العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ

بين الترشح واللاترشح... وجهة نظر

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تساءلت إحداهن وفي نبرتها بعضاً من لوم وشيئاً من عتاب مشوب بالإحباط: لماذا لم تترشح بعضهن من النخب النسائية للانتخابات القادمة؟ لماذا هذا «الاستنكاف» والسلبية؟ كيف يمكن تأسيس تراكم كمي ونوعي لجيل بعد جيل وهن مايزلن يراوحن في حالتهن الاستنكافية هذه؟

من الناحية الشكلية لا تباين حول قضية السلبية و»الاستنكاف»، إلا إن النظرة الواقعية تبرز إشكاليات تفصيلية فاقعة ومتعددة، أما من ناحية المضمون، فالتساؤل مشروع وجاء على خلفية تراجع نسبة مترشحات البرلمان من (16) في 2006 إلى (9) نساء في 2010.

قبلها يستوجب التنويه إلى أن المرأة البحرينية على وعي وإدراك معقول حسب المقياس العالمي لماهية دورها ونشاطها في الحياة العامة والسياسية، فضلاً عن مستوجباتها بعد مرور عشر سنوات على خوضها أولى وثاني تجاربها الانتخابية وخصوصاً إن تحدثنا تحديداً عن النخبة ممن يتطلع إليهن المجتمع ليكنّ فارسات الترشح لانتخابات الدورة التشريعية القادمة.

في إطار تحليل الظاهرة، لا ريب أن لفئات واسعة من النساء مثلهن مثل الرجال آراء ومواقف مختلفة من الحراك السياسي بما يموج به من تموجات وتباينات تنتج مواقف وتفرز اتجاهات لهن، تبعد أو تقترب من الدخول على خط لعبة الانتخابات فتعبر عن نفسها بهذا الشكل أو ذاك. يمكن القول إن بعض الفئات سعين ودون اتفاق وتخطيط مسبق إلى بث رسائل واضحة للمجتمع بعد أن خذلهن في تجربتين مريرتين، فكان «الاستنكاف» دلالة عن احتجاجهن على سلبية المجتمع ومناوراته التي ما فتئت تتمظهر في بعض الأصوات المتشدقة بمساواتهن ومكانتهن دون إنصافهن في صناديق الاقتراع؟ إنه الصوت الصامت المضمر الآتي دون جعجعة كرد فعل طبيعي لحال نفاق المجتمع وللذهنية الذكورية التي وضعت المرأة في خانة أدنى مما تستحقه في لعب الأدوار وتبادلها لاسيما عند الاستحقاق الانتخابي، ذلك على الرغم مما تتمتع به من حقوق سياسية كفلها الدستور وما قطعته من شوط على المستوى التعليمي والمهني والريادي في مختلف المجالات.

أضيف، ربما يؤشر «الاستنكاف» عن تسجيل موقف ما تجاه تأكيد المطالبة بتعديل القانون الانتخابي (الصوت الواحد للناخب الواحد) الذي لا ينصفهن أو طريقة توزيع الدوائر الانتخابية وتشتت الأصوات، أو لغياب آليات التمكين السياسي وتنوعها وأبرزها «الكوتا النسائية»، وخصوصاً أن «الكوتا» لا تقتصر على تخصيص نسبة مقاعد تمنح لتمييز المرأة إيجابياً عن الرجل، إنما لها مظاهر متنوعة ثبت ضرورتها ونجاعتها في التجارب العالمية والعربية، فهذه الآلية ما هي إلا أداة مؤقتة من أدوات التمكين يمكن تجريبها وتطويعها والتعامل معها في إطار عملية حسابية تتناسب وظروف مجتمعنا وتقسيم دوائره الانتخابية، فـ «الكوتا» ليست بعبعاً ويخيف. في الوقت نفسه يمكن توسعة الخيارات إلى جانب تطبيق «الكوتا» بفتح التنافس الانتخابي الحر بين النساء والرجال كخيار موازٍ آخر أمام غير المقتنعين بهذه الآلية رجالاً أو نساء، كما يمكن أن يفرض القانون تحديد نسب للنساء على قوائم الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بمعنى أن تتسع الخيارات وتتعدد.

الأهم تسجيل موقف آخر تجاه نص قانون العمل الأهلي للعام 1989 المنظم لنشاط الجمعيات الأهلية الذي لم يتغير قيد أنملة في تحجيم حراك المنظمات الأهلية في المشهد السياسي، إذ يقيد نشاطها ويحرمها من فرص التمثيل في المؤسسة التشريعية، فكيف تتمكن الرائدات في الجمعيات النسائية وغيرها من المشاركة وخوض المعترك الانتخابي وصقل خبراتهن وقدراتهن وظهورهن مكشوفة دون مساندة من مؤسساتهن وحتى إفساح المجال لهن لبناء قاعدة تحالفات وتفاهمات مع بقية المنظمات السياسية والأهلية من جمعيات مهنية وعمالية وأندية ...إلخ، بغية تجميع أكبر عدد من الأصوات لصالح المترشحات؟

ثمة من يعتقد إلى حد اليقين أن بعض الرائدات، لا يترشحن لافتقادهن لمصادر تمويل لحملاتهن الانتخابية مادياً، فالأغلب منهن على باب الله، والمجتمع لديه حالة من حالات الشره لقضم المزيد والحالة الاستهلاكية بسلوكياتها تنعكس في اتجاهات سلوك الناخبين والمترشحين الذين يستقطبونهم ببذخ المآدب والعزائم وبوفياتها وفي أقل القليل فنجان قهوة وكؤوس شاي عليها خفايف من السندويتشات وبعض الحلويات، هذا يمثل أدنى كلفة استنزافية يومية تستمر لمدة شهرين مضاف إليها تكلفات المقار الانتخابية ونصب الخيام والكهرباء والتجهيزات وطباعة ونشر الملصقات والإعلانات والدعايات، فضلاً عن سداد أتعاب موظفي الحملات الانتخابية، خصوصاً مدراء ومديرات الحملات وما شابه، هنا نشير أيضاً إلى ضعف قدراتهن على مجاراة المال السياسي وأموال الخير التي تقع خارج أياديهن والأغلب في حوزة الرجال، والمرأة البحرينية في العموم هالكة ومستهلكة ليل نهار في عملها وبحسّها المسئول لتحصيل لقمة العيش مع شريك حياتها للإيفاء بالالتزامات الأسرية ومتطلبات الحياة التي تواجه تحدياً قبالة موجة الغلاء والتضخم، لذا فهي غالباً ما تحسبها لصالح أسرتها كأولوية مادية فتتخلى عن خوص مغامرة نتائجها غير مأمونة وتراها بعضهن مكلفة للوقت والأموال والصحة. إلى جانب هذا وذاك ثمة قطاع منهن يترقبن في حالة انتظارية تلقيط الرزق من عملية التعيين في مجلس الشورى بعيد انتهاء موسم الانتخابات، فمن يتحصل منهن على فرص التمكين بالتعيين، سيتجنب في الأرجح وجع الرأس والتكلفات ومواجهة جمهور الناخبين وحنَّتهم وطحنتهم، والمحصلة الختامية واحدة هي الفوز بعضوية المجلس بما يتمخض عنه من مزايا (سيارة، لقب سعادة ووجاهة، وراتب شهري قدره...، وسفرات ببدلها ومنافعها ووو) فلماذا الإبحار ورزق الله المحتمل على السيف؟!

خارج ما سبق، حتماً لا يخلو الأمر من احتجاج له علاقة بالجمعيات السياسية التي يتشدق بعضها بشراكة النساء ودورهن، لكنه يظنّ عليهن الترشح في قوائمها الانتخابية عدا جمعيتي (وعد والفكر الحر)، إذ لا جمعية ترغب في المجازفة والتفريط بفرص الفوز بإيصال نائب لها في البرلمان ورغبة في إثبات حسن النوايا لبرامج التمكين وإعطاء فرص للنساء، ناهيك عن موقف الجمعيات السياسية الدينية بشقيها المتمترس عند حدود الفتاوى والمقولات والتفسيرات والتأجيلات التي تمنع ترشح النساء وحتى التصويت لهن. إن في ذلك تحدياً كبير أمام قطاع لا يستهان به من المنتميات لهذا التيار بقبولهن لعب أنصاف الأدوار والذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت للرجال وحشد أصوات النساء لهم وليس لهن، وإغفال حقوقهن وفرصهن الغالية التي لا تتكرر إلا كل أربع سنوات تحت مبرر التحريم وتأجيل خوض غمار الانتخابات الأكثر ترجيحاً لفوزهن لو قبلن التحدي. لو؟!

الخلاصة، البحرينيات حققن الكثير وأمامهن المزيد في دورة حياة المجتمع الحلزونية.

البحرينيات قادرات على صنع قراراتهن والتعبير عنها بمواقف وبطريقتهن، ذلك على الرغم مما تعاني منه بعض الفئات من نواقص هنا أو هناك كحال المجتمعات الأخرى، نواقص يمكن استدراكها بالعمل الجاد والدؤوب، وبالإصرار على تغير المعادلة لصالحهن على المدى المنظور والاستراتيجي وذلك بالمران والتدريب والتحفيز وصقل المهارات والتأهيل

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:01 ص

      جيد

      هنالك شتان بين التنظير السياسي والعمل في السياسة,كثيرات يستطن التنظير والدخول في نقاشات لا متناهية حول السياسية ولكن عند العمل لا يملك تلك البراعة والتي تلزمهن بفرق قد يكون مؤجر ليقوم به عنهن.
      عند الانتخابات دائما اتسائل؟هل الهدف من المشاركة هو الفوز لخدمة الناس ام ايصال فكرة حول دعم المراة حتى لو خسرنا الدائرة بها؟
      اتوقع اغلب الحسابات تميل نحن الفوز.ومن يرد ان يسجل موقفا لديه 4 سنوات ليبرز نسائه في احزابة السياسية او ما شابه..لكن لا احد يغامر بامراة.لكن لما يغامرون برجل؟

اقرأ ايضاً