العدد 2947 - الخميس 30 سبتمبر 2010م الموافق 21 شوال 1431هـ

ألمانيا تكافح لتضييق الفجوة بين شطريها الشرقي والغربي

بعد عقدين من انتفاضة شعبية أطاحت بسور برلين ومهدت الطريق أمام توحيد ألمانيا، لاتزال البلاد تناضل من أجل تجسير الانقسام الاقتصادي بين شطريها.

والبطالة الضخمة التي كانت سمة من سمات الحياة الاقتصادية في شرق ألمانيا أثناء الأعوام الأولى من الوحدة تراجعت إلى حد ما. وحولت استثمارات الشركات على نطاق واسع معقل الصناعة التقليدي للجمهورية الديمقراطية الألمانية، واستطاع قطاع السياحة إعادة تشكيل الشريط الساحلي الممتد للمنطقة.

لكن الاقتصادي البارز في المعهد الاقتصادي «آي دبليو إتش»، أوليفر هولتمولير قال إنه «حتى بعد عشرين عاماً من الوحدة السياسية، هناك اختلافات بين الأداء الاقتصادي والهياكل الاقتصادية لشرق ألمانيا وغربها». وتمثل الإنتاجية ونصيب الفرد من الدخل في شرق ألمانيا نحو ثلاثة أرباع المستوى الموجود في الجزء الغربي الأكثر ثراء بالبلاد. وقال هولتمولير إن «من المستبعد على أية حال إمكانية تحقيق مواءمة كاملة للإنتاجية والدخل في المستقبل المنظور».

وحتى الآن، فإن نفقات التخلص من الحطام الصناعي في الشرق التي خلفها أربعة عقود من الاقتصاد الشيوعي كانت مذهلة. ويعتقد بالفعل أن الجزء الغربي من البلاد قد ضخ أكثر من 1.3 تريليون يورو (1.74 تريليون دولار) من أجل تحديث البنية التحتية القديمة في شرق البلاد وسعى لإطلاق شرارة انتعاش اقتصادي.

وتقدر الفاتورة السنوية لإعادة بناء شرق ألمانيا ما يتراوح بين 70 و80 مليار يورو. وبالتأكيد، تم اتخاذ خطوات كبيرة في إصلاح الاقتصاد الذي كان يوصف في وقت من الأوقات بالسيارة «ترابانت» ينبعث منها الدخان وذلك في إشارة إلى تهالكه وقدمه.

وفي وقت متأخر من ثمانينيات القرن الماضي، كانت المقايضة أفضل وسيلة للكثيرين في شرق ألمانيا من أجل الحصول على سلع كالفراولة، كما كان منظف المداخن هو الخيار الأساسي للكثير من الباحثين عن عمل. وكان ارتفاع ثمن المظلات يدفع الناس في الغالب إلى إصلاح مظلاتهم القديمة. وأدى أيضاً الإهمال في الجزء الذي سيطر عليه النظام الشيوعي في شرق برلين إلى تحويل مساحات شاسعة من المشهد الصناعي للمنطقة إلى منطقة مدمرة وخربة وملوثة.

والآن، تمت إعادة المدن والبلدات التاريخية، إضافة إلى شبكة واسعة من القلاع والقصور إلى مجدها السابق كنتيجة للإعفاءات الضريبية السخية التي استهدفت تشجيع الاستثمار في القطاع العقاري المتهالك بالمنطقة. ووسط مخاوف بشأن إمدادات الطاقة والاحتباس الحراري، أصبح شرق ألمانيا أيضاً في طليعة تطوير الطاقة المتجددة في أكبر اقتصاد في أوروبا.

ويتوقع بعض المحللين أن ينمو اقتصاد شرق ألمانيا بنسبة 2.5 في المئة هذا العام، إذ إن الولايات الخمس التي يطلق عليها الولايات الجديدة تحاول التخلص من انتكاستها الأخيرة من الأزمة الاقتصادية العالمية. وتراجع عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 11.5 في المئة الشهر الماضي بعد أن تضخمت طوابير العاطلين إلى أكثر من 20 في المئة في الوقت الذي كافح فيه اقتصاد المنطقة من أجل الحصول على قوة دفع في عالمها الجديد بعد فترة الشيوعية.

وقد يحتفل الاقتصاد الوطني الألماني بمناسبة الذكرى العشرين على إنهاء الانقسام إبان الحرب الباردة بتحقيقه أسرع معدل نمو منذ سقوط الجدار، إذ إن معدل النمو في الربع الثاني من العام الجاري ارتفع إلى 2.2 في المئة. ومع ذلك، لايزال الألمان في شرق البلاد يشكون من أن الأجور ومكافآت التقاعد تقل عن نظيرتها في الجزء الغربي من البلاد، على رغم أن التكلفة اليومية للمعيشة أصحبت واحدة في شطري البلاد. وقال مدير نقابة عمالية في ولاية ساكسونيا أنهالت بشرق ألمانيا، أودو جيبهاردت إنه «لم يعد ممكناً بعد عشرين عاماً من الوحدة وفي كثير من الحالات تبرير اختلاف الأجور بين الشرق والغرب».

وبالإضافة إلى ذلك، يرى الكثير من خبراء الاقتصاد أن الصور الوردية التي وعد بها المستشار السابق هيلموت كول في أول انتخابات لألمانيا الموحدة في العام 1990 قد لايزال أمامها على الأقل عقد آخر لتحقيقها، في ظل التقدير الأقل الذي كان يبديه المسئولون بالنسبة للحجم الهائل من إعادة بناء شرق ألمانيا.

وحتى الآن، هناك عدد قليل من مقار الشركات الكبيرة في شرق ألمانيا، كما أن هناك عدداً قليلاً من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تستطيع إجراء توسعات في أعمالها. هذا على رغم الاستثمارات الكبيرة في شرق البلاد من قبل شركات رائدة كشركات «بورش» و»بي إم دبليو» لصناعة السيارات فضلاً عن شركة «إنفينيون» للرقائق الإلكترونية.

وعلاوة على ذلك، فإن الضريبة الإضافية التي يطلق عليها ضريبة التكافل ونسبتها 5.5 في المئة وتم فرضها على كل دافعي الضرائب الألمان، كان الغرض منها في الأصل هو المساعدة في دفع فاتورة التوحيد، لكنها لاتزال بمثابة عامل مثبط للنمو الاقتصادي من خلال خفض الاستهلاك الخاص. ويمكن أن يتم استخدام العائدات الناتجة عن الضرائب الإضافية لعدد من الأغراض في تلك الأيام. لكنها كانت تمثل في السنوات القليلة الماضية استنزافاً لإنفاق الأسر ما بين 11 إلى 13 مليار يورو.

وكفاح شرق ألمانيا للتخلص من ماضيه الاقتصادي صاحبته عولمة بوتيرة متسارعة وبدأت تصبح قوة محركة مثلما كان الجزء الشيوعي يخطو أولى خطواته الأولية على الساحة الاقتصادية العالمية.

العدد 2947 - الخميس 30 سبتمبر 2010م الموافق 21 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً