العدد 2939 - الأربعاء 22 سبتمبر 2010م الموافق 13 شوال 1431هـ

أهداف الألفية ليست قائمة لاختيار الأفضل

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يستقبل مقر الأمم المتحدة في عمارة «الإمباير ستيت» بواشنطن، 140 رئيس دولة، جاؤوا خصيصاً لمناقشة خطط تنفيذ «أهداف الألفية» العالمية التي حددت الأمم المتحدة العام 2015 كمحطة أخيرة لتحقيق أهدافها. على هامش الاجتماع الرئيسي، وفي نطاق العمل من أجل تحقيق تلك الأهداف، عقدت، وسوف تنعقد مجموعة من الاجتماعات الثانوية الأخرى من بينها، كما تناقلت وكالات الأنباء، اجتماع خاص يحضره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون «مع بعض قادة الحكومات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية والأعمال التجارية، لإطلاق استراتيجية عالمية لصحة الأم والطفل تحدد بعض الإجراءات الرئيسية للنهوض بصحة النساء والأطفال في أنحاء العالم». كما سيرأس «كي مون» اجتماعاً آخر صنف على أنه رفيع المستوى، يكون بمثابة «المنتدى للقطاع لخاص»، يلتقي فيه مع «كبار المسئولين التنفيذيين وقيادات الحكومة والمجتمع المدني لتسليط الضوء على الإجراءات التي يمكن أن يتخذها القطاع الخاص لحفز التقدم بشأن الأهداف الإنمائية للألفية والإعلان عن تكوين شراكات جديدة دعماً للأهداف». وتصل درجات تنوع مثل هذه الاجتماعات وتباين أهميتها، إننا نجد إلى جانب تلك الكبيرة التي أشرنا لها، بعضها الصغير والغاية في التخصص، من أمثال ذلك الذي ستستمر جلساته لمدة يومين لمناقشة «التنمية المستدامة في الدول الجزرية الصغيرة النامية».

كثيرة هي التصريحات التي لم يتوقف رؤساء الدول والمسئولون ممن شاركوا في تلك الاجتماعات عن إطلاقها، والتي تفاوتت بين التفاؤل والتشاؤم بشأن ما حققته، أو ما عجزت عن تحقيقه الدول المختلفة على طريق تلك الأهداف، لكن أكثر تلك التصريحات دعوة للتوقف والتمعن ذلك الذي ورد في كلمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمام القمة، حيث أشارت فيها إلى ثلاث قضايا أساسية هي: «1 - أن أهداف الألفية ينبغي عدم تفسيرها كقائمة يمكن اختيار الأفضل منها؛ لأن إجراءات التنمية غير فعالة دون توافر الأمن. 2 - أن جهود السلام لا تؤدي إلى شيء دون وجود آفاق للتنمية الاقتصادية فضلاً عن أن التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن تحقيقهما دون حكم رشيد واحترام لحقوق الإنسان. 3 - إن تقاسم الثروات بين الأمم هو الحل الأمثل لتحقيق الأهداف الإنمائية؛ لأن التقدم المستدام يتطلب مواجهة تحديات كبيرة مرتبطة ببعضها وهو أمر يبدو بسيطاً نظرياً لكنه أكثر صعوبة من ناحية الترجمة العملية».

وكما يبدو من كلمة ميركل، فإن هذه القضايا الثلاث مترابطة، ومن الخطأ، أو التضليل، التعامل مع «أهداف الألفية»، مثلما نتعامل مع قوائم الأكل في المطاعم، فنختار منها ما يناسبنا، ثم لا نتورع عن تضخيمه، كإنجاز، إعلامياً. ثم لا يجوز أيضاً أن نخلط بين مستوى الأهمية التي تحظى بها بعض الأهداف على المستوى العالمي، وبين تلك التي ينبغي أن تعطى الأولوية على المستوى المحلي.

ولو تناولنا قضية «الفقر والجوع « كمثال يشرح ما نصبو إلى توضيحه. لاشك أن محاربة الفقر والجوع في بعض المجتمعات، وخاصة الإفريقية، ينبغي أن يكون على رأس قائمة الأهداف هناك، فالكل يعرف، وكما تعترف بذلك صراحة تقارير لجان الأمم المتحدة ذاتها، بأن هناك «مازال حوالي 1.4 مليار شخص يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم، وهو خط الفقر الدولي الذي حدده البنك الدولي، ويعاني نحو مليار شخص من الجوع، ويموت ما يقرب من تسعة ملايين طفل في كل عام قبل أن يبلغوا عامهم الخامس، وتموت مئات الألوف من النساء بسبب مضاعفات الحمل والولادة في كل عام، ولا يتمتع سوى نصف سكان العالم النامي بالمرافق المحسنة للصرف الصحي، من قبيل دورات المياه أو المراحيض». لكن ذلك قد يتراجع إلى مستويات ثانوية، يسبقه في مجتمعات أخرى، قضايا أخرى مثل المواطنة، والمساواة بين المواطنين، والقضاء على التمييز الاجتماعي،... إلخ.

ولو طبقنا مقاييس أولوية الأهداف التي نرى أن البحرين بحاجة إلى التركيز عليها في المرحلة القادمة سنكتشف أنها دون إهمال الأهداف الأخرى بما فيها الفقر الذي لا ينبغي إنكار وجوده أيضاً، كثيرة ومتنوعة، لكن يأتي في المقدمة منها على المستوى الخدماتي مجالان أساسيان هما التعليم والصحة، وعلى المستوى السياسي تحقيق المواطنة.

فعلى مستوى التعليم والصحة، علينا أن نعترف أن هناك مشكلات بالمقياس المطلق، حيث نلمس تراجع الخدمات في كلا القطاعين، ونرجو ألا يستعين البعض بسرد بعض أرقام إحصائيات صماء قد تضلل الجاهل، لكنها لا تنفي الحقيقة. ففي دولة صغيرة المساحة، محدودة في عدد السكان، ولا تقع، وبكل المقاييس مثل البحرين، في خانة الدول الفقيرة، وتعود فيها انطلاقة التعليم الحديث إلى مطلع القرن الماضي، من المحزن، إن لم يكن من المخجل، أن نرى التعليم على الحالة التي هو عليها اليوم. والنتيجة تراكمية، وتعود إلى عقود قديمة، كي لا نتهم فيها القائمين على التعليم اليوم. ولا يختلف هذا بالنسبة للصحة. ومن يتابع الصحافة المحلية، بوسعه أن يستشف ذلك دون أي عناء. هذا بالمقياس المطلق، أما على المستوى النسبي، فالبحرين التي كانت سباقة، مقارنة بدول الخليج الأخرى، في هذين المجالين على وجه التحديد، أصبحت اليوم تحتل أحد المقاعد الخلفية، عندما تقاس الخدمات الصحية والتعليمية فيها، بما هو متوافر في دول الخليج الأخرى. وهنا نرجو أن يكف من يرجع ذلك إلى التفاوت في الدخول النفطية، فالمسألة أعقد من ذلك.

أما على المستوى السياسي، فصورة المشهد السياسي اليوم تبث الكثير من الكآبة التي تشوبها مسحة من الإحباط في نفوس من كانوا يطمحون إلى أن يكون المشروع الإصلاحي نقطة انطلاق واسعة نحو مجتمع أكثر ديمقراطية ومواطنة. وهنا، وربما آن الأوان كي يراجع الجميع، دون استثناء، المعارضة والسلطة التنفيذية، نفسه، ويحدد كل منهما، وبصدق، مسئوليته في حرف ذلك المشروع عن الأهداف التي كان يرمي إلى تحقيقها، والتي لا تخرج كثيراً عما ورد في «أهداف الألفية» العالمية.

وفي نهاية الأمر، لابد من العودة والتذكير، بما أكدت عليه ميركل بخطأ النظر إلى «أهداف الألفية» كقائمة يمكن اختيار الأفضل منها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2939 - الأربعاء 22 سبتمبر 2010م الموافق 13 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:57 م

      اهداف الخيبة

      اعتقد ان المجتمعات كانت تنظر الى اهداف الالفية التي تراضى واتفق عليها المجتمع الدولي في قمة الارض ب في ريدو جانيرو عام 1990 بانها المخرج لازمات الفقر والبيئة والتنمية بيد ان ما جرى لاحقا من تراجع واضح في مسارات تحقيق تلك الاهداف كان بمثابة خيبة امل حيث تراجعت الدول الصناعية الكبرى عن تعهداتها وجاءت في مؤتمر قمة الارض في جهانزبرغ بجنوب افريقيا عام 2002 لتنسف كامل تلك الاهداف والعالم يمر بمرحلة تراجعات فعلية في مجال الحريات وحقوق الانسان وتنامي مستويات الفقر والمخاطر البيئية
      باحث بيئي

    • زائر 4 | 1:07 م

      نستحق أن يصغي لنا ... العالـــــــــم

      هناك روائع - جمّة- استطاعت أن تبرز فوق مياه الطوفان وتتحداه،ومع ذلك فإن الظلام لم يستطع أن يطبق عليها تماماً ،وهناك انجازات حقيقية تعصم النفس من الغرق في اليأس والحزن ،فحياتنا لم تخل من المخلصين العاملين في صمت والمتفانين إلى حد الهلاك،والمترفعين مهما أصابهم من الضنك ،وإن لزم علينا أن ندركهم قبل أن يهلكهم الموت البطيء بسموم المرارة والإحباط ! وهنا ترسف الحقوق الإنسانية بالأغلال نحو تلك التحديات للألفية الإنمائية.كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض

    • زائر 3 | 10:51 م

      عدم توريط المؤسسة في مواقف شخصية.

      ونعني هنا العلاقات الحميمة التي ضربت الهدف الأساسي من المؤسسة ، حيث أن عدم تفعيل محاسبة لبعض المسئولين أصبحت أهدافهم تفوق أهداف المؤسسة وفي بعض الأحيان إستغلال موارد المؤسسة في أغراض اخرى

    • زائر 2 | 10:25 م

      2% من نسبة التكاليف

      نحن ممتنين بالنسبة لأهداف الألفية ولكن المطلوب حماية النزاهة والكشف عن خفافيش الفساد .. حيث أن التكاليف ومردودها في بعض المؤسسات لا تزال مغيبه وإستغلال الوظائف في الإستفادة من الموقع الوظيفي وخاصة فإن بعض الدورات القصير ولمدة إسبوعين كلفت 20 ألف دينار ، حيث إحتساب نسبة 2% من قيمة الدراسة كنسبة ضئله ولكن لو تم تحويلها الى دنانير فإنها مرتفعه وخياليه وهل باتت الورش والدورات التدريبية القصير لفرد واحد مطلية بالذهب ومرصعه بالألماص ، ولقد تعشمنا بإحالة بعض الإداريين للمحاكمة وننتظر هذا اليوم

    • زائر 1 | 9:55 م

      الإحصائيات والمؤشرات والبيانات كلها أمور تخدم الألفية

      الإحصائيات والمؤشرات والبيانات كلها أمور تخدم الألفية .. مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً