العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ

الدستور جزء من السياسة وليس كلها

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لا أقلل من أهمية المطلب الدستوري، كما انه لا اختلاف لدي بالنسبة إلى كثير من التحليلات النظرية لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الدستورية وعن الأسلوب الأمثل لإعداد أو تعديل الدستور. غير انه يجب القول إن المطلب الدستوري هو جزء من السياسة وليس السياسة كلها. بمعنى أن التعاطي مع المؤسسات السياسية يمكن أن يسير بأسلوب آخر حتى لو كانت هناك وجهات نظر متباينة حول الشأن الدستوري.

إن علينا أن نطرح هذا الموضوع من وجهات نظر متعددة لكي نتعاضد من أجل حماية المكتسبات الإصلاحية التي حققها الوطن. فقد شهد الأسبوع الماضي نشاطات معارضة لقانون الجمعيات السياسية، وكان من بين ما يثير الانتباه هو الطلب الذي تقدمت به بعض الجمعيات المعارضة "المقاطعة" للنواب ثم للشورى وبعدها إلى جلالة الملك بعدم إصدار القانون. وفي هذا الطلب تناقض مع المقاطعة أساسا، وهو ما يعيدنا إلى نقطة الصفر. فمن وجهة نظر الكثيرين، انه كان بإمكان الجمعيات الوطنية ذات الثقل السياسي على الساحة أن تقف ضد إصدار هذا القانون فيما لو كانت داخل البرلمان من دون الحاجة إلى أن تقدم طلباتها لاحقا إلى هذه الجهة أو تلك.

لقد عدت للتو من اليابان وبالإمكان أن نقارن المطلب الدستوري ما بين البلدين. فاليابان لديها دستوران، أحدهما صدر في فبراير/ شباط 1889 والثاني صدر في أكتوبر/ تشرين الأول .1946 دستور 1889 كتبه بعض مستشاري الإمبراطور "أهمهم شخص يدعى ايتو هيروبومي" وبعد ذلك قام الإمبراطور بزيارة "معبد الشنتو" لأخذ مباركة الإله، ومن ثم خرج على شعبه وأصدر الدستور على أساس انه "هدية إمبراطورية" مباركة من الإله. الدستور ركز السلطات في يد الإمبراطور وكان نسخة محورة من دستور بروسيا "ألمانيا حاليا"، واستمر العمل بهذا الدستور حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. في العام 1889 كان اليابانيون أمام خيارين، إما القبول بالدستور أو الاستمرار على الحكم الظالم والمتخلف الذي كان يقوده المحاربون الذين كان يطلق عليهم اسم الـ "ساموراي".

في العام 1945 احتلت أميركا اليابان، وأنشأ الحاكم العسكري الأميركي المحتل "دوغلاس ماك آرثر" لجنة تتكون من عدد من الأميركان الشباب ومعهم بعض اليابانيين لكتابة الدستور الجديد لليابان. وبعد عام من العمل في إعداده، صدر الدستور "تحت الاحتلال" في أكتوبر .1946 هذا الدستور مازال جاريا وهو يحتوي على مواد مكبلة، من بينها المادة التاسعة التي تحرم على اليابان امتلاك جيش تقليدي كما هو حال البلدان الأخرى. وعلى رغم أن النقاش فتح عدة مرات بشأن الدستور الجديد، فإن الحياة تقدمت على رغم كل الإشكالات، بل إن عددا من المعارضين لمواد الدستور ولطريقة صوغه كانوا من المشاركين الرئيسيين في العملية السياسية اليابانية.

لست من الداعين إلى انتهاج الأنموذج الياباني، ولكن العبرة هي في طريقة التعاطي مع الواقع السياسي. فهناك دائما "حنين" إلى "الماضي الذهبي"، و"حنين" إلى "المستقبل الأنموذجي"، ولكن يجب ألا يمنعنا هذا الحنين عن التعاطي بحسب المستجدات لكي لا نفقد المكتسبات.

إن الخشية تكمن في أن يتراجع الوضع ونخسر ما لدينا حاليا، لأن الفعاليات السياسية تحصر نفسها في إطار محدود، وفي الوقت ذاته تتأزم العلاقة فيما بينها وبين السلطة إلى الدرجة التي يبدأ كل طرف في التعامل مع الآخر على أساس الريبة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى التراجع وخسران ما اكتسبناه من حقوق خلال السنوات الأربع الماضية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً