العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ

من يأتي دوره بعد لندن وشرم الشيخ؟

لم يعد الانتحاريون ينتظرون أوامر بن لادن

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

«إسرائيل» أيضاً لها كلمة فيما يجري في العالم! وما يعتقده بعض المراقبين هنا بداية موجة عنف عالمية يقوم بها إسلاميون متطرفون، نظراً إلى وقوع تفجيرات في مناطق متفرقة بعد لندن في شرم الشيخ مع تصعيد العنف الجاري في العراق، وكذلك أفغانستان. يوم الاثنين الماضي حضر نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز إلى مدينة ميونيخ لرعاية مباراة كرة القدم بمناسبة مرور سنة على عقد علاقات دبلوماسية بين ألمانيا الغربية و«إسرائيل»، وشارك في الفريق الإسرائيلي لاعبون فلسطينيون.

بيريز الذي أمر بتصفية ياسر عرفات في مقره بتونس في منتصف الثمانينات حين كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية، صرّح بأنه ينبغي على أوروبا بالذات أن تحمي نفسها مما وصفه بـ «الإرهاب الإسلامي»، ودعا الأوروبيين إلى إنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، وشبكة لتبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية.

وقال بيريز أيضاً ان المتطرفين يستغلون العولمة، والمجتمع الدولي واجه الفشل في وضع استراتيجية مضادة لأنشطتهم في ظل العولمة التي وفرت الانترنت وحرية التنقل والسفر للإرهابيين، وهي فرص كبيرة أتيحت لتوسيع شبكة الاتصالات والتحركات.

أما بخصوص الإرهاب الذي تمارسه «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني وضد سكان جنوب لبنان منذ عقود لم يجد بيريز كلمة واحدة. وتستغل «إسرائيل» ما يجري من حوادث لتظهر نفسها ضحية للإرهاب. فقد أعربت الحكومة الإسرائيلية عن غضبها على البابا بنيديكت السادس عشر لأنه لم يذكر «إسرائيل» بين الدول التي وصفها بأنها ضحية الإرهاب حين أدان الاعتداءات الأخيرة. واستدعت الخارجية الإسرائيلية ممثل الفاتيكان لديها وسلمته رسالة احتجاج لتجاهل البابا «إسرائيل» حين أعرب عن تعاطفه مع مصر وبريطانيا وتركيا والعراق.

وفي ألمانيا وسائر البلدان الغربية تمتلئ الصحف بالتقارير والتعليقات التي تتحدث عن موجة عنف تهدد منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والعالم، وهو ما يجمع عليه المعلقون الألمان، من بينهم راينر هيرمان الذي طرح السؤال الحاسم في تعليق نشرته صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» مفاده: هل هناك علاقة بين تفجيرات لندن وتفجيرات شرم الشيخ؟ إذا صح ما يخشاه حماة الأمن في الغرب فإن الدعوة التي أطلقها زعيم (القاعدة) أسامة بن لادن في الماضي بعولمة العنف ينفذها اليوم من يتعاطفون مع (القاعدة)، ولاسيما أنهم يستخدمون حرب العراق مبرراً لنشاطاتهم.

ويشير هيرمان في تعليقه إلى أن زرع الخوف في نفوس المواطنين الغربيين من أبرز أهداف الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات. ومن هذه الأهداف دفع حكومة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير إلى سحب قوات بلاده من العراق. ولفت المعلق الألماني الانتباه إلى ملاحظة أخرى، وهي أن اختفاء بن لادن ونائبه المصري أيمن الظواهري عن الأنظار مدة أربع سنوات بعد تعرض الولايات المتحدة لهجوم (القاعدة) في سبتمبر/ أيلول ، شجع الزرقاوي الذي عينه بن لادن «أميراً» على العراق. وتتهمه الحكومات الغربية والعراقية بالسعي إلى إشعال نار حرب أهلية بين السنة والشيعة في العراق، على أن يستغل علاقاته مع مؤيديه في أوروبا للقيام بنشاطات إرهابية، وخصوصاً أنه سبق أن هدد الحكومة البريطانية بنقل حرب العراق إلى مدينة لندن.

ووفقاً لاستطلاع نشرته مجلة «دير شبيغل»، يرى غالبية المشاركين فيه ان حرب العراق سبب في موجة العنف التي عصفت بأوروبا وتهدد أمنها. وعلى رغم أن ألمانيا لم تتعرض حتى اليوم لعمل إرهابي فإن مسئولي الأمن فيها يشيرون إلى الإجراءات الوقائية والمشددة التي فرضت على مراحل بعد هجمات سبتمبر . وتستعد ألمانيا لحادثين عالميين على أرضها يثيران قلق المسئولين السياسيين والأمنيين، إذ تستعد ألمانيا لانتخابات عامة مبكرة في الثامن عشر من سبتمبر المقبل، فيما يستذكر الكثيرون ما حصل في أسبانيا حين وقعت تفجيرات مدريد وساهمت في خسارة رئيس الوزراء خوسيه ماريا أثنار الانتخابات بسبب مساندته للرئيس بوش في حرب العراق، وفاز الاشتراكيون بالسلطة.

وهناك خطر داهم مماثل في ألمانيا، إذ لم تخف زعيمة المعارضة المحافظة في ألمانيا أنجيلا ميركل تأييدها لسياسة بوش، وسبق أن انتقدت موقف المستشار الألماني غيرهارد شرودر المناهض لحرب العراق، وكتبت في صحيفة أميركية حين زارت واشنطن في العام تقول ان شرودر لا يتحدث باسم جميع المواطنين الألمان.

والمتوقع ان تكون من أولويات السياسة الخارجية التي ستعمل بها حكومة ألمانية في ظل المستشارة ميركل إصلاح العطب الذي حصل في مسار العلاقات بين برلين وواشنطن، والذي حمّلت ميركل مسئوليته حكومة شرودر. بيد أن ميركل صرحت حديثاً بشأن العراق بأنها ستواصل تأييد موقف بلدها بعدم إرسال جنود ألمان إلى العراق، إلا أن غالبية الألمان لا يثقون بما تقوله.

وتشعر أجهزة الأمن بقلق أكبر تجاه الاستعدادات الجارية في مدينة كولون لاستضافة اللقاء العالمي للشباب الكاثوليكي والذي سيحضره البابا بنيديكت السادس عشر الذي ينحدر من ألمانيا. وكذلك مباريات كأس العالم لكرة القدم صيف العام المقبل. وكانت حادثة مأسوية عالية قد قدمت للألمان الدليل القاطع على عدم وجود شيء اسمه أمن مضمون. فقد هوى طيار هاو بطائرته الخفيفة في حديقة تفصل بين مقر البرلمان ومقر المستشارية، وانفجرت الطائرة ما أدى إلى مصرعه. وكان الطيار القتيل قبل ذلك قد قتل زوجته. وعادت ذكريات هجوم سبتمبر والخوف من تعرض مدينة كولون والمدن المستضيفة لكأس العالم لهجمات مشابهة، الأمر الذي دفع وزير الداخلية أوتو شيلي إلى الاجتماع مع وزراء داخلية الولايات والاتفاق على حظر الطيران فوق مدن محددة عند استضافتها لقاءات دولية، والمطالبة بمنح الشرطة الفيدرالية صلاحيات أكبر من الصلاحيات التي يملكها شرطي القرية على حد تعبير شيلي.

وسأل أحد المعلقين عقب ورود نبأ تفجيرات شرم الشيخ عن الهدف المقبل، فقد اندثر الشعور بأن الذين ينفذون هذه الاعتداءات يعدون للقيام بها بين فترات زمنية طويلة ذلك أن الفترة الزمنية بين الهجوم على نيويورك وواشنطن ثم على مدريد وبعدها على لندن كانت طويلة، لكن المسافة الزمنية بين استهداف لندن وشرم الشيخ كانت قصيرة. والثابت أن الغرب بات في «فوهة المدفع»، منذ تعرضه للهجوم في مطلع يوليو/ تموز الجاري. وهذا يكشف أن الاعتداءات المتتالية في لندن وشرم الشيخ قد تكون بداية موجة اعتداءات دولية إذ يعمل الأصوليون باستراتيجية جديدة تقوم على نقل العنف إلى وسط أوروبا. وهذا تحديداً ما دعا إليه مصطفى نصار السوري الذي عاش طويلاً في لندن في وثيقة وضعها قبل عام وتقع في ألف صفحة. كما أنه على رغم اختفاء بن لادن والظواهري عن الأنظار فإن خلايا الأصوليين تعمل منذ وقت باستقلالية تامة، وبسياسة عبر عنها هجوم سبتمبر، بإلحاق أكبر عدد ممكن من الضحايا من دون تفرقة في الجنس أو السن أو الدين. فقد كان مسلمون ضمن ضحايا الهجوم على نيويورك وواشنطن ومدريد ولندن، وكانوا الغالبية في الهجوم على الدار البيضاء والرياض وشرم الشيخ. حتى سورية التي يتهمها الغرب بالتواطؤ مع الأصوليين الأجانب الذين يشاع في وسائل الإعلام الغربية أنهم يتسللون إلى العراق عبر الحدود السورية، تعرضت هي الأخرى لاعتداءات من قبل جماعة أصولية.

الصورة إذاً ليست واضحة تماماً، على رغم اجتهاد الحكومتين البريطانية والمصرية في الكشف عن المجرمين. فقد أعلنت جماعة أبي حفص المصري عبر الانترنت أنها نفذت اعتداءات لندن يومي و يوليو، وذكرت أنها تعد لعمليات قادمة في الدنمارك وإيطاليا وهولندا. والمعروف ان أبا حفص المصري كان صهراً لبن لادن قتل في نوفمبر/ تشرين الثاني خلال غارة أميركية على جلال آباد في أفغانستان. واعتادت الجماعة منذ فترة، إعلان مسئوليتها عن اعتداءات تجري في أوروبا على رغم أن الاعتقاد السائد عند المحققين الأوروبيين أن هذه الجماعة لم تخطط لهذه الاعتداءات ولم تنفذها، لكنها تنشر الانطباع بأن التفجيرات التي تقع في أوروبا ذات صفة جهادية وضمن الحرب الانتقامية التي يقوم بها الإسلاميون ضد الغرب رداً على حربي العراق وأفغانستان وتحيزه لـ «إسرائيل». ولعل أبرز استنتاج هنا أن الأصوليين لم يعودوا ينتظرون أوامر من بن لادن ويتصرفون بحسب مزاجهم

العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً