العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ

وطن تحاصره الأسوار

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أعاد سور المالكية العازل إلى الواجهة مشكلة تفاقمت في العقود الأخيرة، وهي مصادرة الأراضي والجزر والشواطئ من قبل القوى المتنفذة بحيث أضحى المواطن العادي عاجزا عن إيجاد أرض لبناء منزل لعائلته عليها أو الذهاب إلى الشاطئ للترويح عن نفسه، أو الوصول إلى غالبية جزر أرخبيل البحرين بل ان الدولة ذاتها لا تملك أراضي لإقامة المشروعات الإسكانية والخدمية عدى أن أرخبيل الـ 33 جزيرة، محروم على أبنائه التمتع بشواطئه وجزره.

بالنسبة إلى البحرين فقد كانت ملكية الأرض، اما ملكية شخصية لأفراد أو عائلات أو وقف، واما منتفعات عامة كالسواحل والعيون والسواقي، وأما ممتلكات الدولة كالموانئ والمطار والمنشآت العامة والطرق وغيرها.

وحتى ظهور النفط لم يكن هناك تزاحم على اقتطاع الأراضي، إذ كان هناك فائض في الأراضي بل كان هناك اقتطاع ومصادرة لبساتين النخيل ذات المردود الاقتصادي.

من أرض رحمانية إلى إقطاعيات خاصة

من المعروف أنه مع توسع العائلة البحرينية، فإن الأبناء يسكنون مع آبائهم حتى الزواج أو بعده، ثم يبنون لأنفسهم بيتا مستقلا، وهكذا كان من الطبيعي أن تتوسع القرى والأحياء في محيطها من دون مشكلة. لكن البحرينيين، وهم الذين ارتبطوا بالبحر برباط عميق، لم يعمدوا إلى تملك السواحل أو البناء على الشواطئ الرملية، ولذلك نلاحظ ترك مسافة تقصر أو تبعد بين المناطق السكانية والبحر، ولذلك كان بالإمكان التنزه على امتداد سواحل البحرين كلها تقريبا. أما الظاهرة الثانية فهي انه حتى العام 1919 لم يكن هناك سجل عقاري "إدارة الطابو". وكان هناك اعتراف متبادل بملكية بعضهم بعضا للبساتين والأراضي والعقارات، إذ كانت هذه الملكيات تنتقل اما بالوراثة أو البيع أو الشراء. وكان من ضمن ما قام به البريطانيون إنشاء إدارة الطابو، إذ جرى تسجيل الملكيات السكانية والعقارية والحيازات الزراعية حتى مصائد الأسماك والحضور مترافقا ذلك مع مسح أراض، بحيث جرى فك الاشتباك عن تداخل الملكيات وتحديدها، ووضع حد لكثير من الادعاءات وظل هناك طبعا الكثير من الملكيات خصوصا ملكيات الوقف وملكيات في القرى التي لم يجر تسجيلها بسبب قلة وعي أهاليها.

لكنه مع اكتشاف النفط وبداية الازدهار الاقتصادي، وتدفق الهجرة على البحرين والزيادة المطردة في السكان، أضحت للأرض قيمة اقتصادية متزايدة. ومن ثم بدأت سياسة وضع اليد على الأراضي من قبل المتنفذين وكبار التجار الذين يرتبطون بمصالح ومصاهرة متبادلة.

هذه الظاهرة استشرت في ظل غياب الرقابة وفي ظل الدمج بين مفهوم الدولة والحكم وملكية الدولة وملكية الحكم. ونتذكر هنا أن كتلة الشعب تقدمت إلى المجلس الوطني بمشروع قانون بتحويل جميع الأراضي غير المملوكة حينها إلى "أراض أميرية"، أي أراضي دولة، ورفض بشدة من قبل الحكومة، وقد لا يكون باقي النواب أدركوا أهميته حينها. ويمكن القول في هذا الصدد إن من أقوى المسئولين في البحرين هو مدير السجل العقاري. وحتى اليوم وعلى رغم وجود كل المؤسسات الدستورية، ليس هناك من يجرؤ في مجلس النواب على أن يطالب بالكشف عن ملكية الأراضي وتوزيعها وكيف جرى التصرف بأراضي الدولة.

حجم الكارثة

كان لتصريح وكيل وزارة الإسكان محمد أبوالفتح بأن الدولة لا تمتلك حتى 10 في المئة من الأراضي الصالحة للإعمار والإسكان، وقع الصاعقة على شعب البحرين. فكيف يكون ذلك وشعب البحرين كله يعيش على 70 كلم مربعا في أربع جزر فقط في حين أن مساحة أرخبيل البحرين تبلغ أكثر من 700 كلم مربع؟

ان أبوالفتح يقرر حقيقة مرة وهي أنه جرى تقاسم أكثر من 80 في المئة من أراضي البحرين للمتنفذين وكبار التجار، والذين اشترى الكثير منهم الأراضي المحيطة بالقرى بأثمان بخسة. وإذا نزلنا إلى الواقع فإن هناك ظاهرة تنفرد بها البحرين وهي وجود المئات مما يعرف بالمجمعات السكنية المحاطة بالأسوار العالية والتي أضحت تحاصر القرى، وحلت محل البساتين الخضراء. أما الظاهرة الثانية فهي الأراضي الشاسعة المحوطة بطابوقتين أو ثلاث أو أربع والتي تدل على هوية الملاك المتميزين، لكن وفي ظل الصراع المحموم على الأراضي فإنه يجرى بناء أسوار اسمنتية عالية لتؤكد هذه الخيارات.

وإذا كانت الدولة في العقود الماضية تحملت جزءا من مسئوليتها بتوفير السكن للمواطن ذي الدخل المحدود بحسب ما ينص عليه دستور البحرين "المادة 9 - و" فأقامت مدينتي عيسى وحمد ومشروعات إسكانية كثيرة على أراض للدولة كما وهبت الحكومة الكثيرين أراضي لبناء مساكنهم عليها، فإن الدولة الآن في وارد التخلي تدريجيا عن هذا الواجب لعدة أسباب، منها:

1- لم تعد للدولة تملك أراض تقيم عليها هذه المشروعات.

2- ان الخيار المطروح هو اما تملك أراض خاصة ممن استولوا على أراضي الدولة بغير وجه حق، بأسعار السوق، إذ رصدت الحكومة في موازنة 2005 - 2006 مبلغ 120 مليون دينار لذلك، وطبعا هذا سيكون ثمنا باهظا من كلفة المشروعات الإسكانية.

3- ردم البحر كما هو مطروح بالنسبة إلى المدينة الشمالية "هذا إن تمت"، وطبعا فإن للردم كلفته المرتفعة أيضا وستحتسب من كلفة المساكن، عدى أنه جرى تملك البحر المحيط بالمواقع المرتقب التوسع عمرانيا فيها، أو سيجرى تملكها متى ما تقرر بناء مشروع إسكاني فيها.

حقوق المواطن المهدورة

من المفهوم في الدولة العادلة أن الأرض والموارد الطبيعية هي للصالح العام وأن الملكية الفردية مشروعة في إطار المصلحة العامة، وكانت خطوة حضارية مهمة أن يكرس دستور دولة البحرين ومن بعده دستور مملكة البحرين بحكم ما ترسخ من قيم ووعي لدى الشعب وليس ما ترسخ من ممارسة هذه الحقوق وهي:

المادة "1 - د" نظام الحكم في البحرين ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا.

المادة "9 - أ" تؤكد حقا في الملكية الخاصة ولكن بوظيفة اجتماعية.

المادة "9 - و" تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود.

المادة "9 - ز" يحدد القانون وسائل مساعدة وتمليك الأراضي لصغار المزارعين.

المادة "11" الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة.

وكون مملكة البحرين ملتزمة بالمواثيق والعهود الدولية نسوق بعض ما نصت عليه هذه المواثيق والعهود.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

المادة "21 - 3" إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم.

المادة "25 - 1" لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته وخصوصا على صعيد المأكل والملبس والسكن... الخ.

نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ستنضم إليه مملكة البحرين قريبا على ما يأتي:

المادة "11 - 1" تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى وتتعهد الدول باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق.

وإدراكا من المجتمع بخطورة تفاقم مشكلة الفقر وما يستبقه من افتقاد السكن اللائق ومياه الشرب النظيفة والصرف الصحي وبيئة العيش اللائق عموما، فقد عقدت الأمم المتحدة مؤتمرات دولية خصيصا لذلك مثل مؤتمر كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية عام ،1993 ومؤتمر بكين للمرأة عام ،1994 ومؤتمر اسطنبول للموئل "السكن". وترتب على هذه المؤتمرات وغيرها إصدار صكوك دولية تفصل هذه الحقوق، وإقامة صناديق وأجهزة للأمم المتحدة لتساعد الدول النامية على تحقيق هذه الحقوق.

لكننا إذا أمعنا النظر في واقع البحرين وحياة الغالبية من شعب البحرين فقد جرى انتهاك هذه الحقوق، وفي أحسن الأحوال عدم قيام الدولة بمسئوليتها لإنفاذ هذه الحقوق التي نص عليها الدستور والمواثيق الدولية كما يأتي:

1- ان سيادة الشعب تشمل أيضا السيادة على الأرض والشواطئ والمياه الإقليمية والموارد الطبيعية، فإذا كان 80 في المئة من الأراضي والشواطئ وقريبا المياه الإقليمية ملكا لأفراد محدودين، فإن سيادة الشعب غائبة.

2- لم تعد الملكية الخاصة بهذه القلة المهيمنة ذات الوظيفة الاجتماعية، تسبب أزمات خانقة لغالبية الشعب وحرمانه من حقه في السكن والمحيط المعيشي اللائق والبيئة الصحية بل أضحت تعوق قيام الدولة بواجبها في إقامة البنى وتقديم الخدمات العامة والأساسية، مثل الطرق والمستشفيات والمدارس والمنتزهات والبلاجات وغيرها.

3- بحسب تصريح وكيل وزير الإسكان فإن طلبات المواطنين المتراكمة للحصول على خدمات إسكانية "وحدة سكنية أو أرض وقرض" قد تجاوز 50 ألف طلب، وبعضهم تجاوز 20 سنة من الانتظار في ظل عجز متزايد من الدولة عن تلبية هذه الطلبات وبالتالي فإن الدولة عاجزة عن توفير بيوت لذوي الدخل المحدود.

4- جرى تحويل كثير من الأراضي الزراعية إلى مجمعات سكنية وليس مساعدة صغار المزارعين على التملك وهكذا جرى تدمير منهجي للبيئة ولطبقة اجتماعية.

5- لم تعد الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملكا للدولة، فحتى النفط أو الغاز الذي هو ملك للدولة، تحيط الشكوك بتوزيع عوائده، أما باقي الموارد من أراض وجزر وشواطئ وفشوت وجزء كبير من المياه الإقليمية، فهي أملاك خاصة.

الأزمة القادمة

إن هناك نذر بانتفاضة الآلاف من البائسين من العاطلين ومن يفتقدون منازل في حين يشاهدون بأعينهم أراضي قراهم المصادرة قد تحولت إلى مجمعات فارهة للأجانب، تحيطها الأسوار العازلة.

فهل يتدارك الحكم الأزمة المقبلة؟ هل تتدارك النخبة المالكة والحاكمة الكارثة المقبلة، فتقدم على ما أقدمت عليه الطبقة الحاكمة في إنجلترا مثلا بالتنازل طوعا عن إقطاعياتها وتحويلها إلى ممتلكات عامة، استخدمت من قبل البلديات في إقامة مشروعات إسكانية ومنتزهات كما حال منطقة "ريغنت بارك" و"هايد بارك" و"غرين بارك" و"سانت جايمس بارك" و"كينسنغتون غاردنز" في لندن مثلا؟

البحرين كان يطلق عليها بلد المليون نخلة، وربما ينبغي علينا إعادة تسميتها إلى بلد المليون جدار

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً