الخامس عشر والسادس عشر) وهما دول «التلقّي» فما بالك بدول المنشأ. وهي أمور قد لا يُحسّ بها الفرد إذا ما رام اختزالها في كلّيّات دون فهم لتفصيلاتها وجزئياتها.

الثاني: إن هذه المنطقة وبعد الصراع المرير مع الاستعمار لم تَجنَح إلى الديمقراطية. ولم تعد هذه البلدان، (وبالخصوص بالنسبة إلى الطبقة السياسية التي كانت تقود الصراع ضد الاستعمار) تقبل بنظام برلماني نَشِط، ونظام قضائي مستقل، وحريات عامة، وانتخابات يقبل فيها الطرفان بالنتائج ولا سيطرة مدنية للجيش، ولا استخدام محدود للسلطات (أي دون توحّش).

لقد أدّى غياب الديمقراطية والحريات إلى ظهور نظريّة «الحاكِم الأوحد، جيش يدعم عرشه، فلاّحون يدفعون الضرائب». وإذا ما عُرِفَ ذلك، فإن عدم التحول إلى الديمقراطية أثّر بشكل «إيجابي طردي» على نمو الجماعات الوراثية التي تنمو على صفيح مجتمع طائفي ذكوري على حدّ وصف بارينجتون مور. وبالتالي بقاء المجتمع مشطوراً حسب التوليفة الشمولية.

الثالث: لم تحاول دول المنطقة البدء في مشروع المصالحات «الداخليّة» كما عَمِلَت به أوروبا. فعندما تَعِبَ الأوروبيون من قتال استمر أربعة قرون، ما بين صراعات دينية وصراعات ولّدتها البرجوازيات، والثورات الاجتماعية قبلوا بقسمة ما هُم عليه. لقد بدأوا بفكرة «الجميع ينتصر للسّلام». وكانت حينها قوات دولة أوروبية متمركزة في دولة أوروبية أخرى، وما أعقب ذلك من وجود مواطن بشرية للدول المنتصرة على الدول المغلوبة.

في حال الدول العربية، فإن الأمور مضت على قاعدة «كسر العظم» فقط. وهنا، لا يُمكن أن تلوح في الأفق أيّ بادرة بأن تتقدم جماعات لصالح أخرى، لكي تُسوَّى الأمور ولو بشكل تناوبي. لقد توحّشت كافة الجماعات والفئات والإثنيات بغرض نيل الحصّة الأكبر. وبدأت الأقلّيات تتوحشّ بالاتكاء على السلطة، وباتت الأكثريّة تستأسد بالاستناد على عديد نفوسها، حتى أصبحت الحرب من الجميع وضد الجميع. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:04 ص

      أبن المصلي

      أمر حكيم أن تلتقي القيادة بالشعب بين الفينة وألأخرى بشرط أن يتناول الحضور المشاكل بكل شفافية وبتجرد ويضعوا لها الحل فما مشكلة الا ولها حل اذا حسنت النوايا وفتحنا قلوبنا لبعضنا البعض وتعاونا على البر والتقوى المصالحات الداخلية والتي عملت بها اوربا مثال لنا على ذلك فعلا امرا متعب الأقتتال والصراعات الداخلية والثورات الأجتماعية وغيرها فلنقبل بفكرة الجميع ينتصر بالسلام ونؤسس لوطن يحتضن الجميع وننبذ التهميش والأقصاء والطائفية المقيته لنخرج جميعا منتصرين للوطن عاشت البحرين واهلها الطيبون

    • زائر 4 | 3:01 ص

      كوداليزارايس0

      ألم تسمعها عندما قالت حان الوقت لمخاض جديد لشرق اوسط جديد 0 منطقتنا على أبواب مشاكل لاحصر لها لأننا أصبحنا خطرا على الدول الغربية ونحن محاصرين جوا وبحرا وعلينا تقبل ذلك حتى يفرجها الله 0

    • زائر 2 | 2:52 ص

      لصاحب مداخلة ( ويش دخلنا احنا)

      من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم

    • زائر 1 | 11:56 م

      ويش دخلنا احنا

      المهم شنه عنا احنا في البحرين. ما علينا من غيرنا. صراحة موضوعك مو حزتة مووول!!!

اقرأ ايضاً