العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ

هل تموت الأرانب بين ثعالب السياسة وحكمائها؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

السياسة فمن الممكن، فلا ثوابت في السياسة، كما قال تشرشل: لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، الدائم هو المصالح. هذه اللغة يجب أن نفهمها بعمق... يجب ألا نقرأ الواقع بلغة مسطحة تسهيلية... نفسية الأرنب الأليف لا تقدم ولا تؤخر شيئا. ولذلك نجد أنفسنا نقدم القرابين وفواتير السياسة ثم يمضي بالآلام.

هل تريدون أمثلة؟

في العام 1989 خرج الميشيل عون من قصره الرئاسي وطائرات سورية تقصفه من كل مكان والجيش اللبناني بإمرة لحود يحاصره في كل مكان. وما فتئ عون يطلق أعيرة النار على سورية من منفاه... رجع عون فاقتضت السياسة أن يكون حليفا لسورية، بل أصبح مرشح حلفاء سورية والشريك الأول على اللوائح الانتخابية، وراح يطلق رصاصه على المسيحيين الوسطيين بحجة أن تيار الحريري اشتراهم بالنفط والدولار.

"أمل" وحزب الله تقاتلا ضد بعضهما بعضا ووقع بينهما قتلى وجرحى. اليوم كلاهما يجلسان على طاولة واحدة وفي شهر عسل لم يسبق له مثيل، وكلاهما دعما ترشيح نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي في لبنان. ذلك لأن مصلحتهما التقت في قواسم مشتركة وأصبحا في كتل واحدة وخرجا في مظاهرات مناوئة للتدخل الغربي في لبنان.

في السودان، جاء الانقلاب من قبل عمر البشير والمباركة الايديولوجية والكارزمية من المفكر حسن الترابي... وكلاهما رأيا في الصادق المهدي "شقيق زوجة الترابي" خطرا على الدولة، فراح ضحية التحالف وبقي في السجن وبقيا يواجهان تمرد قرنق في الجنوب... تمر الأيام وإذا بالمصالح هي الغالبة والدائمة، والدوام لله. ويلقى بالترابي في السجن بتهمة التآمر مع قرنق ويخرج بعد طول مدة الصادق المهدي وتدور الأيام وإذا بالترابي يخرج من السجن فيقع التحالف بين الصادق المهدي والترابي ضد نظام البشير فيصبح صديق الأمس عدو اليوم وصديق اليوم عدو الأمس.

ما أريد أن أقوله: كل مجتمع، كل حزب، كل فئة ترى وتقيس أوضاعها السياسية بلغة رياضية؛ كم هو الربح وكم هي الخسائر.

أيام جمال عبدالناصر، زج بالإخوان المسلمين في السجن، لكن الإخوان في عهد السادات تحالفوا معه بمقتضى لغة براغماتية للدفاع عن أجندتهم التي منها الإسلامية، فلعبوا اللعبة صح. ولكن الرئيس حسني مبارك بعد قتل السادات أنهى شهر العسل إلى يومنا هذا، وذلك أيضا وفقا لمصالح الحزب الحاكم، أي بمعنى المصالح السياسية.

لو رجعنا إلى تحالفات أخرى... قد تحالف المجاهدون الأفغان مع الأميركان ضد الاتحاد السوفياتي، فأرسلوا إلى هناك 20 ألف شاب عربي، وكان الغزل السياسي الصريح تشهد به أدبيات الأفغان والأميركان أيضا.

في العراق، اليوم حزب الدعوة والمجلس الأعلى و"الاسبكتي" المتنوع من كل التيارات كانوا خصوما للغرب، اليوم نرى رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري في واشنطن يقول في مؤتمره: "نحن نقول للأميركان لا تخرجوا من العراق حتى يعود الأمن".

لنا صورة أخرى للقذافي، فقد كان على طول التاريخ يهاجم الغرب وخصوصا بريطانيا وأميركا، اليوم أصبح بين عشية وضحاها بعد سقوط صدام حليفا جديدا... وهكذا هو الحال.

بين الخليج وإيران وإيران والخليج علاقات ود وصداقات وتحالفات واتفاقات على المستوى الأمني ومحاربة المخدرات، وخصوصا مع الكويت. وأيضا عرض للأفلام الإيرانية في دور السينما الخليجية ولقاءات مشتركة ووفود ذاهبة ووفود قادمة، وليس ذلك عيبا في كل ما طرحته. كل دولة وكل حزب وكل تيار يرى أين مصالحه ومصالح جماهيريه تكمن، وهكذا هو العالم، وهكذا هي الحياة.

شخص يبررها بأن مصلحة الإسلام في ذلك، آخر يقول: مصلحة الجماهير في ذلك، ثالث يقول: التكليف الشرعي يقتضي ذلك... لكل واحد ذرائعه وقناعاته ومبرراته. ويجب ألا نكون شرطة على أحد، فالله يعلم ما في النيات. لكن السؤال: متى نفهم هذه اللغة؟ هل من المنطق أن نعجن بين مكنات كل ما يطرح، متشبثين بالأسود والأبيض؟ أم أن ذلك يعطينا صورة أن في السياسة مناطق رمادية؟

الإمام علي "ع" رفض الفجور في السياسة، لكنه لم يرفض الواقعية وتحريك العقل وقراءة التوازنات بعمق. ليس صحيحا أن نشتري أعداء عالميين بالمجان، هكذا على طريقة "أريد جنازة أشبع فيها لطم"، فأكون أنا والزمان على نفسي. كل بلد، كل أمة، كل حركة تفكر بلغة براغماتية في مصالحها فتنتقي الخطاب وتحاسب لكل حرف، والأمثلة بين أيديكم. فهل نعي ذلك كأمة إسلامية؟

السؤال الذي يجب أن نطرحه: أين مصلحة جماعتي من هذا الخطاب أو ذاك؟ من هذا الموقف أو ذاك؟ ألم يكن وليد جنبلاط يهاجم حزب الله بعد قتل الحريري، ودعا إلى عودة الانتداب؟ اليوم هو أكبر حليف. ألم يكن صديق سورية؟ اليوم ماذا فعل؟ الحريري كان ضد التمديد للحود، وعلى رغم ذلك وقع التمديد لأنه رأى أن كل ما بناه من تجارة واقتصاد لمؤسساته أو للبنان سيطير في لحظة، فوزن الأمور ووقع. الغرب وقعت بينه حروب عالمية وأهلية لكنه تلاقى الآن في مصالح مشتركة. السياسة ليست أسود وأبيض. بعض السياسيين أرانب وبعضهم ثعالب وبعضهم حكماء، فلنختر الأخير

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً